تحاول الإدارة الأميركية تحديد أهدافها طويلة المدى شرقي سوريا بينما يزور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الولايات المتحدة.
منذ زيارة ثامر السبهان، وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، إلى شرق سوريا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت هناك تلميحاتٌ إلى أنَّ المملكة قد تضطلع بدورٍ في جهود إعادة الإعمار.
والآن تفيد صحيفة واشنطن بوست الأميركية بأنَّ الرئيس دونالد ترامب طلب من العاهل السعودي تعهداتٍ تصل إلى 4 مليارات دولار للمساعدة في إعادة إعمار شرق سوريا، وفق تقرير لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية.
وتأتي التقارير حول هذا الطلب في الوقت الذي يوجد فيه وليّ العهد السعودي في واشنطن. وغرَّد خالد بن سلمان، السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، الثلاثاء 20 مارس/آذار، على تويتر قائلاً إنَّ الزيارة "تُمثِّل استمراراً للتعاون الاستراتيجي والصداقة بين بلدينا".
ولا تتحدث الرياض عما يأمل ولي العهد في تحقيقه بواشنطن إلا بصورةٍ عامة. لكنَّ أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، قال إنَّ الزيارة "تحمل بُعداً عربياً مهماً. ففي منطقةٍ مزقتها المحاور والتدخلات الإقليمية، نرى الثقل السياسي للعرب عائداً وبقوة من خلال حضور الأمير وموقع السعودية".
تحمل زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن بعدا عربيا مهما، ففي منطقة مزقتها المحاور والتدخلات الإقليمية نرى الثقل السياسي للعرب عائدا وبقوة من خلال حضور الأمير وموقع السعودية.
— د. أنور قرقاش (@AnwarGargash) March 19, 2018
وأشار مقالٌ منشور على موقع قناة العربية إلى أنَّ السعودية وولي عهد الإمارات محمد بن زايد يعملان عن كثب لمواجهة النفوذ الإيراني، الذي يُمثِّل "توسعاً جيواستراتيجي وجيوسياسي من طهران مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى البحر المتوسط".
هذا هو "الممر" أو "الجسر" الذي تسعى إيران لإنشائه إلى البحر، الذي يقول عنه الكثير من صانعي السياسة إنَّه مبعث قلق كبير في ما يتعلَّق بنفوذ طهران في المنطقة. ومن ثَمَّ تهدف الإشارات إلى النقاشات "الاستراتيجية" إلى التصدي لدور إيران، الذي ترى الرياض أنَّه يُشكِّل تهديداً كبيراً.
تقليص النفوذ الإيراني
يمكن قراءة الرغبة في استخدام ثروة المملكة للمساعدة في إعادة إعمار شرق سوريا وإرساء الاستقرار هناك بطريقتين. إذ أشارت تقارير وسائل إعلام أميركية إلى أنَّ المكالمة الهاتفية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول مع ترامب كانت تهدف إلى "تسريع خروج الولايات المتحدة من سوريا". في حين فسَّرت قناة "برس تي في" الإيرانية التي تُمثِّل النظام المكالمة بأنَّها تتعلَّق برغبة الولايات المتحدة في "تقليص" النفوذ الإيراني في سوريا.
ولا يبدو أنَّ الهدفين يتماشيان معاً. فإذا كان يُنتَظر من السعودية ضخ الأموال إلى شرق سوريا، فلن ينجح ذلك إلا طالما بقيت مظلة أمنية أميركية هناك، تتضمَّن سلاح الجو الأميركي وبعض القوات البرية والقوات الأمنية المحلية. تُدرِّب الولايات المتحدة الآلاف من أعضاء قوات سوريا الديمقراطية لتأمين شرق سوريا. لكن واشنطن والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لا يزالان يريدان هزيمة المتطرفين الذين يسيطرون على مناطق على طول نهر الفرات قرب الحدود مع العراق.
وتوقفت الهجمات ضد داعش بسبب الهجوم التركي في عفرين. ويعني ذلك أنَّ هناك الكثير من العمل يجب القيام به. وإذا كانت الولايات المتحدة تريد إيقاف النفوذ الإيراني في سوريا، فإنَّ الأموال القادمة من الرياض لن تسد ببساطة الفراغ بعدما تغادر الولايات المتحدة، بل يتعين على الولايات المتحدة البقاء لفترةٍ طويلة.
ونقلت صحيفة دنفر بوست الأميركية عن مسؤولٍ أميركي رفيع قوله: "قُدِّمت حججٌ مقنعة تقضي بأنَّ كياناً سيئاً سيحكم هناك في سوريا.. ويبدو أنَّ ذلك الرأي حسم الأمر في الوقت الراهن، لكن لا أعتقد أنَّ هناك شخصاً يرغب في وجودٍ أميركي هناك لأجلٍ غير مسمى".
ومنذ زيارة أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تكن هناك تفاصيل حول الالتزام السعودي تجاه سوريا. فضلاً عن أنَّ الإدارة الأميركية مُقيَّدة بحقيقة أنَّ وزير الخارجية ريكس تيلرسون أُقيل مؤخراً. هذا إلى جانب أنَّ الرياض في خضم أزمة مع قطر أدَّت إلى جهود ضغطٍ كبيرة من جانب الدوحة في واشنطن.
ومن وجهة نظر إسرائيل، سيكون التعاون بين السعودية والإمارات والولايات المتحدة في شرق سوريا للتصدي للنفوذ الإيراني محل ترحيب. فإسرائيل تُعارض زيادة النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان. ولذا تحمل زيارة محمد بن سلمان تداعياتٍ كبيرة بالنسبة للمنطقة، خصوصاً إذا ما انبثق عن الاجتماعات التي تجري خلالها التزاماً واستراتيجية حقيقية مع واشنطن.