حتى قبل أن يتولى إدارة سياسة الطاقة القطرية، في تغيير حكومي، الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني 2018)، كان سعد الكعبي، الرئيس التنفيذي لـ "قطر للبترول"، يرغب في أن تغادر بلاده أوبك.
وقالت 3 مصادر في القطاع، إن الكعبي كان يشعر بالقلق من أن عضوية قطر في أوبك قد تكون حجر عثرة أمام طموحات "قطر للبترول" بالولايات المتحدة، حيث تملك الشركة واحداً من أكبر مرافئ الغاز الطبيعي المسال في العالم، وتشتيتاً لجهودها في الوقت الذي ترفع فيه الدوحة إنتاجها من الغاز إلى المِثلين.
وقد يعرِّض تشريع أميركي مقترح، معروف باسم نوبك (قانون منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج النفط وتصديره)، أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول لدعاوى قضائية، وهو ما سيكون مبعث تهديد لـ "قطر للبترول"، في الوقت الذي تخطط فيه لاستثمار مزيد من المليارات بالولايات المتحدة.
وتقول المصادر إن خروج قطر جرى الإعداد له منذ أشهر، مدفوعاً برغبة الكعبي في التركيز على عنصر قوة قطر بالغاز الطبيعي المسال بدلاً من أوبك، حيث للدوحة ثقل محدود، لكونها لا تنتج الكثير من النفط.
جنَّبت نفسها جدلاً داخل الكونغرس
وقال جيمس دورسي، الباحث بكلية س. راغاراتنام للدراسات الدولية: "يُخرج هذا قطر عن مجمل الجدل الدائر داخل الكونغرس بشأن ما إذا كانت أوبك تكتلاً احتكارياً أم لا".
ورأى كثيرون في قرار الانفصال بعد 57 عاماً من العضوية وقبل يومين فحسب من اجتماع مهم لـ "أوبك" بشأن سياسة الإنتاج في فيينا الأسبوع الماضي، ضربةً للسعودية، التي فرضت مع البحرين ومصر والإمارات حصاراً على قطر منذ يونيو/حزيران 2017.
واعتُبر بعد ذلك غياب أمير قطر عن القمة السنوية لدول الخليج العربية، يوم الأحد 9 ديسمبر/كانون الأول 2018، في السعودية، مؤشراً على أنه لا نهاية في الأفق للنزاع، وأن قطر مستعدة للمضي قدماً وحدها خارج تكتل دول الخليج العربية الست، الذي تعاني بفعل الخلاف.
ورغم ذلك، فإن قطر ستظل مُرحِّبة برفع الحصار المفروض على التجارة والنقل والذي أضرَّ بالناقلة الوطنية (الخطوط الجوية القطرية) وشركات لها مصالح في الدول المقاطِعة وطلب المستثمرين والبنوك في المنطقة.
وتتهم الدول المحاصِرة قطرَ بدعم الإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة.
خطر "نوبك"
ويلقي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اللوم على منظمة البلدان المصدرة للبترول في ارتفاع أسعار النفط. ويشعر أعضاء أوبك بالقلق جراء تضرر العلاقات الأميركية-السعودية بفعل مقتل الصحافي جمال خاشقجي بقنصلية المملكة في إسطنبول.
ويدرس مجلس الشيوخ الأميركي، هذا الأسبوع، قراراً مشتركاً يدين ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، فيما يتعلق بجريمة قتل خاشقجي. وأبلغ ترامب رويترز، أنه يدعم ولي العهد باعتباره حاكماً فعلياً لحليف استراتيجي، قائلاً إنه كرر نفي ضلوعه في مقتل خاشقجي.
لكن مصادر القطاع قالت لـ "رويترز"، إن التهديد باتخاذ إجراء قانوني محتمل بموجب "نوبك"، أصبح مصدر خطر للدوحة، في الوقت الذي تسعى فيه لتعزيز مركزها كأكبر منتِج للغاز المسال في العالم.
و"قطر للبترول"، المملوكة للدولة، هي مالك حصة الأغلبية في مرفأ غولدن باس للغاز المسال في تكساس، وتحوز شركتا النفط الأميركيتان، إكسون موبيل وكونوكو فيليبس، حصصاً أصغر.
وتدرس "قطر للبترول" شراء أصول غاز أميركية، ومن المقرر أن تبتَّ قريباً في ضخ مزيد من الاستثمار بمشروع غولدن باس للغاز المسال.
وفي حين أن قطر من بين أصغر منتجي أوبك، بإنتاج يبلغ نحو 600 ألف برميل يومياً، أو 0.6% من الطلب العالمي، فإنها من بين أكثر اللاعبين المؤثرين في سوق الغاز العالمية، بفضل إنتاجها البالغ 77 مليون طن من الغاز المسال سنوياً.
وإنتاج الغاز القطري عامل مهم في تصدّيها للحصار الخليجي، وتخطط الدوحة لتعزيز طاقتها الإنتاجية بـ43% بحلول 2023-2024.
وقال الكعبي في فيينا الأسبوع الماضي، إنه لكونها منتِجاً للغاز بالمقام الأول، فإن الدوحة لا ترى قيمة مضافة في عضويتها بـ "أوبك"، وإن مغادرتها "لم تكن قراراً سياسياً بنسبة 100%".
وقال للصحافيين عشية أول وآخر اجتماع يحضره بصفته رئيساً لوفد قطر لدى أوبك: "ليس لنا وزن كافٍ في أوبك كي يكون لنا تأثير".
وتعهد الكعبي بأن تُحدث شركة قطر للبترول "دوياً كبيراً" قريباً.
"'السيد غاز"
تقول مصادر بالقطاع إن الخروج من أوبك يحمل بصمات الرئيس التنفيذي، الذي قام على نحو جريء بتبسيط هيكل "قطر للبترول" منذ تولي منصبه في 2014، ليدمج شركات تابعة ويسرّح آلاف الموظفين، بغية إعادة التركيز على أمر واحد: إنتاج مزيد من الغاز.
وقال مصدر: "يتلاءم هذا مع رغبته في التبسيط، والتركيز على النفط والغاز، والسعي لتجنُّب الأمور الهامشية التي اعتادت (قطر للبترول) القيام بها. يتماشى هذا جداً مع ذلك المسعى للخروج من الأنشطة غير الأساسية".
والكعبي، وهو مهندس تلقى تعليماً في الولايات المتحدة، وبعد سنوات من إبرام الصفقات لمصلحة "قطر للبترول"، أصبح معروفاً باسم "السيد غاز".
ووفق المصادر، من المرجح أن تكون خطة الانسحاب من أوبك قد بدأت في يونيو/حزيران 2018، حين حضر الكعبي محادثات أوبك في فيينا مع وزير الطاقة في ذلك الوقت محمد السادة.
وبسبب الخلاف الخليجي، لم تعد قطر تحضر اجتماعاً تقليدياً مغلقاً لوزراء النفط الخليجيين، للاتفاق على السياسة قبيل المحادثات التي تجري مرتين سنوياً مع جميع أعضاء أوبك.
وقال مصدر في أوبك: "القطريون شعروا بالتهميش".
وقال مسؤول خليجي إنه على الرغم من الحصار، ظل "السادة" يملك بعض الاتصالات مع نظيريه السعودي والإماراتي. وفي ضوء تولّيه رئاسة أوبك في 2016، كان لـ "السادة" دور فعال في جمع منتجي النفط، وضمن ذلك روسيا غير العضوة في أوبك، للاتفاق على خفض الإمدادات، بهدف دعم أسعار النفط الخام.
لكن الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني 2018)، أزاح تغيير حكومي "السادة" ودفع بالكعبي إلى تولي منصب وزير الدولة لشؤون الطاقة، ما يجعله الرئيس الفعلي لشؤون الطاقة.
وقال المسؤول: "لو جاء الكعبي لما ظلت الأمور كما هي. ليس لديهم تلك العلاقة نفسها. والقطريون يريدون أن يكونوا جزءاً من صناعة القرار".