اشتعلت خلال الشهور القليلة الماضية أزمة قرار بقانون بشأن الضمان الاجتماعي رقم 19 لسنة 2016 بين الحكومة من جهة، وبين الحملة الوطنية للضمان ومؤسسات المجتمع المدني، والاتحادات والنقابات ذات العلاقة من جهة أخرى. وذلك مرده إلى عدم رضا ممثلي العاملين في القطاعين الخاص والأهلي عن التعديلات التي تم إجراؤها على قرار بقانون بشأن الضمان الاجتماعي ولوائحه. إضافة إلى نية مجلس إدارة الضمان الاجتماعي، حسب الحملة الوطنية للضمان، دمج صندوق الضمان الاجتماعي مع صندوق التقاعد العام المطبق على الموظفين العموميين من مدنيين وعسكريين مع ما يترتب عليه من أضرار بسبب العجز المالي المتراكم في صناديق التقاعد العام نتيجة عدم قيام الحكومة بتحويل الاشتراكات الشهرية للموظفين العموميين إلى صناديق التقاعد العام.
وفي ظل الأزمة الناشئة في الوقت الراهن وعدم وجود حلول إبداعية ما من شأنه تعكير صفو السلم الأهلي في فلسطين، وفي ظل الانسحابات المتوالية من مجلس إدارة الضمان، قد يكون من الأنسب تجميد العمل بقانون الضمان الاجتماعي كسلفه قانون التأمينات الاجتماعية لعام 2003 الذي تم إلغاء العمل به بعد ضغوط مارستها جهات رقابية دولية، نظراً للأضرار الاجتماعية والاقتصادية التي قد تنشأ عن تطبيقه، مع إمكانية الاستمرار مؤقتاً بنظام الصناديق الخاصة في مؤسسات القطاعين الخاص والأهلي، على علاتها، لحين إيجاد صيغة توافقية يتم من خلالها ضمان حقوق العاملين والعاملات بشكل أفضل أسوة بما هو معمول به في دول عربية أخرى كالأردن، التي تعتبر تجربة التأمينات الاجتماعية فيها من أنجح التجارب في العالم العربي، حتى أن العاملين الوافدين والعاملات الوافدات، من غير الأردنيين والأردنيات، يحظون بامتيازات تطبيق قانون الضمان الاجتماعي أسوة بالأردنيين والأردنيات.
ونود التأكيد هنا على ضرورة وجود نظام شامل للضمان الاجتماعي في فلسطين يحكمه إطار قانوني واضح ومنصف ما من شأنه إلزام أصحاب العمل والعاملين على الاشتراك بصندوق الضمان، بما يضمن حماية حقوق شرائح المجتمع الأكثر فقراً كالعاملين والعاملات أثناء تأدية أعمالهم من جهة، وتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة لهم بعد بلوغهم سن التقاعد من جهة أخرى.
ومعلوم أن الضمان الاجتماعي يشمل العاملين في القطاعين الخاص والأهلي مثل أساتذة وموظفي الجامعة الفلسطينية، موظفي البنوك، موظفي الشركات على اختلاف أنواعها، العاملين في المستشفيات الخاصة، العاملين في المدارس الخاصة، العاملين في المصانع على اختلاف أنواعها، موظفي مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية والعاملين في المؤسسات التجارية الخاضعين لقانون العمل ساري المفعول.
ختاماً، لا بد من الإشارة إلى أن القوانين ذات العلاقة بالعاملين والعاملات في القطاعين الخاص والأهلي في فلسطين تعد مجحفة مقارنة مع دول عربية أخرى، ومن ذلك مثلاً قانون العمل النافذ رقم 7 لعام 2000، الذي يتضمن نصوصاً غامضة تسمح لأصحاب العمل بتأويلها لصالحهم على حساب مصلحة العاملين والعاملات، رغم أنهم الشريحة الأكثر ضعفاً، مثل النص الخاص بفترة التجربة للعامل، والنص الخاص بالاستقالة، والنص الخاص بمكافأة نهاية الخدمة واحتسابها. ناهيك عن عدم وجود أي معاش تقاعدي للعامل بعد انتهاء مدة عقد العمل والاستعاضة عن ذلك بمكافأة نهاية الخدمة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.