قال موقع The Hill الأميركي، إن فجوة الانقسام بين الكونغرس والبيت الأبيض تتسع تجاه المملكة العربية السعودية، وتحوَّلَت إلى صدعٍ في العلاقات بين الطرفين في الأسابيع الأخيرة، مما أثار أسئلةً صعبة حول مستقبل العلاقات الأميركية السعودية.
تراجعت مكانة السعودية في قاعات الكونغرس، حيث يوشك مجلس الشيوخ على إصدار توبيخٍ كبير لكلٍّ من السعودية والرئيس ترامب.
لكنَّ إدارة ترامب تواصل تثمينها للعلاقة بين البلدين، باعتبارها حيويةً لخططها الأوسع في الشرق الأوسط، وخاصةً لتقييد إيران. ويقول بعض أعضاء مجلس الشيوخ أيضاً إنَّ السعودية مهمةٌ للغاية في مواجهة إيران، حتى لو كانوا يؤيدون معاقبتها على قتل الصحافي جمال خاشقجي.
وأكد الموقع الأميركي أن هذه التوترات المتنافسة تعني أنَّ قَطعاً كاملاً في العلاقات الأميركية السعودية هو أمرٌ مُستبعَد. لكن من المُرجَّح أن يجد ترامب صعوبةً أكبر في العمل مع الرياض في المستقبل، الأمر الذي يُربِك كلا الجانبين.
وقال جيرالد فايرستاين، نائب رئيس معهد الشرق الأوسط وسفير الولايات المتحدة السابق في اليمن: "أود أن أقول إنَّ الأمر المحتمل هو أنَّ السعوديين سيصابون بالإحباط، ونحن سنصاب بالإحباط، لكن سيكون هناك تعاونٌ مستمر وتنسيقٌ حول القضايا ذات المنفعة المتبادلة، وسيكون هناك بعض الفتور في العلاقة".
ومن المُتوقَّع أن يُصوِّت مجلس الشيوخ، الأسبوع المقبل، على قرارٍ من شأنه أن يسحب القوات الأميركية المنخرطة في الحرب الأهلية في اليمن، أو "يؤثر" عليها ما لم تحارب تنظيم القاعدة.
اكتسب القرار الذي يستهدف دعم الولايات المتحدة للتحالف الذي تقوده السعودية في الحرب الجارية في اليمن زخماً في الوقت الذي اشتد فيه ذعر أعضاء مجلس الشيوخ من حادثة مقتل جمال خاشقجي، الصحافي السعودي المنتقد لسياسات بلاده، والذي كان مقيماً في الولايات المتحدة، وكذلك رد فعل إدارة ترامب إزاءها.
ثقة في تمرير القرار
وبعد أن اطَّلَعَ بعض أعضاء مجلس الشيوخ على إفادةٍ سرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، هذا الأسبوع، تأكَّدَت قناعتهم بأنَّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ضالعٌ في عملية القتل.
ويثق مؤيدو القرار أنهَّم حصلوا على 51 صوتاً، المطلوبين لتمرير القرار، على الرغم من وجود عقباتٍ إجرائية يجب التغلُّب عليها أولاً.
ومن غير المُحتَمَل أن يصبح القرار قانوناً؛ إذ لم يلتزم مجلس النواب، الذي سوف يُدلي بإحاطته الخاصة بالسعودية، الأسبوع المقبل، بتحريك مشروع القانون هذا العام، وهدَّدَ ترامب بالاعتراض عليه.
لكن حتى الوصول إلى هذه النقطة يُعَدُّ أمراً مهماً "بكلِّ ما في الكلمة من معنى"، على حدِّ قول فايرستاين.
أضاف فايرستاين: "كان لدى السعوديين مشكلاتٌ في العلاقات العامة في واشنطن لسنواتٍ عديدة. وأعتقد أنَّ قتل خاشقجي بلوَرَ بعض هذه الاضطرابات للناس إلى حدٍّ ما".
وبحسب الموقع الأميركي، جاءت أول إشارة كبيرة على ضعف موقف السعودية في عام 2016، عندما أصدر الكونغرس قانوناً يسمح لعائلات ضحايا 11 سبتمبر/أيلول بمقاضاة المملكة. ومُرِّرَت هذه التدابير على الرغم من الضغط المُكثَّف ضدها.
وجهات نظر المُشرِّعين تجاه السعودية أكثر قتامة
وقد أصبحت وجهات نظر المُشرِّعين تجاه السعودية أكثر قتامة على مدى السنوات القليلة الماضية، مع استمرار الحرب في اليمن، حيث يقاتل تحالفٌ تقوده السعودية المُتمرِّدين الحوثيين المدعومين من إيران، منذ عام 2015.
وأُلقِيَ باللوم على الغارات الجوية لقوات التحالف لقتلها آلاف المدنيين في الحرب، ولتسبُّبها أيضاً في انتشار المجاعة ووباء الكوليرا.
ومع تزايد عدد القتلى من المدنيين، ازداد عدد المُشرِّعين الغاضبين من سلوك السعودية، لكنَّ الحادثة التي وضعت الكثير على حافة الهاوية كانت مقتل خاشقجي.
بعد إفادة وكالة الاستخبارات المركزية، هذا الأسبوع، قال السيناتور ليندسي غراهام، العضو الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية، إنَّ العلاقة "تستحق الحفاظ عليها"، ولكن "ليس بأيِّ ثمن"، وليس عندما يكون هناك ولي عهد "هَدَّام".
من جهته، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب كوركر، العضو الجمهوري عن ولاية تينيسي، إنَّ السعوديين يدركون "أنهَّم خسروا الكونغرس لعدة سنوات على الأرجح".
ولكن حتى في الوقت الذي يقوم فيه مجلس الشيوخ بمواصلة الضغط على إدارة ترامب، يواصل المسؤولون الأميركيون تسليط الضوء على الأهمية التي يعلِّقونها على العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية.
وفي تصريحٍ مثير للدهشة، أواخر الشهر الماضي، نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن ترمب أنَّ ولي العهد محمد بن سلمان "ربما كان على علمٍ بخطة مقتل خاشقجي وربما لم يكن".
وذهب الرئيس الأميركي إلى حدِّ التعهُّد بأنَّ "الولايات المتحدة تنوي أن تظل شريكاً ثابتاً للمملكة العربية السعودية".
العلاقات العسكرية يمكن أن تتغير أيضاً
هذا الأسبوع، وصف جنرالان بارزان أيضاً أهمية العلاقة بين البلدين في مجال الدفاع. وقال الجنرال كينيث ماكنزي، مدير هيئة الأركان المشتركة الذي رُشِّح لرئاسة القيادة المركزية، أمام لجنة في مجلس الشيوخ، هذا الأسبوع، إنَّه يعتقد أنَّ "قدرتنا على المشاركة" في محادثات السلام في اليمن "وقيادتها تتطلَّب أن نبقى على تواصلٍ" مع المملكة السعودية، وكذلك الإمارات العربية المتحدة.
وأوضح الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة، أنَّه كانت هناك "علاقةٌ قوية" بين البلدين "تاريخياً".
وقال دانفورد في إحدى الفعاليات التي نظمتها صحيفة The Washington Post، حيث كان خاشقجي كاتباً للأعمدة: "السعودية لا تختلف عن أيِّ بلدٍ آخر من حيث أنَّ العلاقة العسكرية بيننا وبين بلد معين هي انعكاسٌ كامل لسياستنا. وهكذا لم يحدث أيُّ تغييرٍ في سياستنا فيما يتعلَّق بالسعودية، التي تسترشد بها علاقاتنا العسكرية حتى الآن… وإذا تغيَّرَت هذه السياسة ستتغيَّر علاقتنا العسكرية بناءً عليها".
وأضاف دانفورد: "لدينا تاريخياً علاقةٌ عسكرية قوية مع السعودية، ونُدرِك من الناحية التاريخية حقيقة أنَّ مساهمة السعودية في الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط مهمة، لذا تعامَلنا مع علاقاتنا العسكرية ونحن نضع تلك الأهمية في الاعتبار".
وقد أعرب بعض أعضاء مجلس الشيوخ أيضاً عن قلقهم من أنَّه عندما تهدأ المعركة التشريعية الحالية، فإنَّ الولايات المتحدة ستظل بحاجة إلى السعودية لكبح جماح إيران.
ومن ناحيته، حذَّر السيناتور جون كورنين، ثاني أكبر الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس، هذا الأسبوع من "رفع راية بيضاء" أمام إيران في اليمن.
لكنه أقرَّ أيضاً بالتوتُّرات في العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، وبصعوبة الوصول إلى حلٍّ يسيرٍ للمعضلة الراهنة في هذه العلاقة.
وقال: "أعتقد أيضاً أنَّه سيكون من الخطأ إحداث صدع في تلك العلاقة مع السعوديين. إنَّها لا تقوم على الصداقة بقدر ما تستند إلى المصالح المشتركة، ومكافحة التطرُّف في الشرق الأوسط، ومواجهة التهديد الإيراني".