ما زال الغموض يكتنف مسألة تشكيل اللجنة الدستورية في سوريا، حيث تواجه مخاضاً عسيراً؛ نتيجة عدم التوافق على مرجعية اللجنة بين الأمم المتحدة والدول الضامنة الثلاث، إضافة إلى أسماء القائمة الثالثة المخصصة للأمم المتحدة، التي تضم ممثلين عن منظمات المجتمع المدني ومستقلين.
وقال المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، إنه يعتذر "عن عدم تحقيق ما يجب للمساعدة في حل الأزمة السورية"، موضحاً أن إيران وتركيا وروسيا قدمت عرضاً بالأسماء المقترحة لقائمة "المجتمع المدني"، مضيفاً أن "الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تشعر، بعد مراجعتها لمتطلبات الحيادية والتوازن، بأنها قادرة على منح موافقتها على كل الأسماء الخمسين".
لكن دي ميستورا، الذي يسلم مهامه للمبعوث الجديد غير بيدرسون مع بداية العام القادم، لم يُغلق الباب أمام تشكيل اللجنة، وقال: "نجحنا في تحديد وضع العتبات الأساسية التي يمكن أن يبنى عليها العمل المستقبلي"، وتابع: إن "خلَفي يمتلك كل المهارات لمواصلة العمل في الملف السوري".
بداية اللجنة الدستورية
الفكرة التي انطلقت منها اللجنة الدستورية جاءت من السلال الأربع المتفق عليها في مفاوضات جنيف، التي بمجموعها تشكل الحلَّ السياسي في سوريا، وتضم الدستور والانتخابات والحكم والإرهاب.
لكن روسيا حاولت اختصار العملية السياسية بأمرين اثنين، وهما صياغة دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات، ولهذا دعت بمساعدة الدول الضامنة الأخرى في مسار أستانا (إيران وتركيا) إلى عقد حوار وطني في مدينة سوتشي الروسية، في 30 يناير/كانون الثاني من عام 2018، للاتفاق على تأسيس لجنة لإعادة كتابة الدستور السوري، ودعوة لإجراء انتخابات ديمقراطية.
وافقت الأمم المتحدة على ذلك الأمر، كمحاولة من المبعوث الدولي دي ميستورا لإيجاد ثغرة في المفاوضات المتعثرة، لكن بشرط، وهو أن تعمل تلك اللجنة تحت سقف الأمم المتحدة. ولذلك جاء البيان الختامي مؤكداً على أن تعمل اللجنة "برعاية الأمم المتحدة، واستناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254".
وانخرطت جميع الأطراف للعمل على تشكيل اللجنة، حتى هيئة التفاوض السورية التي رفضت حضور مؤتمر سوتشي، واعتبر رئيس الهيئة، نصر الحريري، أن تشكيل تلك اللجنة يُشكل بالنسبة لهم "مدخلاً للحل السياسي، وليس غاية في حد ذاتها".
المعوقات التي وقفت أمام إطلاق عمل اللجنة
منذ ذلك الوقت لم تر اللجنة الدستورية النور، بالرغم من الاتفاق على تسليم ثلاث قوائم ممثلة بالنظام والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني التي تسميها الأمم المتحدة.
وأعاد أمين سر الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض، رياض الحسن، السبب إلى "الخلاف الروسي مع الأمم المتحدة"، وأضاف في تصريح خاص لـ "عربي بوست" أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس كان قد "أعاد الأمور إلى نصابها"، بعد أن اشترط على موسكو ثلاثة أمور للمشاركة في مؤتمر سوتشي.
ويأتي على رأس هذه الأمور، بحسب الحسن "اعتماد اللجنة الدستورية على مخرجات مفاوضات جنيف الممثلة بالبنود الـ12، وهي القواسم المشتركة بين النظام والمعارضة"؛ أما الأمر الثاني فهو أن تكون الرعاية الكاملة للأمم المتحدة من خلال تحديد "ولاية ومراجع إسناد وصلاحيات ولائحة إجراءات ومعايير اختيار أعضاء اللجنة"، والأمر الثالث فاشترط أن يكون مؤتمر سوتشي لمرة واحدة فقط، منعا لأن يحل بديلاً عن مسار جنيف.
وأوضح الحسن أن مطالب غوتيرس تضمنها البيان الختامي لمؤتمر سوتشي، لكن روسيا اليوم "نكصت عن تعهداتها، وتصرّ على تسمية القائمة الثالثة لضمان عدد الأصوات لصالح النظام، وبالتالي التحكم فيها وفي نتائج عملها" بحسب الحسن، وهو الأمر الذي ما زالت ترفضه الأمم المتحدة، وتتمسك بالمعايير التي وضعتها، حيث أكد المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في آخر إحاطة له أن "الأمم المتحدة هي الوحيدة التي ستعطي الشرعية للجنة صياغة الدستور".
عقدة القائمة الثالثة
كما شكلت القائمة الثالثة التي اختار أعضاؤها فريق الأمم المتحدة عقدة أخرى، لكونها قد تُحدِث فرقاً في نتائج اللجنة، وقالت الأمم المتحدة في بيان لها، إنها وضعت معايير لاختيار الأعضاء، وتعهَّدت بتشكيل لجنة "ذات مصداقية ومعتدلة وشاملة".
وبحسب مصدر خاص لـ "عربي بوست" فإن القائمة جرت عليها عدة تغييرات، وتم تفريغها من جميع الخبراء، ما عدا خبير واحد وهو "عبود السراج"، عميد كلية الحقوق في جامعة دمشق وخبير دولي في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة. ولفت المصدر إلى أن الهدف من ذلك هو ضمان رئاسة اللجنة للسراج، المقرب من النظام السوري.
وأضاف المصدر أن الأمم المتحدة رفضت ذلك الأمر كذلك، وطالبت برئاسة مشتركة، وأصرَّت على إبقاء بعض الخبراء، ومنهم سام دلة، أحد المشاركين في صياغة الدستور السوري عام 2012.
فيما بيَّن الناطق الرسمي باسم هيئة التفاوض السورية، يحيى العريضي، أن اللجنة عالقة عند مسألة القائمة الثالثة، ولفت إلى أن هناك قائمتين لها، الأولى وضعتها روسيا وإيران ورفضتها الأمم المتحدة، والثانية وضعتها الأخيرة ورفضتها موسكو وطهران.
وأشار إلى أن هناك إشكالية أخرى متعلقة بالقواعد الإجرائية والتنظيمية لعمل اللجنة، وهي التي تتمسك الأمم المتحدة بوضعها والإشراف الكامل على عملها.
النظام يهدد عوائل المشاركين في اللجنة
لم يكتفِ النظام بذلك، بل قام بزيارات أمنية لأهالي أعضاء اللجنة المقيمين في الخارج، بحجة عمل دراسة أمنية عنهم، وذلك بحسب عضو منسحب من القائمة الثالثة لـ "عربي بوست"، وأضاف العضو الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن النظام طلب أرقام هواتف أعضاء اللجنة من أهاليهم، للاتصال بهم مباشرة من قبل الأجهزة الأمنية، ووضعهم تحت خيارين لا ثالث لهما: إما الانسحاب من اللجنة، أو الرضوخ لضغوط النظام.
وأكد على ذلك دي ميستورا في إحاطته الأخيرة، حيث لفت إلى وجود عمليات تهديد لعوائل الأعضاء المشاركين في القائمة الثالثة، وقال: "شهدنا عمليات اختطاف لأفراد من عائلة بعض المشاركين بلجنة صياغة الدستور".
ردود الأفعال
قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في يوم 18 من الشهر الجاري، بعد اجتماع الدول الضامنة مع دي ميستورا في جنيف، إن الدول الثلاث قدمت "إسهامات مهمة" فيما يتعلق بتأسيس اللجنة، وناقشت الأسماء المرشحة لعضويتها، مضيفاً أن "الأمم المتحدة قطعاً ستقوم بالعمل اللازم فيما يتعلق بأسماء المرشحين خلال العملية المقبلة".
فيما كتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على تويتر "كنا نصرّ دائماً على حل سياسي يقوده ويقرره السوريون. وصار الغرب الآن مجبراً على قبول ذلك، يجب تيسير حل لا إملاؤه".
لكن الكويت اعتبرت أن المجتمع الدولي ومجلس الأمن خذلا الشعب السوري مراراً، ويجب ألا يخذل السوريون مرة أخرى، ودعا مندوب الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة السفير منصور العتيبي، في جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول سوريا، إلى "ضرورة العمل لتنفيذ قرارات المجلس الدولي، لتمكين الشعب السوري من تحقيق طموحاته".
كيف ستنتهي الأمور؟
يرى المحلل السياسي محمد العطرة، أن موسكو تخشى من قيام المبعوث الدولي الجديد، غير بيدرسون، بنسف المسار الحالي للحل في سوريا، ويقرر البدء بعملية جديدة، مضيفاً أن تلك المخاوف قد تدفع الإدارة الروسية إلى الموافقة على شروط الأمم المتحدة.
فيما عبّر الناطق باسم هيئة التفاوض يحيى العريضي عن عدم ارتياحه لمسار تشكيل اللجنة، وقال إننا "نقف مع الأمم المتحدة ونصرّ على ضرورة أن تكون اللجنة بإشرافها ورعايتها الكاملة"، وأضاف أن الإعلان الأميركي الأخير عن الانسحاب من سوريا أضعف موقف الأمم المتحدة والمعارضة معاً، وهو ما قد يعرقل تشكيل اللجنة، حسب رأيه.