حسم الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، الجمعة 18 يناير/كانون الثاني 2019، الجدل الدائر لعدة أسابيع حول تأجيل الانتخابات الرئاسية بتحديد 18 أبريل/نيسان المقبل موعداً لهذا الاستحقاق، لكن القرار سيكون محطة لبداية جدل جديد حول المستقبل السياسي للرجل البالغ من العمر 81 عاماً.
تقضي المادة 136 من القانون الانتخابي الذي يقضي بضرورة صدوره 90 يوماً قبل تاريخ الاقتراع، كما تنص المادة 135 من نفس القانون على إجراء انتخابات الرئاسة تجرى خلال 30 يوماً التي تسبق انتهاء ولاية الرئيس، علماً بأن بوتفليقة أدى اليمين الدستورية رئيساً لولاية رابعة من 5 سنوات في 28 أبريل/نيسان 2014.
القرار أنهى ترقباً وجدلاً حول تأجيل الانتخابات
أنهى هذا القرار جدلاً وترقباً في البلاد داما أسابيع بعد تداول تسريبات وكذلك دعوات من سياسيين لتأجيل انتخابات الرئاسة وتمديد ولاية بوتفليقة لعام أو عامين "من أجل فسح المجال للتوافق" حول المرحلة المقبلة.
وظلت السلطات الرسمية في البلاد تلتزم الصمت إزاء القضية رغم اقتراب الآجال القانونية لنهاية ولاية الرئيس الرابعة في أبريل/نيسان القادم.
واعتاد الرئيس الجزائري منذ وصوله الحكم عام 1999 على تأجيل إعلان موقفه من سباق الرئاسة إلى آخر لحظة من المهلة القانونية لإيداع ملفات الترشح لدى المجلس (المحكمة) الدستوري أي إلى غاية مطلع مارس القادم.
وعام 2013، تعرض بوتفليقة لجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة، لكنه واصل الحكم، حيث يظهر نادراً في التلفزيون الرسمي خلال استقبال ضيوف أجانب، أو ترؤس اجتماعات لكبار المسؤولين، إلى جانب رسائل لمواطنيه في المناسبات الوطنية والدينية.
هل سيفوز بوتفليقة بالفعل بفترة خامسة؟
ويعد تقدم بوتفليقة للسباق للفوز بولاية خامسة بمثابة "حسم السباق" مسبقاً كون الرجل الذي يقود البلاد منذ 20 سنة يحظى بدعم كبرى أحزاب ومنظمات البلاد وكذا أكبر تجمع لرجال المال والأعمال في البلاد (منتدى رؤساء المؤسسات).
ومنذ نهاية عام 2018، غيّرت أحزاب الموالاة من خطابها السياسي تجاه مسألة ترشح الرئيس لولاية جديدة فبعد أن كانت تنادي بعهدة خامسة له أصبحت تدعو "للاستمرارية" بشكل أعطى انطباعاً حول إمكانية عدم ترشح بوتفليقة في هذه الانتخابات ودخول مرشح آخر للنظام الحاكم مكانه.
ودخول بوتفليقة السباق مجدداً سيجعل منه نسخة طبق الأصل لانتخابات 2014، التي فاز فيها بأكثر من 80% من الأصوات، وناب عنه قادة أحزاب الموالاة في تنشيط حملته الدعائية بسبب وضعه الصحي.
إذاً أغلب المعطيات تشير إلى أن بوتفليقة سيفوز على الأرجح بولاية خامسة بحسب تقرير لمجلة The Economist البريطانية.
ويعود قرار ترشحه (ومن ثمَّ فوزه) من عدمه هذه المرة إلى عصبة الجنرالات ورجال الأعمال والسياسيين، المعروفة باسم "السلطة- le pouvoir"، الذين يحكمون الجزائر.
أبقت تلك العصبة الحاكمة بوتفليقة في السلطة رغم حالته الصحية، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى أنَّهم لا يستطيعون الاتفاق على خليفة له.
حتى الآن، يدعم معظمهم على الأرجح خطوة إعادة انتخابه. وتبقى الخلافات بشأن مسائل الحكم عادةً داخل حدود تلك الزمرة الغامضة. لكن مع اقتراب موعد التصويت، يثير البعض في السلطة تساؤلات، علانيةً، حول مستقبل الرئيس.
طالب الجنرال المتقاعد علي غديري، في مقابلة أجراها مع صحيفة "الوطن" الجزائرية المؤثرة، في الشهر الماضي ديسمبر/كانون الأول، الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش الجزائري، بإثناء "المغامرين" داخل الحكومة عن تمديد فترة حكم الرئيس. وكتب رئيس الوزراء الجزائري الأسبق مولود حمروش مقالاً طويلاً في صحيفة "الوطن" يتحسّر على حالة الحكم في الجزائر، داعياً بعض السياسيين إلى تأجيل التصويت، وذلك قبل أن يتحدّد موعده.
ومع ذلك، يقول الجنرال قايد صالح إنَّه يدعم إعادة انتخاب بوتفليقة. وحذَّر رئيس أركان الجيش الجزائري، رداً على اقتراح غديري، من أنَّ أولئك الأشخاص الذين لديهم "نوايا خبيثة" لا ينبغي لهم الحديث نيابةً عن القوات المسلحة.
أقال قايد صالح 5 جنرالات بسبب الفساد في أكتوبر/تشرين الأول، وهي خطوة فُسّرت على نطاقٍ واسعٍ على باعتبارها حملة تطهير.
يرى البعض أيضاً أنَّه كان السبب وراء الاستقالة المفاجئة لرئيس أكبر حزب في البرلمان في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، الذي كان يُنظر إليه بأنَّه يناور من أجل كسب النفوذ تحسباً لوفاة بوتفليقة.
ومن جانبه، يقول جون إنتيلس، من جامعة فوردهام الأمريكية: "ثمة مظهر من مظاهر الاستقرار الظاهري في النظام الجزائري. لكن إذا تعمقَّت أكثر، سترى صراعاً مستمراً للسيطرة على جهاز الدولة".
مع الحديث عن فرصة بوتفليقة الكبيرة فإن هناك حديثاً أيضاً عن مَن يخلفه
تلتزم الشخصيات السياسية ذات الوزن الثقيل في الجزائر الصمت بشأن موقفها من هذا السباق، وبدا أنها تنتظر موقف الرئيس النهائي من الترشح حيث يرفض أغلبهم الترشح في حال وجود بوتفليقة.
ولخص سعد بوعقبة، كاتب الرأي الشهير بالجزائر، هذا الوضع في عمود بصحيفة الخبر صدر قبل أيام "أن الغموض مسألة مقصودة من السلطة".
والسبب وفق رأيه "لتقويض أي احتمال يمكن أن يقدم عليه خصوم السلطة، وبذلك تقوم السلطة بإعداد الانتخابات في جو من السرية لا تعرفها إلا السلطة؟!".
ويضيف: "الآن كل شيء غامض وأعين الناس شاخصة، هل يقوم الرئيس باستدعاء الهيئة الناخبة أم لا؟! وبعدها ستشخص الأبصار نحو شهر فبراير، حيث نهاية فترة الترشح، هل يترشح الرئيس أم لا؟! ومن سيترشح مكانه كممثل للسلطة في حالة ما إذا لم يترشح الرئيس؟!".
لم يعلن بوتفليقة، الذي ربما لا يستطيع التحدّث، عن ترشحه رسمياً. لكن بينما يتجه صوب النصر، تبقى مشكلة خلافته عالقة دون حل. لا يوجد في الجزائر منصب نائب للرئيس.
وقد كدَّس الجنرال قايد صالح وسعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري، كل السلطة في أيديهما مع تراجع صحة الرئيس.
لكن الجنرال سعيد بوتفليقة يقترب من عامه الـ80، وكذلك يعارض كثيرون في السلطة توريث الحكم. يتكّهن البعض بأنَّ منصب الرئيس قد يؤول في نهاية المطاف إلى رئيس الوزراء الجزائري، أحمد أويحيى، أو أحد أسلافه.
لا يوجد أحد يعرف شيئاً مؤكداً. بعد وفاة الرئيس هواري بومدين في عام 1978، لم يستطع أولئك الموجودون في السلطة حسم القرار بين بوتفليقة ومرشح آخر واتفقوا على رجل ثالث، الذي أدَّى حكمه إلى فترة من الاضطرابات قبل صعود بوتفليقة.
لكن ثمة أمر واحد واضح وهو أنَّه لن يكون للمواطنيين الجزائريين العاديين رأياً مُعتبراً في اختيار من سيحكمهم.
الإخوان يزيدون المشهد ارتباكاً
مع تحديد الرئاسة موعد الانتخابات الرئاسة زادت حركة "مجتمع السلم"، أكبر حزب إسلامي في الجزائر والمحسوبة على الإخوان المسلمين المشهد ارتباكاً، فبعدما أعلنت في وقت سابق على لسان رئيسها عبدالرازق مقري مقاطعة الانتخابات حال ترشح بوتفليقة، عادت وأعلنت مساء الجمعة، عن تأهبها واستعدادها لجمع التوقيعات تحسباً لخوضها انتخابات الرئاسة، في حال اعتماد هذا الخيار من جانب مجلس شورى الحركة.
ويعقد أعلى هيئة قيادية بالحزب اجتماعاً الجمعة المقبل، للنظر في ملف الانتخابات.
ولم يعلن الحزب حتى الآن عن مرشح له في حال قرر خوض السباق، لكن يرجح أن يكون مقري، بحسب وكالة الأناضول للأنباء.
ويجب أن يجمع المرشح ما لا يقل عن 600 توقيع (توكيل) على الأقل للمنتخبين (محليين أو في البرلمان) عبر 25 ولاية، أو 60 ألف توقيع لمواطنين في سن الانتخاب في 25 ولاية، على أن لا يقل العدد عن 1500 توقيع في الولاية الواحدة.
وتنتظر شخصيات بارزة موقف بوتفليقة لحسم موقفها من المشاركة في الانتخابات، حيث اقتصرت إعلانات الترشح حتى الآن على شخصيات مغمورة، باستثناء عبدالعزيز بلعيد، رئيس حزب جبهة المستقبل، الذي حل ثالثاً في انتخابات 2014 بـ3.36% من الأصوات.