فاقت زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق الأحد 16 ديسمبر/كانون الأول، كل التوقعات، وتفاوتت الآراء عن طبيعتها وجدواها في هذا التوقيت وما حملته، باعتبارها أول زيارة لرئيس عربي إلى دمشق منذ اندلاع الثورة السورية 2011.
وهي من المرات النادرة التي لا تعلن فيها الرئاسة السودانية عن زيارة خارجية للبشير، قبيل مغادرته للبلاد، وإنما جاء الإعلان قبل ساعة فقط من عودته إلى الخرطوم وبتكتم كبير عن الوجهة التي ذهب إليها.
وكما أحدث لقاء "البشير ببشار" زخماً خارجياً، اكتسبت الزيارة أهميتها أيضاً داخلياً، باعتبار أنها جاءت في وقت تشهد فيه البلاد ضائقة اقتصادية متفاقمة خرجت على إثرها مظاهرات محدودة في مناطق مختلفة من البلاد على مدار اليومين الماضيين.
وقللت الحكومة السودانية من أهمية تلك التظاهرات، واعتبرتها "أصوات سالبة"، بل حرصت على توجيه الشكر للشعب السوداني على صبره على الضائقة الاقتصادية، ودعته لتفويت الفرصة على دعاة عدم استقرار البلاد.
ورغم ضبابية مضامين زيارة الرئيس السوداني، ورغم إعلان الخرطوم رسمياً أن الزيارة "تحرك سوداني خالص" يهدف للتقارب العربي، إلا أن المراقبين والمحللين يتفقون على أن لها مدلولات خارجية وداخلية، ترتبط أحياناً وتحظى في أحيان أخرى بتأويلات وأهمية أكثر من الأخرى.
وأجرى البشير، الأحد، زيارة إلى العاصمة السورية استغرقت يوماً واحداً، أجرى فيها مباحثات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد.
موقف السودان من المحور السعودي- الإماراتي
ذهب بعض المحللين إلى أن الزيارة لها علاقة وثيقة بتغيير الخرطوم لموقفها من المحور "السعودي – الإماراتي"، الذي شهد تقارباً في السنوات الأخيرة، باعتبار أن حكومة البشير تضع حداً لعلاقتها مع هذا الحلف، بتقاربها مع دمشق الحليف الأكبر في المنطقة لإيران.
ويستند أصحاب هذا الرأي إلى أن موقف "السعودية والإمارات" من الأزمة الاقتصادية، التي تعاني منها بلاده، لم يكن مرضياً للحكومة، ولم تبديا أي استعداد للوقوف مع السودان في أزمته الممتدة منذ مطلع العام الحالي.
وفي أوقات سابقة علت الأصوات الناقدة والحانقة على "قلة" الدعم المالي الخليجي للخرطوم من أطراف سودانية ذات تأثير، وعلى رأسها البرلمان والصحافة التي دعت لسحب القوات السودانية -المنضوية تحت التحالف العربي- من اليمن.
ومنذ مارس/آذار 2015 يشارك السودان في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن. ولم يعلن السودان رسمياً عن تعداد قواته المشاركة في عمليات التحالف، لكنه سبق أن أبدى استعداده لإرسال 6 آلاف جندي إلى اليمن.
يضاف إلى ذلك توسع السعودية والإمارات في دول شرق القارة الإفريقية، من دون أن يكون للخرطوم دور في هذا التوسع، ربما أقلق السودان من نوايا حلفائها في حرب اليمن.
هذا الواقع، بحسب بعض المراقبين، جعل العلاقات بين السودان ودول الخليج تشهد فتوراً في الأشهر الأخيرة، رغم إعلان الرئاسة السودانية المتواصل بأنها مستمرة في التحالف العربي دفاعاً عن أرض الحرمين.
كذلك فإن تقارب الخرطوم مع الرياض وأبوظبي لم يأت بأي نتائج سالبة على علاقات "الخرطوم بالدوحة"، والتي ظلت متماسكة، في ظل تقارير عن ضغوط غير معلنة من هذه الدول على الخرطوم للتخلي عن قطر.
ليس ذلك وحسب بل ذهب بعض المتابعين إلى أن هناك نقطة أخرى هي التي تسببت في هذا الفتور، تتمثل في ضغط المحور السعودي الإماراتي على البشير من أجل التخلي عن الإسلاميين بالسودان.
وظل البشير يؤكد -في أكثر من مناسبة- أنه من حركة إسلامية ولن يتخلى عن مبادئها، والحركة الإسلامية هي المرجعية الفكرية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي يترأسه البشير، والذي قاد انقلاباً واستولى على السلطة العام 1989.
التقرب إلى روسيا على حساب أميركا
في اتجاه آخر، يرى متابعون ومحللون أن زيارة البشير لسوريا -وبطائرة روسية-، حسب ما نقلت وسائل إعلام محلية، في هذا التوقيت تشير إلى أن الخرطوم سئمت من محاولاتها الدائمة إرضاء الولايات المتحدة دون أن تحقق نتائج ملموسة على صعيد رفعها من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وتقترب أكثر من موسكو.
لأجل ذلك استجابت الحكومة السودانية للمطلب الروسي بالتقارب مع سوريا وكسر عزلة الأسد في محيطة العربي، كخطوة أولى تتبعها تسهيلات روسية تساعد في فك الأزمة الاقتصادية من خلال دعم السودان بالوقود والقمح الروسي.
كما أن حكومة البشير -رغم استمرار الأزمة السورية والحرب لسنوات- لم تقطع علاقتها بدمشق وظل سفيرها يعمل هناك طوال السنوات الماضية.
وطالب السودان أكثر من مرة بأن يتم حل الأزمة السورية داخلياً وبالحوار السياسي بين أطرافها، ويحمل التدخلات الخارجية تفاقم الأزمة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أكد البشير -من سوشي- تطابق موقف بلاده مع روسيا فيما يخص الشأن السوري، وقال، خلال لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، "مواقفنا في سوريا متطابقة ونحن نرى أن السلام غير ممكن من دون الأسد".
وأشار البشير، في كلمته، إلى أن "ما يحدث في سوريا هو نتيجة التدخل الأميركي هناك". مضيفاً أن "عدم الاستقرار في المنطقة ناتج عن التدخلات الأميركية" في المنطقة.
التدخلات الخارجية في شؤون الدول
رأي آخر دفع به بعض المراقبين، بدا واضحاً في مطالبة "البشير وبشار"، بعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول.
واستدلوا بذلك على أنها النقطة الأبرز فيما خرج به اجتماع الجانبين، حيث "اتفقا على أن العمل العربي يجب أن يقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية مما يقود إلى تحسين العلاقات العربية لخدمة مصلحة الشعب العربي".
وهي إشارة لدى المراقبين بأن البشير يعاني كبشار من تدخل خارجي في شؤون بلاده من دول بعينها، وكأنه أراد إرسال رسالة بالكف عن التدخل في شؤون السودان.
الملف الإيراني والعلاقات مع السودان
تقارب السودان وسوريا قد يزعج دولاً كثيرة ويرضي البعض، بحسب الخبراء، لكنه لن يذهب أبعد من ذلك، باعتبار أن "دمشق وطهران" تشكلان حلفاً صمد طويلاً في مواجهة التغيرات والتحولات في المنطقة.
ويستبعد الخبراء أن تقود زيارة البشير إلى دمشق إلى عودة العلاقات السودانية الإيرانية، لأن توجهاً كهذا مرة أخرى يجد معارضة داخلية لن يقوى عليها البشير.
فمنذ العام 2014، اتخذت الخرطوم، عدة خطوات لتحجيم علاقتها مع طهران، انتهت بقطع العلاقات الدبلوماسية رسمياً في 2016.
وليس هناك أي مؤشرات حالياً حول أن التقارب السوري السوداني، ربما يقود إلى عودة العلاقة بين الأخيرة وإيران.
السودان يتحرك بتوجيهات شخصية
كان سفير السودان لدى سوريا، خالد أحمد محمد، قال الإثنين، 17 ديسمبر/كانون الأول، إن زيارة الرئيس، عمر البشير إلى دمشق هي " تحرك سوداني خالص"، وليس بمبادرة من أي دولة أخرى.
جاء ذلك في تصريحات للسفير السوداني بقناة سودانية 24 (خاصة).
وحول سؤال عن أن الزيارة تمت بمبادرة من دول مثل "روسيا و السعودية"، رد السفير قائلاً إن "السودان دولة ذات سيادة، ولها قيادة سياسة تعلم ما تفعل، ولا تحرك بالريموت كنترول من هنا وهناك".
وأضاف "القيادة السودانية تتخذ القرار الذي تراه مناسباً لمصلحتها ومصلحة العالم العربي". وقال: "السودان دولة ضد إسرائيل، ولم تغير موقفها في يوم من الأيام منها". واعتبر الدبلوماسي السوداني أن سفر البشير إلى دمشق بطائرة روسية "أمر طبيعي".
وتعتبر هذه أول زيارة لرئيس عربي إلى سوريا منذ اندلاع الثورة السورية، قبل نحو 8 سنوات.
ووفق بيان صادر عن رئاسة الجمهورية السودانية، اعتبر البشير، خلال مباحثات أجراها مع الأسد بدمشق أن "سوريا دولة مواجهة وإضعافها إضعاف للقضايا العربية".