٦ سنين مضت، تغيرت فيها ملامح العالم من حولي، زرت خلالها محطات كثيرة من العالم، لكن لا شيء يشبه تلك الرائحة، التي تجول الشوارع الدمشقية العتيقة، لا شيء كسهول حوران، وموسيقى الجبل، وليالي الأنس في الشهباء وماء بقين والفيجة، كانت الحياة بسيطة بكل ما تعني الكلمة، كنّا كلوحة فسيفساء رسمها فنان، لا تميز فينا طائفتنا ولا نختلف فيما بيننا.
نعم كان الظلم سائداً، كان هناك مَن يشيع في الأرض فساداً ويسرق خيرها.
شام… يا من خُطت على أرضك أول أبجدية في العالم!
يا من مر على ترابك مماليك الأرض، أيتها الأرض المباركة، يا غوطة الشام، يا أرض الفرات وقاسيون.
في الغربة… ضاع أبناؤك، سلكوا طريق البحر الطويل ليفترقوا بعدها في أرجاء القارة العجوز، مهاجرين لا سائحين، باحثين عن حياة لا زوار!
حقائب سفر تمزقت من طول الغياب، وتحطمت لوحة النسيج الاجتماعي الفريد.
متى اللقاء مجدداً؟ هل يطول بِنَا؟
لم يبقَ في مذكرتي مكان لأكتب فيه مرارة الغربة والشوق إلى أيام طفولتي في القرية الريفية السهلية الطيب أهلها.
في المهجر يا شام.. بتُّ كالسكران أجوب الطريق بين شوارع ليست من تاريخي، ولا تحمل هوية لثقافتي، أبحث عن ليالي الأنس، لا مكان للفرح سوى التصنع بأننا نفرح.
أما أنت يا بلدي، بتَّ غريباً لم تعد كما أنت، تغيرت ملامحك، وهدمت أبنيتك، ودمرت حضارتك.
بات لون الدم يرسم لوحات يعجب بها الرسامون ويؤرخها المصورون، لا أسمع عنك إلا في نشرات الأخبار وشاشات التلفزة.
في بلد المهجر الجديد، مَلكت جوازاً خُط عليه ألا أعود إليك بسبب ما فيك من حروب، منحوني أوراقاً غير تلك التي كانت تشبهني وتربطني فيك.
كان يوم وداعي فيك أشبه بتراجيديا قديمة، لم أكن أتخيلها، فارقت فيه أهلي وجيراني وأصدقائي.
لم أكن أدرك أن هذا اليوم سيكون الأخير، كان أشبه بالحلم، عندما تركت كل ذكرياتي وحملت حقيبتي التي باتت تتمزق في كل محطة سلكتها، إلى لبنان ثم مصر وليبيا؛ ليقف في الزمن عام ونصف هناك، ثم سلكت طريق البحر عبر قوارب الموت إلى إيطاليا، مررت بالنمسا وألمانيا والدنمارك لتحط بي الرحال في السويد.
لن أرثيك يا وطني، سأرثي نفسي وشبابي الذي بات كورق الشجر يسقط في كل خريف.
هل سألتقي بك يوماً؟ أرغب في شرب مياه فيجة وبقين، أود أن أجمع لطفلي ورود الياسمين.
عُد يا وطني سالماً كما كنت.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.