نظرة المجتمع الغربي لمنطقة "الشرق الأوسط" مختلفة عن نظرتنا نحن للمنطقة وتاريخها، ولكي نعرف كيف ينظر الغرب إلينا لابد من قراءة ما كتبوه عن نشأة منطقتنا وتاريخها، وهنا في هذا الموضوع نقدم لك أبرز الكتب المترجمة التي تخبرنا الإجابة التي نبحث عنها.
1- سلام ما بعده سلام – ديفيد فرومكين
توفي المؤرخ الكبير ديفيد فرومكين، منتصف شهر يونيو/حزيران 2017، لكنه ترك أهم مؤلف تاريخي بنى من خلاله رواية متماسكة لنشأة الشرق الأوسط الحديث في زمن الحرب العالمية الأولى، اعتمد فرومكين بشكل أساسي على المصادر البريطانية، من خلال أرشيف وزارات الخارجية ودوائرها الحربية والمالية وأرشيف حكومة الهند البريطانية ومجلس العموم الإنكليزي، وكذلك تناول المصادر الفرنسية والروسية والألمانية والأميركية والإسرائيلية والعربية، لينتج رواية واقعية بانورامية لشبكة التحالفات والصراعات التي نشأت عنها خارطة الشرق الأوسط الحديث.
يبدأ الكاتب بحقبة ما قبل الحرب قبل ظهور الدول المعروفة حالياً بإسم تركيا والسعودية وفلسطين وإسرائيل والأردن وسوريا ولبنان والعراق، التي كانت جميعها أراضي عثمانية، قبل أن يخسر "الرجل العثماني المريض" الحرب، ويقسم الحلفاء أراضيه، يظهر كتاب فرومكين كيف تغيَّرت الاستراتيجيات وشبكات التحالف وحدود الصراع نتيجة عوامل داخلية وخارجية لدى متخذي القرار في البلاد المختلفة التي خاضت الحرب العالمية الأولى، فعلى سبيل المثال غيَّرت بريطانيا وفرنسا من استراتيجيتهما تجاه العثمانيين، واختارتا إنهاءها وتقسيم أراضيها بعد أن كانتا معنيتان بالحفاظ على وجودها الضعيف قبل الحرب.
وحسب المؤلف فإن حدود الدول الحالية قد رسمت بالأساس لرعاية مصالح بريطانية وفرنسية بغض النظر عن مصالح وآمال شعوب المنطقة التي كان يتم تجاهلها أو إنكارها من قبل المسؤولين الأجانب، وشرح الكتاب كيف جلب الأوربيون أفكار القومية والدولة الحديثة لتطبيقها على شعوب لها دينها وثقافتها الخاصة المختلفة.
يحكي الكتاب كيف تبدَّل العالم بعد الحرب العالمية الدموية الأولى بين عام 1914-1918 واتفاقية السلام المستحيلة التي تلتها، فحتى أعظم الإمبراطوريات يمكن أن تموت كما يقول الكاتب في بداية كتابه، وبنهاية الحرب كان الحلفاء يقومون بتقسيم مناطق النفوذ والسيطرة في الشرق الأوسط بإجراءات "إمبريالية" مفروضة على أبناء البلاد، بدعوى أن أبناء البلدان العربية لم يكونوا مستعدين لحكم أنفسهم.
2- سقوط العثمانيين الحرب العظمى في الشرق الأوسط – يوجين روغان
كتاب يوجين روغان أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في أكسفورد هو آخر الكتب صدوراً، وإن كان من أهمها، ففكرته الجديدة التي عنون بها كتابه عن سقوط العثمانيين كبداية لحرب الشرق الأوسط تنقل مركز الأحداث خلال الحرب العالمية الأولى من الغرب للشرق، وتجعل ساحات القتال في غاليبولي وبلاد ما بين النهرين والعراق وفلسطين أساساً للأحداث، معتبراً أن معركة غاليبولي التي انتصر فيها العثمانيون بعد عناء وخسائر كبيرة وحروب فاشلة في القوقاز ومصر والعراق تركت آثارها حتى في بريطانيا.
ويفترض الكتاب أن ذلك أطال قدرة الألمان والعثمانيين على الصمود لفترة أطول في الحرب، بينما كانت التوترات الداخلية في ولايات الدولة العثمانية، وخاصة الثورة العربية التي أعلنها شريف مكة الحسين بن علي ضد السلطان العثماني هي ما وضع حداً للدولة التي انتهت مع خسارة الحرب العالمية الأولى.
نشأ المؤلف في الشرق الأوسط، حيث كان والده يعمل في شركة لتصنيع الطائرات الحربية، وتناول في كتابه الحرب في الشرق الأوسط كفرصة غربية لإنهاء الإمبراطورية العثمانية المريضة.
انتصر العثمانيون في معركة غاليبولي، وجاء هذا النصر كرد اعتبار مؤقت بعد خسائر عثمانية فادحة، مثل حملات أنور باشا ضد الروس في القوقاز التي فقد العثمانيون فيها جيشهم الثالث بكامله، وحملات جمال باشا باتجاه السويس، وحملة سليمان لاستعادة البصرة في العراق، لم تغير نتيجة غاليبولي من نتيجة الحرب العالمية الأولى، لكنها أطالت أمدها، ومتَّنت التحالف العثماني الألماني، وجعلت البريطانيين يحشدون لهزيمة العثمانيين في العراق وفلسطين، ويدعمون الثورة العربية التي قادها شريف مكة الحسين بن علي ضد السلطان العثماني.
يقول الكاتب إن بريطانيا كانت تتجنب العدوان على أراضي المسلمين حتى لا تطلق موجة من "الجهاد" في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مسلمو الهند البريطانية، لكنه يصف رواية جندي عربي في الجيش العثماني الذي تنبأ بتقسيم الإمبراطورية وتفشي الجراد الهائل في عام 1915، "عندما أظلمت سماء القدس بأسراب الجراد وجمع الناس بيض الجراد لتدميره في مستودعات الحكومة، وأصبحت الكلمة التركية المرادفة للتعبئة "سفربرلك" تعني فشل المحاصيل والتضخم والمرض والمجاعة والموت بين المدنيين بطريقة غير مسبوقة".
ورغم أن الكاتب يبدو مهتماً بالمسألة الأرمنية وأحداث العنف التي حدثت خلال الحرب، لكنه يقلل من الأدلة المثبتة على رواية الأرمن، الذين أفرد لهم مساحة في الفصول الأولى لرواية تجربتهم، بينما جعل الفصول اللاحقة تروي "الثورة العربية" التي أخرجت العثمانيين من فلسطين وسوريا بدعم بريطاني، وكيف أسهمت في بناء دول وطنية لا تحظى بالقبول الكافي، لكنها تشكل الشرق الأوسط الحالي كما يشير روجان، الذي يرى أن اتفاق سايكس بيكو قد تبخر بشكل غير عادل، وحلَّ محله سريعاً خطط أخرى بديلة من الغزو الإمبراطوري والاستغلال من قبيل وعد بلوفر عام 1917، الذي دعا لإنشاء "بيت وطني للشعب اليهودي في فلسطين".
3- خط في الرمال بريطانيا وفرنسا والصراع على الشرق الأوسط – جيمس بار
يوسع جيمس بار في كتابه مجال الرؤية ليشمل الحربين العالميتين الأولى والثانية في الشرق الأوسط، مركزاً على صراع النفوذ بين بريطانيا وفرنسا للسيادة على أراضي وموارد المنطقة، ويتناول أيضاً اتفاقية سايكس بيكو، ومراسلات ماكماهون والشريف حسين وغزو فلسطين والثورة العربية الكبرى واستقلال سوريا ولبنان ووعد بلفور، وهي مسائل تناولها أيضاً كتاب "سلام ما بعده سلام"، لكن بار يعطي مساحة أكبر للحركات الإرهابية والوكالة اليهودية ودورهم في طرد البريطانيين.
معتبراً أن بريطانيا أسهمت في جلاء الفرنسيين عن مناطقهم في سوريا ولبنان بطريقة مهينة، وفي المقابل أسهمت فرنسا في إجلاء البريطانيين عن فلسطين عبر تمويل الحركات الإرهابية "الأرغان" و"الستيرن" اللتين رأتا (بعد تعليق الحكومة البريطانية للهجرة اليهودية إلى فلسطين لإرضاء العرب) أنه آن الأوان للبريطانيين الخروج من فلسطين.
واعتبر بار أن بريطانيا التي كان وجودها في مصر مهدداً نتيجة تنامي مطالب الحركة الوطنية المصرية بالاستقلال رأت في تأييد قيام دولة يهودية في فلسطين حلاً يوفر عليها تأمين منطقة شرق قناة السويس، بدون تواجد مباشر يشعل صراع النفوذ والسيطرة مع القوى الأخرى، وكانت افتراضات البريطانيين حول الامتنان اليهودي لهم واستفادة العرب اقتصادياً من الهجرة اليهودية لفلسطين خاطئة تماماً كما يقول المؤلف، خاصة بعد أن تحولت المنطقة لحالة من الفوضى وساحة صراع للقوى العظمى.
تنبأ بار من مذكرات وزارة الخارجية البريطانية السرية لتدهور الأوضاع في الشرق الأوسط، فنقل عنها أن "رسم سايكس بيكو دولاً جديدة من قطعة قماش كبيرة، قد قتل التطلعات الألفية للأمة بشخطة قلم خرقاء على الخريطة، حيث خلقت تلك الخريطة مملكة الأردن الجديدة، نحتت لبنان من خاصرة سوريا، ألصقت الموصل وبغداد بالعراق، ومنحت فلسطين للبريطانيين".
ونقل أيضاً من أوراق الخارجية البريطانية قائمة بتفاصيل حملات "إرهابية" قامت بها منظمات يهودية مدعومة من الفرنسيين الذين زودوا الهاغاناة بالسلاح أثناء صراع الثلاثين عاماً بين بريطانيا وفرنسا على الشرق الأوسط وتركة العثمانيين بعد انهيار الإمبراطورية، محملاً -من وجهة نظر بريطانية- الدعم الفرنسي المسؤولية عن الخسائر الإنسانية والمادية البريطانية في فلسطين نتيجة التمويل الفرنسي قبل حرب 1948 وحتى العام 1956 كما يقول الكاتب.
4- لورانس في بلاد العرب – سكوت أندرسون
يعرض هذا الكتاب تاريخ الشرق الأوسط والجزيرة العربية، من خلال رحلة إدوارد توماس لورانس، المعروف باسم لورنس العرب، وحكاية الألماني بروفر الذي كان يعمل ضد المصالح البريطانية داعماً الثورات العربية ضدها، على عكس لورانس الذي عمل على تأجيج الثورة العربية ضد الحكم العثماني بالتعاون مع الشريف حسين.
وتناول أيضاً وعد هنري مكماهون للشريف حسين باعتراف بريطانيا بآسيا العربية كاملة دولة عربية واحدة مستقلة ذات سيادة على أراضيها، إذا شارك العرب في الحرب ضد الدولة العثمانية، ورغم أن الشريف حسين نفذ نصيبه من الاتفاق، فإن بريطانيا وفرنسا قسما المنطقة بينهما باتفاقية سايكس بيكو السرية في عام 1916 (التي كشف عنها عام 1917، مع وصول الثوار البلاشفة للحكم في روسيا واطِّلاعهم على محتواها).
يقول المؤلف عن تضارب مصالح القوى المختلفة، إن "الفرنسيين والبريطانيين الإمبرياليين كانوا يكرسون مشاريعهم الاستعمارية في الشرق الأوسط، فيما كان الأتراك يتحالفون مع الألمان. أما اليهود فقد كانوا يضعون اللمسات الأخيرة لمشروع دولة إسرائيل في فلسطين، وخصوصاً بعد إعلان وعد بلفور. وتحالف الأميركيون مع بريطانيا في حربها ضد ألمانيا، غير أنهم لم يدخلوا أبداً في حرب ضد الأتراك حلفاء الألمان، كما أنهم -أي الأميركيون- أصبحوا في ظل رئاسة وودورو ولسون دعاة حق الشعوب في تقرير مصيرها.
فيما كانت الصراعات القبلية والدينية تنخر المنطقة العربية التي تدفق عليها الدبلوماسيون وعملاء أجهزة المخابرات. وأن اكتشاف الذهب الأسود "النفط" في فترة الثلاثينيات في الجزيرة العربية قد عمَّق من تعقيدات الوضع، وزاد من تكالب القوى الاستعمارية على المنطقة العربية.