كان يا ما كان.. رمضان “1”

لن أنكر أيضاً، أكثر من مرة تمنيت بطريقة ما لو يتأخر رمضان يوماً أو يومين لأدخله وأنا أكثر استعداداً، أقبض على نفسي دوماً متلبساً بهذا الشعور الذي له طعم يشبه طعم الخطيئة

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/09 الساعة 02:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/09 الساعة 02:14 بتوقيت غرينتش

كل مرة يفاجئني رمضان وأنا متلبس بجرم "اللااستعداد".. كل مرة أكون في زاوية ما بعيداً عن المكان الذي يجب أن أكون فيه.

لم أتقن قط ترقبه وعد الأيام التي تفصلني عنه، أترك نفسي لأفاجأ (أو ربما أترك نفسي فأفاجأ!!).. وفجأة إذا برمضان يكاد يدخل.. (هل نسيت.. رمضان الأسبوع القادم!) تقول زوجتي.. أكاد أصرح بدهشتي علناً، معقول؟.. كما لو أنني لم أكن أدري، كما لو أنه سيؤخر أو يقدم مجيئه، كما لو أن شعبان يستمر شهرين!

لن أنكر أيضاً، أكثر من مرة تمنيت بطريقة ما لو يتأخر رمضان يوماً أو يومين لأدخله وأنا أكثر استعداداً، أقبض على نفسي دوماً متلبساً بهذا الشعور الذي له طعم يشبه طعم الخطيئة، الشعور بأني غير مستعد له كما يجب، وأنني أحتاج المزيد من الوقت للتحضر له، ودوماً لا يكون هناك وقت، دوماً تشعر -أو أشعر!- أنك تحتاج المزيد من الوقت، أن يتوقف الزمن ولو لأيام؛ لكي تدخل رمضان وأنت على "أهبة الاستعداد".. لكن ذلك لا يحدث أبداً، على الأقل ليس معي.. وربما لا يحدث مع الجميع، بل ربما كان من الأفضل أن لا يحدث أبداً.. ربما "أهبة الاستعداد" بالنسبة لرمضان هي أن لا تكون مستعداً قط..

ربما من الأفضل أن نترك لرمضان، بينما هو يدخل، أن يُتِم استعدادنا له بنفسه، أن يأخذنا على "حين غرة" متلبسين بجرم اللاانتباه.. واللااستعداد.. (الجرم الذي تضيع فيه حياتنا!!) ولكن بمجرد صدور البيان إياه من الهيئة إياها، التي تعلن مثلاً أنه "غداً" وليس "بعد غد".. فإنك تلقائياً ودون أن تشعر ودون أن تدرك كيف، تدخل إلى رمضان وجوه وكل ما يتعلق به (اعترف.. بعض ما يتعلق به يجب أن لا يكون محسوباً عليه، والبعض الآخر يجب ألا يقتصر عليه).

كما لو كان الأمر بكبسة زر، تدخل في جو رمضاني خاص، كنت تتصور أنك بلا مؤونة تماماً، وأنك بحاجة إلى التزود بالوقود الملائم له، لكنه يأتي ومعه وقوده.. بينما تتفقد مؤونة العدس والبقوليات وتتأكد من كفايتها، تكتشف أن المؤونة الأخرى التي تحتاجها لرمضان لا تحتاج إلى مشوار لسوق الجملة لكي تحصل عليها.

تلك المؤونة الأخرى الدرب إليها أقصر وأصعب في آن واحد.. وهي موجودة بطريقة ما في أعماقك.. كل ما عليك أن تفعله هو أن تقترب منها وتصل إليها..(وهو أمر قد يكون أقل إغراءً من الذهاب للتسوق مثلاً ولكن مغرياته على المدى البعيد أكثر دواماً وإمتاعاً).

لماذا يفعل رمضان هذا بنا؟ هل هي الشياطين المصفدة؟ هل هو إيماننا أنها مصفدة؟ (هل هناك فرق؟!) هل هو الجو الجماعي الذي يغلف رمضان؟ هل هو ما نتوقعه من رمضان؟ هل هو كل ذلك معاً وبلا استثناء؟

ربما.. المهم أنه يأتي وسواءٌ كنا على أهبة الاستعداد أو لم نكن، فإنه يأتي، ونجد أنفسنا فيه.

(ربما فعلاً هذا هو ما يجب أن يحدث أن نجد أنفسنا فيه!).

بالمناسبة: كل رمضان وأنتم بخير.

يُتبَع..

– تم نشر هذه التدوينة في موقع الدكتور أحمد خيري العمري

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد