توقَّع موقع Stratfor الأميركي، الثلاثاء 18 ديسمبر/كانون الأول 2018، أن تستمر السياسة الخارجية للسعودية في عام 2019، وأنها ستكون مثلما هي في عام 2018، ولن تشهد تغيراً كبيراً في هذا المضمار.
وقال الموقع الأميركي، إنه ربما تكون السعودية أهم القوى التي تشكّل الشرق الأوسط وتؤثر فيه، منذ تولي الملك سلمان العرش في عام 2015، تغيّرت ثقافة وأولويات البلاد، سواءٌ على الصعيد الداخلي أو الخارجي. بالنسبة للسياسة الخارجية للمملكة، يعني هذا التغيير أن القرارات لم تعد تمتاز بالبطء والتشاور الحذر –مثل عمليات اتخاذ القرار الأخرى في المملكة– بل أصبحت أكثر ديناميكية (أو ربما أكثر تذبذباً) برعاية الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد الذي أصبح واجهةَ السعودية أمام العالم.
وأضاف الموقع الأميركي أن أولويات السياسة الخارجية للمملكة لم تتغير في جوهرها، وفي منطقة تعاني من الصراعات تبقى المملكة متمسكةً بالحفاظ على أمنها من التهديدات المتمثلة في الفكر الجهادي، المشاعر المعادية للحكومة والتهديدات الأمنية الخارجية القادمة من إيران.
وبحسب ستراتفور فإنه علاوةً على ذلك تسعى السعودية إلى تكريس نفسها كقوة فاعلة في الشرق الأوسط، يمكنها أن تتحدى خصومها (مثل إيران وتركيا) عبر كسب التأييد ضد هؤلاء الخصوم، وإن كانت تتعاون معهم حين تستدعي الضرورة. السعودية متمسكة بالحفاظ على مظلتها الأمنية تحت حماية الولايات المتحدة، لكنها أيضاً تنوِّع مجموعة شراكاتها الاقتصادية والأمنية، بحيث لا تكون معتمدةً بشكل كلي على واشنطن. وأخيراً، وبعد الأحداث الأخيرة التي شكلت ضغطاً على سياستها الخارجية، تتطلع السعودية إلى عام 2019، الذي تأمل أن تحقق فيه أمنها من تهديدات بلدانٍ مثل إيران، رغم أنها قد تفعل ذلك دون الكثير من الصخب مثلما كان الحال في عامي 2017 و2018.
سنتان من التوتر
وبحسب الموقع الأميركي، أصبح تمثيل محمد بن سلمان للمملكة عبئاً متزايداً عليها. في عام 2017، قادت السعودية حملة حصار ضد قطر واعتقلت بشكل مؤقت رئيس الوزراء اللبناني، وقطعت بعض علاقاتها الاستثمارية مع ألمانيا. بالطبع كان لبعض القضايا التي اعتبرتها السعودية إقليميةً تماماً تأثيرٌ على العلاقات الخارجية للمملكة. من هذه القضايا مثلاً كانت حملة مكافحة الفساد، التي بدأت في عام 2017، واعتقلت فيها السلطات السعودية عدداً من كبار رجال الأعمال المحليين، إذ أدى ذلك إلى إثارة مخاوف المستثمرين الأجانب من دور القانون في المملكة.
وفي عام 2018، دخلت السعودية في خلافٍ دبلوماسي مع كندا، بسبب تغريدةٍ بسيطة حول سياسات الرياض تجاه حقوق الإنسان. ثم كان بالطبع السخط العالمي على جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
لكن ووسط محاولاتها لتخفيف الضرر الناجم عن مقتل خاشقجي، سعت السعودية في عام 2018 أيضاً إلى تهدئة العواصف التي أثارتها في عام 2017. ففي بلاد الشام مثلاً، فتحت المملكة خزائنها لتزويد الأردن بكمية كبيرة من المساعدات، بعد سنة من رفضها تجديد حزمة المساعدات التي تقدمها لعمّان. كما عرضت أيضاً ضماناتٍ سياسية واقتصادية للبنان بعد اضطراب العلاقات الثنائية بين البلدين في عام 2017، (في الحقيقة امتدح رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أهمية الروابط العميقة بين السعودية ولبنان، وذلك خلال مقابلة سابقة خلال هذا الشهر)، بحسب الموقع الأميركي.
وعلى الصعيد الخليجي لا تزال السعودية تأمل في فرض نفوذها على قطر، كما يتضح في استمرار الحظر الذي تفرضه دول مجلس التعاون الخليجي على الدوحة، لكن قرار الرياض الأخير باستضافة آخر قمة للمجلس على مستوى زعماء الدول -رغم أن قطر اختارت أن يمثلها ممثلها في الجامعة العربية وليس الأمير بنفسه- يشير إلى مساعي المملكة لإغواء الدوحة بالعودة إلى المظلة الإقليمية.
ورغم أن المملكة لن تتردد في استخدام المزيد من القوة العسكرية في اليمن ضد المتمردين الحوثيين، المدعومين من إيران إن شعرت بأنها لن تعاني من أي تداعيات دبلوماسية على علاقاتها مع حلفائها الغربيين، رغم ذلك، فإن فظائع الحرب الأهلية في اليمن قد خلقت درجةً كافية من الضغط الدولي، تجبر الرياض على الخضوع لمحادثات السلام التي فتحت المجال أمام حل سياسي للصراع الذي طال أمده.
ماذا نتوقع من عام 2019
وبحسب الموقع الأميركي سوف تواصل السعودية خلال عام 2019 التأكيد على علاقاتها الوثيقة مع حلفائها الشرق أوسطيين، كحصن منيع ضد إيران. ورغم أن الأولوية القصوى للمملكة في تشكيل تحالف مناهض لإيران تتمثل في إقامة علاقات مع البلدان العربية الأخرى، التي تخشى اتساع النفوذ الإقليمي لطهران بالمنطقة، إلا أن إنشاء المزيد من العلاقات غير التقليدية أصبح وشيكاً أيضاً. لا شك أن العلاقة التي تجتذب الاهتمام الأكبر خلال عام 2019 هي علاقة المملكة بإسرائيل.
فبعد أن كانت العلاقة بينهما تتسم بالعدوانية، بدأت في التحول، حيث إن كلاهما لديه أسبابه ومبرراته لاحتواء إيران في المنطقة. والأكثر من ذلك أن إسرائيل تمتلك تكنولوجيا واستثمارات تود أن تقدمها إلى الرياض، لكن وخلال هذا التقارب، أظهر مسؤولون إسرائيليون وشركات القطاع الخاص وحدها رغبةً في الاعتراف بتحسن هذه العلاقات، بينما تظل قنوات المملكة الرسمية وغير الرسمية مترددة بشأن الإشارة إلى العلاقات المزدهرة مع إسرائيل، ولكن إذا ما اندلع نزاع بين إيران وأي من المملكة العربية السعودية أو إسرائيل يمكن أن ينخرط الأخيران في تعاون أكثر علانية، بحسب الموقع الأميركي.
ويعد تحالف البحر الأحمر المبهم، الذي تم الإعلان عنه حديثاً، بمثابة مثال جيد أيضاً على رغبة المملكة العربية السعودية، في جمع وحشد الأصدقاء والحلفاء والجيران ضمن تكتلات عامة. ورغم أن مجلس التعاون الخليجي لم يكن مطلقاً وسيلة ذات فاعلية لتنفيذ سياسة المملكة العربية السعودية (كما اتضح من خلال حصار دولة قطر الذي بدأ عام 2017)، إلا أن المملكة لا تزال تُثمِّن القيمة الاستراتيجية لمثل هذه التكتلات الجغرافية. ويعتبر الإعلان عن هذا التحالف إقراراً بإدراك الرياض الواضح للمنافسة العميقة بين الصين وروسيا والولايات المتحدة وبلدان أخرى في المنطقة، ومن بينها تركيا وإيران، في مناطق هامة من الناحية الاستراتيجية مثل منطقة البحر الأحمر. وفي الوقت ذاته، ستكون المنافسة عنوانَ اللعبة التي تجري وراء السواحل الغربية للبحر الأحمر، حيث تسعى المملكة العربية السعودية وبلدان الخليج المجاورة، بالإضافة إلى تركيا وإيران والصين وروسيا، إلى الاستثمار في إفريقيا المتعطشة للتنمية.
ونظراً للتقلبات المستمرة في أسعار النفط، سوف تواصل روسيا والمملكة العربية السعودية التنسيق خلال العام القادم، وخاصةً أن موسكو والرياض هما أساس إنجاح قرار خفض إنتاج النفط بين بلدان منظمة الأوبك والبلدان غير الأعضاء بالمنظمة. وبعيداً عن مجال الطاقة، تدرك الرياض ضرورة تعزيز العلاقات مع موسكو، خاصة أن الأخيرة تسعى وراء توسيع نطاق نفوذها في الشرق الأوسط.
عودة إلى وضعها؟
خارج المنطقة، لا تزال المملكة العربية السعودية تتبنى أسلوبها المتمثل في تقديم الأموال، ومد النفوذ السياسي في بلدان مثل باكستان، وهو أمر من غير المحتمل أن يتغير خلال عام 2019. ورغم أن إسلام آباد لم تقدم إلى الرياض أي التزامات فعلية تتعلق بالسياسة الخارجية والأمن مقابل الموافقة على القرض السعودي، البالغة قيمته عدة مليارات دولارات خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول، إلا أنها منحت المملكة شيئاً تريده بالفعل، ألا وهو تأكيد قوة واستقرار المملكة خلال مؤتمر "مبادرة الاستثمار المستقبلي" الذي عُقد هذا العام، وهو المؤتمر الذي انسحبت منها العديد من المؤسسات الدولية في أعقاب مقتل جمال خاشقجي.
وبنظرة نحو الشرق، فإن أهداف السياسة الخارجية للمملكة سوف تتوافق للغاية مع أهدافها في الإصلاح الاقتصادي. ففي آسيا، تخطط الرياض لزيادة استثماراتها إلى حد كبير في المشروعات المشتركة، بما في ذلك خطط شركة أرامكو السعودية لاستثمار 500 مليون دولار بالتعاون مع شركة أبوظبي الوطنية للنفط، في أحد معامل تكرير النفط الهندية. وفي ذات الوقت، تعد الاستثمارات الآسيوية في المشروعات السعودية هامة أيضاً لنجاح خطط الرياض بشأن الإصلاح الاقتصادي.
وسواء كانت المملكة تسعى وراء تعزيز علاقاتها الخارجية التقليدية مع بلدان مثل باكستان، أو تقيم علاقات جديدة أكثر قوة مع بلدان مثل إسرائيل وروسيا وبلدان منطقة البحر الأحمر، ستظل المملكة تتسم بالنشاط والحيوية، كعهدها دائماً على الساحة الدولية خلال عام 2019. لكن بعد الاضطرابات التي شهدتها الساحة الدولية خلال عامي 2017 و2018 جراء تصرفات ولي العهد محمد بن سلمان، سوف تأمل الرياض في أن يكون عام 2019 أكثر هدوءاً.