بعد قُرابة 4 سنواتٍ منذ بداية الحرب الأهلية اليمنية، بدأت مُحادثات سلام جديدة في السويد. وتأتي المُحادثات في الوقت الذي تشهد فيه الحديدة، رابع أكبر مدن اليمن، قتالاً مُتقطِّعاً، رغم اتفاق كلا الجانبين على وقف الهجمات.
وقال مارتن غريفيث، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، في كلمته الافتتاحية خلال المحادثات، الأسبوع الماضي: "إنَّ مُستقبل اليمن يقع على عاتق أولئك الموجودين في هذه الغرفة. فمؤسسات البلد مُعرَّضة للخطر، وتفكُّك البلاد يُشكل مصدر قلقٍ هائل، وعلينا التحرك الآن قبل أن (نفقد) السيطرة على مستقبل اليمن".
وتخوض الحكومة الشرعية بدعم من السعودية والإمارات حرباً ضد جماعة الحوثيين المدعومة من إيران
مسارٌ داخلي
يمثل عقد تلك المحادثات إنجازاً في حد ذاته؛ فالمبعوث الخاص لديه مهمة صعبة في محاولة بناء الثقة بين الأطراف المُتنازعة وإحداث توافق بينها، لكن هل ستُسفِر تلك المُحادثات عن قرارٍ يُنهي الصراع؟
من جانبه، أعربَ مُحمد البخيتي، عضو المكتب السياسي للحوثيين، في حديثٍ له مع موقع Middle East Eye البريطاني، عن شكوكه إزاء تلك المحادثات، قائلاً إنَّ الحكومة اليمنية في المنفى ليست هي المُتحكِّمة في أجندة الأحداث. وأضاف: "الآليات التي اعتمدتها الأمم المتحدة خاطئة لأنَّها تُجبرنا على التفاوض مع طرفٍ لا يسيطر على عملية اتخاذ القرار". وأكَّد البخيتي أنَّ حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لديها مصلحة في استمرار الحرب.
ويرى البخيتي أنه ينبغي أن يكون هناك مساران متوازيان لإحلال السلام في اليمن. أولاً عن طريق إجراء حوار بين الأطراف اليمنية يهدف إلى التوصل إلى اتفاقٍ حول تشكيل سُلطة انتقالية مُتَّفق عليها من جميع الأطراف، على أن يمارس هذا الكيان صلاحياته على كافة المحافظات، ويتولى حماية جميع المواطنين، ويمثل اليمن في المحافل الدولية.
يتمثَّل المسار الثاني في بدء المحادثات مع "الأطراف المُعتَدِية" –السعودية والإمارات العربية المتحدة- للتوصل إلى اتفاقٍ حول إنهاء الحرب ورفع الحصار.
فيما أعرب صالح الحميدي، وكيل وزارة الإعلام في حكومة هادي، لموقع Middle East Ey، عن اعتقاده بأنَّ المحادثات في السويد "تتجه نحو مزيد من الالتباس والتعقيد". وقال إنَّ القضايا التي جرى تناولها في المحادثات، مثل قضايا السجناء وقضية اقتحام ميناء ومطار الحديدة، ليست هي الأكثر إلحاحاً، مُشيراً إلى أنَّه حَمل الحوثيين على تسليم أسلحتهم وتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 2216، يتعيَّن أن يكون من بين القضايا الأهم المطروحة على طاولة المفاوضات.
ويوحي مثل هذا التشاؤم بأنَّ كلا الطرفين رُبما لم يذهبا طوعاً لتلك المحادثات، بل يبدو أنَّ الأطراف الفاعلة الرئيسية (متمثلةً في المملكة العربية السعودية وإيران والولايات المتحدة) هي من دفعهما من خلف الكواليس لحضور المحادثات.
خسائر في صفوف المدنيين
يتمثَّل أحد أسباب استمرار القتال في اليمن في أن أياً من الأطراف المُتحاربة لا يعترف بشرعية الآخر، وفي الوقت نفسه يستمر التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن في تصعيد الصراع.
فمنذ أن بدأت الحرب، قَصفَ التحالف مستشفيات، وحفلات زفاف، وجنازات وغيرها من الأهداف غير العسكرية؛ مما أسفر عن سقوط العديد من الضحايا المدنيين.
وبحسب مشروع Armed Conflict Location & Event Data Project -المعني بتجميع بيانات أحداث العنف السياسي في الدول النامية- قُتِلَ ما يزيد على 57 ألف شخص، من المدنيين والمقاتلين، في اليمن منذ مطلع عام 2016. وقال باحثٌ في المشروع لوكالة أنباء The Associated Press الأميركية إنَّ البيانات المُجمَّعة من الأشهر التسعة الأولى من الحرب قد تصل بإجمالي عدد ضحايا هذا النزاع إلى 80 ألف شخص. وبالإضافة إلى ذلك، تفشت أمراضٌ مثل الكوليرا في كافة أنحاء البلد.
ومن هذا المنطلق، فلكي تؤتي محادثات السلام ثمارها؛ يجب أن يتوَّقف القتال أولاً. إذ لا يمكن الاتفاق على حل فيما لا يزال القتال مستمراً.
لقد عانى الشعب اليمني بما يكفي، وهم يرغبون في أن تنتهي هذه الحرب الآن وإلى الأبد. وحين ينتهي النزاع الدائر، ستتمكن حينها فقط الأطراف المتحاربة من الجلوس معاً إلى مائدة المفاوضات لمناقشة مستقبل البلد.
هل من نهايةٍ تلوح في الأفق؟
يُمكن القول إنَّ الأمر لا يتعلَّق في الوقت الحالي بالأطراف المتحاربة وحدها. إذ أحدثت الأطراف الخارجية الرئيسية في النزاع الفوضى والخراب في كافة أنحاء اليمن، وفي حال لم يتَّخذوا خُطوةً إلى الوراء ويتركوا القرار لليمنيين، سيكون من الصعب تخيُّل انتهاء الحرب في أي وقتٍ قريب.
ولن يحسن التاريخ تذكر أولئك الذين يسعون وراء أجنداتهم السياسية الخاصة على حساب الغالبية العظمى من اليمنيين. فإن كانت الولايات المُتحدة ستضع حداً لدعمها للتحالف الذي تقوده السعودية، فرُبما يُشكِّل هذا خطوةً هامة نحو إنهاء نكبة اليمن، لكن ما دامَ يحصل الائتلاف على دعم الحليف الغربي الأقوى، فسيستمر الصراع في التصاعد.
وبيت القصيد أنَّ مستقبل اليمن وشعبه هو ما على المحك هنا، ومن ثم فهم من ينبغي أن يقرروا مسارهم المستقبلي. وقوتهم تكمن في وحدتهم.