"إن بلادنا لا بد أن تتغيّر أحوالها، ويتجدّد بها من المعارف ما ليس فيها"
تنبع منهجية الشيخ حسن العطار في الجمع بين العلوم الحديثة من الطب والفلك والهندسة والرياضة بدمجها بالعلوم الشرعية والاجتماعية في جامعة الأزهر مما جعل كثيراً من الباحثين والمستشرقين يعتبرونه رائد التجديد الأزهري الحديث
يقال أن والده كان مغربياً وكان يعمل بالعطارة مع والده لذلك لقّب بالعطار لكن والده شجعه على التعلم وعلى الدراسة بالأزهر
سافر للشام والحجاز وألبانيا حيث تزوج ألبانية أثناء إقامته هناك وعاد لمصر مرة أخرى في عهد محمد علي وعاد للتدريس بالأزهر وكان له صلة جيدة مع محمد علي وساهم في إنشاء المدارس الفنية العالية مثل الألسن والطب والهندسة والصيدلة ونصح محمد علي بأهمية ابتعاث الطلاب المصريين إلى أوروبا لتحصيل العلوم والفنون هناك وأوصى بمرافقة تلميذه رفاعة الطهطاوي للبعثة العلمية إلى باريس.
قال عنه المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي: "صاحبنا العلامة، وصديقنا الفهامة، المنفرد الآن بالعلوم الحكمية، والمشار إليه فى العلوم الأدبية، وصاحب الإنشاء البديع والنظم الذي هو كزهر الربيع، الشيخ حسن العطار".
كان الشيخ حسن العطار من المؤسسين لنهضة مصر الحديثة من خلال موقعه في الأزهر وقربه من محمد علي وقيامه بالتأليف في تراجم الأئمة والعلماء وتقريب العلوم الدينية والدنيوية، وكانت المدارس العالية للطب والهندسة والصيدلة والفنون من آثار دعواته للتغيير والإصلاح التعليمي، كما كانت حركت الترجمة تحت إشرافه في عصرها الذهبي في تاريخ مصر الحديث بعد أن تأثر بكتب الحملة الفرنسية وعلمائها.
تعرف على أنطوات كلوت بك الطبيب الفرنسي الذي عهد إليه محمد علي بتنظيم الإدارة الصحية للجيش المصري وفتح مدرسة الطب في أبو زعبل وقصر العيني، وحاول أحد الطلاب قتل الطبيب الفرنسي أثناء درس التشريح لاعتقاده أن التشريح غير مشروع لكن شيخ الأزهر حسن العطار صدع برأيه في المسألة مشيداً بدور الطب ومصالحه للإنسانية وكان لذلك أثرٌ كبير في النهضة الطبية لمصر الحديثة
رحلته وحياته :
تروي "ذاكرة الأزهر الشريف" عن الشيخ حسن العطار أنه رفض الإقامة بالقاهرة حينما داهمت الحملة الفرنسية مصر فرحل إلى أسيوط ناشداً الأمان والحرية لكنه لم يلبث أن ذاق مرارة البعد عن القاهرة مع صعوبة العيش وتفشي مرض الطاعون الذي قضى على الآلاف من أبناء أسيوط، ولما هدأت الأمور عاد إلى القاهرة، لكنه ما لبث أن هجرها مرة ثانية بسبب طغيان الفرنسيين وجبروتهم وتنكيلهم بالشعب بعد أن تعددت ثوراته ضدهم، فسافر الشيخ إلى مكة للحج، ومنها إلى القدس ثم توجه إلى دمشق حيث أقام بالمدرسة البدرية، وفيها تتلمذ على يديه العديد من الطلبة، ومن أشهر تلاميذه الشيخ حسن إبراهيم البيطار، وبعد أن مكث بها خمس سنوات رحل إلى إستانبول ثم إلى ألبانيا، ولم يعد إلا بعد رحيل الفرنسيين عن مصر، وكان مع عزيمته القوية لبقاً في معاملاته مع الحكام فإنه مع كراهيته الاحتلال الفرنسي كان معجباً بالحضارة الفرنسية وقد عقد بعض صلات المودة مع بعض زعماء الفرنسيين فكان يستفيد منهم الفنون المستعملة في بلادهم وفي العلوم الرياضية والأدبية، والآلات الفلكية والهندسية، إلى جانب الصناعات الحربية والآلات النارية – ويفيدهم اللغة العربية، فأفادهم واستفاد منهم، ولما ضاق باحتلالهم وطغيانهم في الحكم رحل إلى الخارج وظل بعيداً عن مصر حتى رحل عنها الفرنسيون.
وبهذا جمع العطار –حسب ما روي في ذاكرة الأزهر الشريف- الثقافة الغربية إلى الثقافة العربية والإسلامية واستفاد من خبراته العديدة والأحداث المثيرة التي حلت بالبلاد، ثم أضاف إلى رحلاته العديدة إلى الخارج إتقانه اللغة التركية، وإلمامه بالفرنسية، واختلاطه بكثير من العلماء النابهين من العرب والأتراك والفرنسيين، فزادت ثروته الثقافية نماءً واتساعاً وعمقاً.
ولما عاد الشيخ العطار إلى القاهرة بعد جلاء الفرنسيين عنها لفت إليه الأنظار لتنوع ثقافته وتعدد مواهبه، فقد كان متعمقاً في العلوم الدينية واللغوية، وكان عالماً فلكياً ورياضياَ، وكان إلى هذا أديباً وشاعراً معدوداً في طليعة الأدباء والشعراء في عصره، ولهذا عهد إليه الوالي محمد علي إنشاء جريدة الوقائع المصرية والإشراف على تحريرها، فاتسع أمامه المجال للدعوة الإصلاحية بلباقته وكياسته، كما اتسع أمامه المدى للإبداع الشعري والنثري، وكانت الوقائع المصرية منبراً أعلن من خلاله آراءه في الدعوة إلى التجديد في مناهج التربية والتعليم وإلى مناداته بإدخال العلوم الحديثة، والعلوم المهجورة بالأزهر إلى مناهجه، فطالب بدراسة الفلسفة والجغرافيا والتاريخ والأدب والعلوم الطبيعية، وبالرجوع إلى أمهات الكتب العلمية وعدم الاقتصار على المتون والحواشي المتأخرة كما نادى بالإفادة من أئمة العلماء السابقين وعدم الاقتصار على العلماء المتأخرين القائمين بالتقليد والمحاكاة.
وقد تلقّف بعض تلاميذه هذه النصيحة الجادة المبكرة وفي مقدمتهم محمد عياد الطنطاوي، ورفاعة الطهطاوي، وما زال العلماء الأعلام يتلقفونها جيلاً بعد جيل حتى آتت أكلها وأثمرت أينع الثمرات في العصر الحديث، والفضل للرعيل الأول من العلماء الأعلام، وكان شعار الشيخ العطار قوله: "إن بلادنا لابد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها"، ولم يكن شعاراً نظرياً فحسب بل طبقه تطبيقاً عملياً فدرس وألف وصنف في فنون شتى لم تكن مطروقة في عهده، ثم وجه تلاميذه إلى التجديد فيما يعالجونه من أبحاث ودراسات، وقد نجح في إدخال الدراسات الأدبية بالأزهر على أيدي تلميذه الطنطاوي، وهو الذي أشار بإرسال رفاعة الطهطاوي إلى فرنسا، وهو الذي وجهه وأرشده إلى استيعاب ما يمكن استيعابه من آثار الحضارة الفرنسية، وأشار عليه بتدوين كل ما يشاهده أو يعرفه أو يسمع عنه فكانت نتيجة التوجيهات أن ألّف الطهطاوي كتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، ولقد أحب الشيخ العطار تلميذه رفاعة حباً كبيراً لما أنسه فيه من الذكاء والنجابة فقرّبه إليه وأحاطه برعايته، وكان رفاعة يتردد على بيت شيخه كثيراً يقرأ عليه بعض كتب العلوم الحديثة، وكان يتلو علي شيخه ما نظمه من قصائد شعرية فيلقى منه التشجيع وحسن التوجيه، وهكذا كان الشيخ يرعى تلاميذه النابهين، ولم يكن يكتف بالتوجيه والإرشاد بل كان يعطي القدوة من نفسه؛ فاشتغل بالآداب شعراً ونثراً، وألف في المنطق والفلك والطب والطبيعة والكيمياء والهندسة، وقام بتدريس الجغرافيا والتاريخ بالأزهر وخارجه، وكان يتناول الموضوعات القديمة بأسلوب جديد مشوق فقد لاحظ أن تفسير البيضاوي أوشك على أن يكون مهجوراً في الأزهر فقام بقراءته والتعليق عليه بطريقة مشوقة جذبت إلى حلقته كثيراً من العلماء والطلبة، فكان إذا بدأ درسه ترك كبار العلماء حلقاتهم وأقبلوا عليه مستزيدين من علمه الفياض، ودفع تلميذه الأديب محمد عياد الطنطاوي ليشرح مقامات الحريري بأسلوبه الأدبي البليغ، كما دفع تلميذه الطهطاوي لتدريس الحديث والسنة بطريق المحاضرات دون التقيد بكتاب خاص أو نص معروف فكان ذلك سبباً لإعجاب الكثير من العلماء.
ومما يذكر عن الشيخ العطار أن محمدًا عليًا كان يجله ويشمله بالتكريم والتبجيل، لذا فقد تم اختياره في المجلس العالي من غير استحقاق، والعبارة الأخيرة " من غير استحقاق" تعبير عن تواضعه وإظهار لما شمله به محمد علي من عطف وتقدير، وظل الشيخ على صلة قوية بمحمد علي، ولما خلا منصب شيخ الأزهر عام (1246هـ/1830م) بعد وفاة الشيخ أحمد الدمهوجي، كان هو المرشح البارز لهذا المنصب، فأسند إليه محمد علي هذا المنصب الكبير لما يتمتع به من علم غزير وأدب جم وثقافة عميقة وبلاغة مرموقة، ليصبح الشيخ السادس عشر للجامع الأزهر، وظل في منصبه مرموقاً محبوباً حتى لقي ربه آخر عام (1250هـ/ 1834م).
• (ومن سَمَتْ هِمته به إلى الاطلاع على غرائب المؤلفات، وعجائب المصنفات، انكشفت له حقائق كثير من دقائق العلوم، وتنزهت فكرته إن كانت سليمة في رياض الفهوم)
مؤلفاته :
تنوعت مؤلفات الشيخ حسن العطار بين كتب العلوم الدينية وكتب العلوم الدنيوية ومنها كتب في النحو والمنطق والتفسير والفقه وأصوله والجراحة والطب والشعر!