وجهت وزارة الدفاع الجزائرية رسالة شديدة اللهجة لمن وصفتهم بـ"العسكريين المتقاعدين" الذين اتهمتهم بالالتحقاق بـ"دوائر مريبة وخفية"، قصد الوصول إلى أطماع شخصية وطموحات جامحة "لم يتمكنوا من تحقيقها داخل المؤسسة العسكرية، من خلال نشر مقالات قبل الانتخابات الرئاسية الجزائرية .
وفي البيان الذي أصدرته وزارة الدفاع التي يديرها الرجل القوي في المؤسسة العسكرية بالجزائر، قايد صالح، عنونته بـ"فيما يخص مقالات صحفية مكتوبة من قبل عسكريين متقاعدين" أوضح أنه مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، يحاول بعض الأشخاص، ممن تحركهم الطموحات المفرطة والنوايا السيئة، "إصدار أحكام مسبقة إزاء مواقف المؤسسة العسكرية من الانتخابات الرئاسية، ويمنحون أنفسهم حتى الحق في التحدث باِسمها، باستغلال كافة السبل، لاسيما وسائل الإعلام".
كان الجنرال المتقاعد علي غديري نشر مؤخراً سلسلة مقالات في صحيفة "الوطن" المحلية الناطقة بالفرنسية دعا فيها الفريق قايد صالح قائد أركان الجيش الجزائري إلى "تحمل مسؤوليته التاريخية" بشأن ما أسماه "الوضع السياسي المتأزم" في البلاد مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة.
محاولة التأثير على الرأي العام قبل الانتخابات الرئاسية الجزائرية
واتهمت وزارة الدفاع الجزائرية هؤلاء الأشخاص الذين وصفتهم بـ"الناقمين وضيقي الأفق"، بمحاولة التأثير في الرأي العام وادعاء مصداقية تعوزهم. "ولكونهم لم يحققوا أي صدى عقب مداخلاتهم الكتابية المتكررة عبر وسائل الإعلام، فإنهم يحاولون تقمص دور خبراء متعددي الاختصاصات، "فإنه قد تم توجيههم لمخاطبة القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، كخيار أخير".
وأوضحت الوزارة أن هؤلاء الأشخاص، الذين لم يولوا أي اعتبار لواجب التحفظ الذي هم ملزمون به، والذي يضعهم تحت طائلة المتابعة أمام العدالة، يحاولون الخوض في السياسة، بدافع هوس الانتقام وينصبون أنفسهم، "دون احترام أدنى قيمة أخلاقية، وعاظاً يلقنون غيرهم الدروس".
وتابعت الوزارة: "إن هؤلاء الذين خانهم حس التقدير والرصانة، الذين يدّعون حمل رسالة ودور ليسوا أهلا لهما، ويخوضون دون حرج ولا ضمير، في ترّهات وخرافات تنبع من نرجسية مرضية تدفعهم لحد الادعاء بالمعرفة الجيدة للقيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، وبقدرتهم على استقراء موقفها تجاه الانتخابات الرئاسية، وهو ما يشكل انحرافاً جسيماً ينّم عن درجة متقدمة وخطيرة من اللاوعي الذي لا يُحدثه إلا الطموح الأعمى".
وزارة الدفاع الجزائرية تؤكد احترام الجيش للنظام الدستوري
وأشارت وزارة الدفاع الجزائرية إلى أن "الجيش الوطني الشعبي الذي يستند مسعاه ونهجه إلى طابعه الشرعي والجمهوري في ظلّ احترام النظام الدستوري، هو في غنى تامٍ عن أي دروس يُقدمها له أشخاص لا وجود لهم إلا من خلال الدوائر التي تتحكم فيهم".
وجاء في بيان وزارة الدفاع الوطني "إنّ عدم الانسجام الذي يطبع الخطاب الذي يسوقه هؤلاء، لاسيما فيما يتعلق بقضية يتناولونها بإلحاحٍ، مسألة إتاحة الفرصة للشباب لتبوء مناصب المسؤولية في أعلى هرم الدولة، الذي يمليه عليهم على الأرجح عرابوهم، إنما هو تضارب يفضح نواياهم الحقيقية ويعري مقاربتهم العرجاء، ذلك أن هذه المسألة بالذات غير مطروحة أصلاً، باعتبار أن غالبية الوظائف العليا في الدولة تشغلها حالياً إطارات من جيل ما بعد الاستقلال"
كما أنه يرفض دعوات بتدخل الجيش لإحداث انتقال ديمقراطي
وتحدثت المؤسسة العسكرية عن الدعوات الموجهة لها من طرف أحزاب سياسية لإحداث انتقال ديمقراطي، مشيرة إلى "تجاهل منهم للمهام الدستورية للجيش الوطني الشعبي، يُطالب هؤلاء الأشخاص، علناً، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، بتحمل مسؤولياته والتي تكمن، بحسب زعمهم، في تعزيز المكتسبات الديمقراطية، وذلك من خلال خطاب تهويلي وسيئ النية".
وأوضح بيان وزارة الدفاع الجزائرية أنه "يتضح للأسف من خلال تحامل هؤلاء الأشخاص على المؤسسة، التي كبروا فيها بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات، أن مسعاهم، غير الفردي المستند إلى مبررات واهية وزائفة، يبدو جلياً أنه وليد خطة مبيتة ومؤامرة دبرتها دوائر مستترة".
وانتقدت وزارة الدفاع الجزائرية تحليلات بعض الشخصيات المرتبطة بالمؤسسة العسكرية مشيرة إلى أنه وفي "محاولة فاشلة للظهور عبثا في ثوب البراغماتية والواقعية، نجد أن تحليل مكانة الجزائر على المستوى الإقليمي، الذي يسوقه هؤلاء المحللون المبتدئون، يظهر، على أكثر من صعيد، بأن معرفتهم بالمجال الجيوسياسي الذي يتشدقون بالإلمام بخباياه، لا تؤهلهم حتى بالإحاطة بمفهوم "الدولة المحورية".
كما أنه يميط اللثام على نواياهم الحقيقية في تقزيم والتقليل من المكتسبات التي تم تحقيقها بفضل الاستراتيجية الأمنية التي تتبناها القيادة العليا، بما في ذلك التعاون الإقليمي والدولي الذي يتم تجسيده في إطار الاحترام التامّ لنصوص التشريع الوطني".
من يكون الجنرال المتقاعد الذي خصه الجيش الجزائري بالرد
حسب تقارير إعلامية جزائرية فإن بيان وزارة الدفاع الصادر الأحد والموجه لـ"بعض العسكريين المتقاعدين" يخص بالتحديد الجنرال المتقاعد علي غديري.
ويعتبر الجنرال علي غديري، العسكري المتقاعد الوحيد الذي كتب هذه الأيام مساهمات في الصحافة الوطنية آخرها موجهة لنائب وزير الدفاع أحمد قايد صالح.
وهو ما أثار غضب وزارة الدفاع الجزائرية التي قالت في بيانها "ولكونهم لم يحققوا أي صدى عقب مداخلاتهم الكتابية المتكررة عبر وسائل الإعلام، فإنهم إذ يحاولون، دون جدوى، تقمص دور خبراء متعددي الاختصاصات، فإنه قد تم توجيههم لمخاطبة القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي، كخيار أخير"..
وكل ما جاء من أفكار وتحاليل بقلم الجنرال علي غديري تعتبره وزارة الدفاع خرافات وسلوكاً خطيراً.. "لتشهر سلاح المتابعة القضائية مجدداً في وجه أي جنرال سيخوض في السياسة مستقبلاً، حيث ذكر البيان "الذين لم يولوا أي اعتبار لواجب التحفظ الذي هم ملزمون به والذي يضعهم تحت طائلة المتابعة أمام العدالة..".
وسبق للجنرال حسين بن حديد أن دخل السجن بسبب تصريحاته لوسائل الإعلام وبعدها صدر قانون خاص بواجب التحفظ بالنسبة للعسكريين يمنعهم من الخوض في المسائل السياسية. لكن لم يمنع ذلك بعض القياديين العسكريين، مثل رشيد بن يلس، الخوض في المسائل السياسية دون أن ترد عليه وزارة الدفاع باللهجة التي ردت بها اليوم على الجنرال علي غديري.