أظهرت مجموعة من الشواهد في البرية والمختبرات وحدائق الحيوانات تعاطف الحيوانات البريّة بعضها مع بعض. فمثلاً، تعرّضت أنثى فيل صغيرة لحادثة وأراد استغلال ضعفها فيل آخر أكبر منها بالهجوم عليها، فلاحقته أنثى بالغة ليهرب مبتعداً، ثم عادت إلى الصغيرة وبدأت تُلطّف قدمها المصابة بخرطومها.
وقام قرد بتعليم آخر كيفية إدخال قرص داخل آلة صغيرة في إحدى حدائق الحيوانات؛ ليتمكّن من الحصول على حصته من الطعام. وانتشرت قصة لقطة -تدعى ليبي- عملت على مساعدة صديقها الكلب غير القادر على السمع والنظر والذي يُدعى كاشو، بإرشاده إلى الطعام وبتجنيبه المخاطر. ورفض جرذ في أحد المختبرات سحب رافعة للحصول على الطعام؛ لأنه لاحظ تعرّض جرذ آخر لصعقة كهربائية عند قيامه بذلك. وعملت مجموعة من الشمبانزي على معاقبة أخرى؛ لأنها تأخرت عن الحضور لتناول وجبة الطعام؛ لكونه لا يتم تقديمه لهم إلا في حال كانوا مجتمعين في الوقت نفسه.
وبناء على تلك الشواهد من مختلف الحيوانات، يتساءل المرء: هل تملك الحيوانات حياة أخلاقية؟ بيّن الله تعالى أن الحيوانات هي أمم مثلنا بقوله تعالى: "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ" (الأنعام: 38).
فالحيوانات تملك تصرفات أخلاقية وتنشئ حياتها بناء عليها. ويعدّ الصواب والخطأ أساسياً في تفاعلاتها الاجتماعية، وتملك درجة عالية من الذكاء، ومرونة في التصرف. كما أنها ممثلة اجتماعية قادرة على معالجة شبكات معقدة من العلاقات والعيش ضمن قوانين تحقق التوازن. وتلجأ الحيوانات إلى العقاب؛ لعدم التشجيع على الغش ولمنع الخيانة ولضمان استمرارية التعاون.
وكان أن توصّل مجموعة من العلماء، مثل روبرت سوزمان وبول غاربر وجيمس تشيبورد، إلى أن معظم التفاعلات الاجتماعية بين الحيوانات تحصل نتيجة العواطف وبوعي وليس نتيجة ظروف ما. فمثلاً، اعتقدوا في وقت سابق أن الذئاب تتعاون في الصيد عندما تكون الفريسة كبيرة على أحدهم ليفترسها وحده، ولكن تبين أنه يتم التعاون عن قصد ووعي منهم.
وتم ملاحظة وجود للعدالة بين الحيوانات عند لعب بعضها مع بعض. ففي عالمها على جميع اللاعبين اللعب بحسب قواعد اللعبة، ومن يفشل فإنه يتم تجاهله وعدم اللعب معه مرة أخرى.
وتوصّل العلماء إلى أن الحيوانات تلجأ إلى اللعب لتطوير المهارات الاجتماعية ولمعالجة الروابط الاجتماعية، فتتعلم المهارات الاجتماعية الأساسية لتتمكن من التأقلم في بيئتها.
واللعب يساعد على نمو الدماغ وتحسين الحالة النفسية وتطوير الإدراك المنطقي والمرونة في السلوك. واكتشفت الأبحاث أنه يزيد من مستوى بروتين مرتبط بنمو الخلايا العصبية. فالحيوانات تتقصد اللعب لتتمكن من بناء أواصر المحبة والألفة فيما بينها ولتزيد من قوة العلاقات الاجتماعية بين بعضها وبعض.
كما لاحظ العلماء وجود دراما عند الحيوانات كالبشر، مثل الحب والخجل والتعرّض للرفض والغزل. كما أنها تتعارك وتتواسى وتتصالح. وهذا ما نشهده في مواساة قطة لأخرى دهستها سيارة، وكلب يجلس عند صديقه الميت ويرفض تركه! حتى إنها تتعاطف مع الإنسان، كالصورة التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفيها جمل رفض مغادرة قبر صاحبه.
وبرز التعاون بين الحيوانات بشكل جليّ؛ إذ تمت ملاحظة مساعدة الجرذان لأخرى غرباء، ما كان له الأثر في قيام أولئك الغرباء بمساعدة غرباء آخرين، أي حصول تبادل بينهم والذي كان يُعتقد أنه محصور فقط بين البشر والقرود. كما تتعاون الغربان مع الذئاب لإرشادها إلى جثث الثدييات الكبيرة لتتمكن من نهش لحمها بعد أن تفتحها الذئاب، ولا تمانع حينها الذئاب من قدوم الغربان لمشاركتها الأكل.
وأذكر هنا انتشار فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي في إحدى المناطق النائية، وفيه يظهر عصفور قام بمساعدة أحد البشر بإرشاده إلى العسل المخبأ في إحدى الأشجار بشرط وعده له بحصة منه. وأيضاً، القصة التي ذكرها أحد الكتب المدرسية حول التمساح الذي يسمح للعصفور بتناول بقايا الطعام من فمه لتنظيف أسنانه وموفراً له الطعام بذلك في الوقت نفسه.
وتحصل الصداقة بين الحيوانات نتيجة تعاطف بعضها مع بعض؛ مثل مساعدة أحد القرود للعصفور على الطيران بعد أن وقع في قفصه، ومساعدة الكلاب لضحايا البشر في 11 سبتمبر/أيلول وتسونامي. وهذا يذكرني بإحدى القصص على مواقع التواصل الاجتماعي عندما قامت إحدى النمرات بقتل قردة ولم تعلم أن لها رضيعاً فجلست معه ترعاه.
إذاً، ما الفرق بين الإنسان والحيوان في الأخلاقيات؟
إن المنطقة المسؤولة عن المنطق والحكم لدى الإنسان متطورة أكثر من الحيوان. ومع الحكم والمنطق، يملك الإنسان إدراكاً نفسياً وذاتياً وقدرة على التحكّم في النفس وإدارتها. أمّا الحيوانات، فلا تملك القدرة على التحكّم في النفس، ومن ثم فهي غير مسؤولة عنها.
فالقدرة على إدارة النفس والتحكّم في السلوك تجعل الإنسان مميزاً عن الحيوان ومسؤولاً عن تصرفاته. وباختياره وحده يستطيع أن يكون إنساناً أخلاقياً أو بلا أخلاق!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.