في كل إطلالة له، يقوم أمين عام ميليشيا "حزب الله" حسن نصر الله بطرح جملة تناقضات، تكاد لا تُعد ولا تُحصى، حتى إن الفترة الزمنية بين كل افتراء وآخر تصل إلى بضع دقائق فقط، ربما أن استخدام "سيكولوجيا الحشود"، والتعبئة الطائفية واستخدام العنصر المذهبي في الخطابات، بالإضافة إلى الانقسام العمودي الطائفي المذهبي الرهيب في منطقتنا، يجعل المستمع غير آبه لما يقوله الخطيب، هل هو صادق أم لإبليس لاحق.
في هذا المقال، أحاول قدر الإمكان أن أحصي تاريخياً بعض التناقضات الكبيرة عند حسن نصر الله، في مسيرته الاحترافية في الكذب والدجل واللعب بعواطف العامة.
في 26 عام 2008، أطلق نصر الله موقفاً متقدماً بعد اعتداء ميليشياته على بيروت واستباحتها قائلاً: "نحن لا نريد السلطة ولا نريد أن نحكم لبنان ولا نريد أن نفرض فكرنا أو مشروعنا على الشعب اللبناني، لأننا نؤمن أن لبنان بلد خاص ومتنوع ولا قيام له إلا بتعاون الجميع. ولاية الفقيه تقول لنا نحن حزبها، وإن لبنان بلد متنوع يجب أن نحافظ عليه"، هذا الكلام المعسول، أراد توجيهه بشكل مباشر إلى الشارع المسيحي الذي رأى بأم عينيه استخدام السلاح ضد الشارع السني، حتى يطمئنه بعدم استخدامه ضدهم في المستقبل. لكن الحقيقة تقول، لمن يفتخر يومياً بانتمائه لـ"ولاية الفقيه".
إن الخميني دوَّن في كتابه الحكومة الإسلامية، الذي يُعتبر خزان وصايا لمن يمثله: "فإذا لم يستطع المسلمون تشكيل حكومة عامة شاملة فليس معنى ذلك إغفال هذه الناحية رأساً، بل إن على الفقهاء تشكيل حكومات محلية في إطار نفوذهم الخاص"، أما نصر الله يقول: "دعانا الإمام لإقامة الحكومة الإسلامية في أي بلد نعيش فيه، وهذا ما يجب أن نعمل له، وأن نفهمه تكليفاً شرعياً واضحاً، وأن نعمل في لبنان وفي غير لبنان؛ لأنه خطاب الله منذ أن خلق آدم"، وقد نُشِر في جريدة العهد في 23 من عام 1989، نصر الله الذي أنكر نيته حكم لبنان، يقف اليوم حجرة عثرة أمام انتخاب رئيس للجمهورية، فكتلته لم تحضر يوماً جلسة الانتخاب!
مارس نصر الله التقية بكل مهارة، وأجاد خداع عامته وعامة الناس، بل إن معظم اللبنانيين اتفقوا سابقاً بمختلف طوائفهم على أن هذا الرجل قد غيَّر من مسيرة الحزب الإيراني؛ ليجعله ينصهر ضمن المجتمع اللبناني ويرفع راية المقاومة التي تريد تحرير الأرض، وقال يوماً: "نحن موافقين أن هذا التعدد الموجود في البلد ذات بعد عقائدي ومصلحي، في البعد العقائدي هو رسالة ونموذج. في البعد المصلحي لبنان بلد الحريات ونحن لا نسعى إلى تغيير هذا الواقع". لكن الحقيقة تقول، إن افتخاره لانتمائه لـ"ولاية الفقيه" يفرض عليه أن يؤمن بما أوصى به الخميني قائلاً في كتابه "الحكومة الإسلامية": "طريق الدعوة والتبليغ، هذه هي الطريقة المتبعة في جميع النهضات الإصلاحية الكبرى على الإطلاق..
يتزايد أنصار الفكرة على مر الزمان حتى تتسرب في أعماق المجتمع وفي أعضاء الدولة من إداريين وعسكريين"، وفي خطبة له عام 1982 يقول فيها: "المشروع التوحيدي الأول والوحيد في هذا الكون هو مشروع الدولة الإسلامية، وليس مشروعاً تقسيمياً… نحن حتى لو أقام بعض الناس كانتونات، فإننا لن نسامح من سيقيم كانتوناً مسيحياً في المنطقة الشرقية وجبيل وكسروان؛ لأن هذه مناطق المسلمين وقد جاءها المسيحيون غزاة"، وفي العاشر من عام 1986 يقول: "تعلمنا من شهدائنا أن لا ننتظر الحلول والاتفاقات؛ بل أن نسعى للتحرك بحمل البندقية وأخذ القرار من قيادتنا الشرعية المتمثلة بالإمام الخميني"، وهذا لا يناقض ما سطره معلمه الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية: "كان لولي الفقيه من الزعامة الكبرى ما كان للنبي وللإمام، وله نفس الامتياز الذي كان لهما في إطار الحكم والولاية، وعلى عامة المسلمين إطاعته والانقياد تحت قيادته الحكيمة".
نصر الله لم يكتفِ بالخطابات كمحطة لتناقضاته، بل بتموضعه السياسي في جميع الاستحقاقات، فالذي اتهم يوماً ميشال عون "حالة إسرائيلية صدامية وتدميرية ولا يرى إلا مصالحه الشخصية ومصالح طائفته، فهو النهج الماروني العنصري في الشرقية" (جريدة النهار في السادس من عام 1989)، يقدّمه اليوم مرشحاً لرئاسة الجمهورية!
"الربيع العربي" هي المحطة المهمة التي كُشِف فيها الغطاء عن دجل نصر الله في تعاطيه وتشخيصه للثورات العربية، فقد بدأت في دول "سُنّية"، فاعتبرها ثورات مجيدة في تونس وليبيا قائلاً: "الشعب انتصر على طاغوته"، وكذلك أيضاً في اليمن والبحرين ودعا الشعبين لإكمال حراكهما، ولكن حين وصلت الثورة إلى سوريا لتطيح بنظام مجرم يدعمه، قال: "هناك من يريد أن يدمر سوريا، المطلوب هناك نظام استسلام عربي"، واعتبر أنها مشروع أميركي – إسرائيلي!
في توصيفه للجماعات الإسلامية في سوريا والعراق، لم يستطع نصر الله أن يحدد موقفه منها، فأخذ يتخبط في تصريحاته وخطاباته، حتى وصل الأمر إلى أنه ناقض نفسه في خطاب واحد في 2016 حين قال: "داعش منظمة مدعومة من السعودية"، ثم أردف قائلاً بعدها بثوانٍ قليلة: "من الممكن أن تتصادم السعودية وداعش في الشمال السوري"! وقد سبق هذا الخطاب بسنة موقف مناقض "أبو بكر البغدادي (زعيم داعش) عُين أميراً لمكة وأميراً للمدينة؛ لأن خلافة داعش لا تقوم بدون الحرمين الشريفين"، لافتاً إلى أن "هدف داعش الحقيقي ليس بيت المقدس، بل مكة والمدينة"! وأكد يومها في خطابه أن "العراقيين منعوا داعش من الوصول إلى الكويت وإلى السعودية"، معتبراً أن الذي يحارب داعش هو نفسه الذي يدافع عن عروش ونفط ملوك وأمراء دول الخليج! واللافت أيضاً، أنه يكرر دائماً انزعاجه من لغة التخوين، ثم يقول في المحطة نفسها: "ثلاثة أرباع المسلمين كانوا مع "إسرائيل" ضدنا"!!! يدين في خطابه لغة القتل "يُقتَل شخص لأجل رأيه"، ثم يجدد دعمه لنظام بشار الأسد المجرم! يستنكر اللغة الطائفية المُستخدمة عند خصومه وهو يخطب فيهم أمام راية "يا حسين"!
قد يجد نصر الله نفسه مطمئناً أن حكاية "بينوكيو" ليست إلا أسطورة، فيأخذ مجده في الكذب والاستخفاف بعقول مناصريه؛ لأن الأسطورة لو صدقت، لاكتفى من الكذب وكفانا مشقة سماعه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.