"لا يزال عناصر داعش يأمرون وينهون ويمنعون كما وأنهم في الرقة منذ عدة أسابيع أعدموا رجلاً في تقاطع أحد الشوارع بتهمة الإفساد في الأرض"، تقول فاطمة عن الأوضاع في هجين وهي تلهث رعباً وكأن الحادث وقع للتو.
فالسيدة المغطاة بالسواد من رأسها حتى قدميها واحدة من مئات الفارين من آخر معاقل داعش بريف دير الزور شرقي سوريا، دفعت ألف دولار كي تقطع مسافة 2 كم مشياً على قدميها مع أطفالها الثلاثة، وصولاً لمنطقة الباب بريف حلب حيث كانت عائلتها تنتظرها.
تقول فاطمة لـ"عربي بوست" بعد "رحلة طويلة وبشق الأنفس وصلت لبر الأمان" فالخروج من "دار الاستشفاء" كان أمراً لا بد منه.
هجين.. دار للاستشفاء
"دار الاستشفاء"، هكذا اختارت فاطمة وصف منطقة هجين فقد تحوّلت بحسب كلامها إلى "مشفى كبير للكثير من مصابي ومبتوري الأعضاء من مقاتلي التنظيم".
ولكن لم يكن ذلك السبب الوحيد لشد فاطمة الرحال، بل أيضاً لتوقف التنظيم عن دفع المنحة المالية الشهرية منذ أربعة شهور، "عندما شعرت أن ما أملكه من مال اقترب من الانتهاء قررت الهروب ودفع ما تبقى معي للمهربين".
لذلك، دفعت مبلغ 1000 دولار عنها وعن أطفالها مقابل سلامتها أثناء سيرها بأمان، لمسافة 2 كم فقط وصولاً لقرية تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية.
لا تقلقي لا أحد يرغب باعتقالكم!
من الهواجس التي كانت تتردد في ذهن فاطمة ألا تقع في يد عناصر من قوات سورية الديمقراطية، الأمر الذي نفاه المهرب بشكل قاطع بقوله إن "الديمقراطي يريدون رؤيتكم بالأساس، لديهم مساجين دواعش لا يعرفون كيف يتصرفون بهم".
وبالفعل سلمهم المهرب التابع لتنظيم "الدولة" للمهرب التابع لمقاتلي "قسد" في قرية غرانج بريف دير الزور الشرقي والتي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية.
وهنا كانت فاطمة بين خيارين إما أن تقطع نهر الفرات باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري أو التوجه نحو مدينة الطبقة بريف الرقة الغربي، وهذا ما اختارته فقد كان أخوها ينتظرها هناك.
تواصل بقولها "جهز المهرب لي أوراقاً ثبوتية تخولني عبور حواجز قسد دون تحقيق أو استجواب".
بعد رحلة شاقة وصلت فاطمة، تنهدت الصعداء وهي تقول أن كل همها الآن أن تجلس أطفالها على مقاعد الدراسة.
بالرغم من خسارتهم معظم المناطق التي كانت بحوزتهم في السابق، يتشبَّث مقاتلو داعش في سوريا الآن بما يسيطرون عليه من أراضٍ في مواجهة القوات المدعومة من أميركا في آخر معاقل تنظيم الدولة في شرق سوريا .
وقال موقع Voice Of AmericaA الأميركي إن اشتباكات عنيفة دارت في مدينة هجين السورية، التابعة لمحافظة دير الزور، لمدة ثلاثة أسابيع ضد قوات سوريا الديمقراطية، في محاولةٍ منهم للتضييق على مقاتلي داعش المتبقين داخل المدينة.
ولكن المصادر المحلية تقول إن مقاتلي داعش خاضوا معركةً صعبة في هجين، مستفيدين من سوء الأحوال الجوية.
الأوضاع في هجين
قال رامي عبدالرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره المملكة المتحدة، لموقع Voice Of America الأميركي: "استعانت قوات سوريا الديمقراطية بقوات إضافية، لإضافة المزيد من الضغط على مقاتلي داعش في المنطقة".
وأضاف عبدالرحمن أن بضع مئات من مقاتلي القبائل المحلية قد انضموا إلى قوات سوريا الديمقراطية ضد داعش. وقال أيضاً: "إن قبيلة الشعيطات، أحد أكبر القبائل العربية في دير الزور، قد أظهرت الحسم في محاربة قوات داعش".
قتل مقاتلو داعش في سوريا ما يقرب من 700 رجل من قبيلة الشعيطات، في عام 2015، بعدما رفضوا التعهُّد بالولاء للجماعة الإرهابية. منذ ذلك الوقت صار أفراد القبيلة يسعون للانتقام من داعش.
وردت تقارير بمقتل 50 من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، على الأقل، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد هجوم مقاتلي داعش على قريتين في دير الزور تحرَّرتا مؤخراً من قبضة الجماعة.
في معركة "حياة أو موت" يخوضها مقاتلو داعش في سوريا
قال صدر الدين كنو، المراسل السوري الذي يتابع نشاطات داعش في المنطقة عن كثب، لموقع Voice Of America: "هذا هو آخر معاقل داعش في كلِّ سوريا. لذلك، فهذه المعركة هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم". وأضاف: "سيُلقَى القبض حرفياً على من يسمونه خليفتهم.
بعد استرجاع هجين. لذلك، فإننا نرى معظم قوات داعش متمركزة في هذا الجزء من دير الزور".
حقَّقَت قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد، بمساعدة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، تقدُّماً كبيراً، ضد داعش، مُحرِّرين مساحات واسعة من الأراضي من براثن داعش بما في ذلك "الرقة"، العاصمة التي فُرِضَت بحكم الأمر الواقع للجماعة المُتطرِّفة.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية الآن على نحو ثلث سوريا، ما يجعلها ثاني أكبر كيان في البلد الذي مزَّقَته الحرب، بعد قوات النظام السوري.
لكن الأمر ليس بتلك البساطة بعد اختلاطهم بالمدنيين
ولكن يقول مُحلِّلون في هجين إن أخباراً وردت باختلاط مقاتلو داعش في سوريا وسط المدنيين، مستخدمين إياهم دروعاً بشرية، ليعيقوا تقدُّم القوى المناهضة لهم.
قال كنو: "من الصعب حقاً أن تقود قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة عمليةً كاملةً داخل المدينة.
التحالف بالفعل في وضعٍ حرج بعد ورود أنباء عن مقتل مدنيين في دير الزور".
أنكر مسؤولو التحالف ضد داعش مسؤولية الطائرات الأميركية، أو طائرات حلفائهم، عن الغارات الجوية التي أُفيدَ بأنها قتلت ما يقرب من 60 مدنياً في شرق سوريا، بما في ذلك هجين، في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني.
لكن الجنرال البريطاني كريستوفر غيكا، نائب قائد قوة المهام المشتركة في التحالف، قال إن قادة التحالف ينظرون في التقارير التي تفيد بأن أعمال التحالف تسبَّبت في سقوط ضحايا من المدنيين.
قال غيكا للصحافيين في نوفمبر/تشرين الثاني: "سنحقِّق في تلك الادعاءات، كما نحقِّق دائماً في كلِّ الادعاءات التي تفيد مقتل مدنيين".
وتنفيذها لإعدامات بحق المتعاونين مع المعارضة
قالت ميشيل باشليه، مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الأربعاء 5 ديسمبر/كانون الأول، وفق ما نقلته "رويترز"، إن لديها تقارير عن أن تنظيم الدولة الإسلامية يعدم من يعتقد أنهم يتعاونون مع مقاتلي المعارضة في محافظة دير الزور بشرق سوريا.
وعبرت باشليه في مؤتمر صحافي في جنيف عن قلقها العميق على سبعة آلاف مدني قالت إنهم محاصرون بين مقاتلو داعش في سوريا الذين يمنعونهم من مغادرة دير الزور، وبين الضربات الجوية التي ينفذها التحالف بقيادة الولايات المتحدة.
وأضافت: "لدينا أيضاً تقارير عن أن تنظيم الدولة الإسلامية يعدم من يعتقد أنهم يتعاونون مع قوات سوريا الديمقراطية أو أطراف أخرى في الصراع"، وتابعت أن المدنيين يستخدمون "كرهائن وأوراق مساومة" في الصراع.
وهو ما يتطلب مزيداً من الوقت لاسترجاع آخر معاقل تنظيم الدولة في شرق سوريا
قال مُحلِّلون إن استرداد هجين والأراضي المحيطة بها، التي يسيطر عليها مقاتلو داعش في سوريا ، قد يستغرق وقتاً أكثر من المتوقع.
ويوضح أيمن جواد التميمي، الباحث بمنتدى الشرق الأوسط ومقره الولايات المتحدة الأميركية: "الاتجاه طويل المدى هنا هو أن هجين ستُستَرَد في النهاية من براثن داعش".
وبحسب تقييم التميمي، فعندما يحدث ذلك، فإن داعش سوف تستنهض "حركة تمرد"، وأضاف: "لا أظن أنهم سيستعيدون هيمنتهم، بالرغم من ذلك"، بحسب تعبيره.
تقدِّم مدينة هجين الشرقية، التي تقع على الضفة الغربية من نهر الفرات، الفرصة لمقاتلي داعش للوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام السوري على الجانب الشرقي من النهر.
نشرت الجماعة الإرهابية، الأسبوع الماضي، صوراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهِر أن المقاتلين يستخدمون مراكب للتنقل بين ضفتي النهر.
قال كنو: "تمكَّن مقاتلو داعش في سوريا من استخدام النهر في التحرُّك وجلب الإمدادات من المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري نحو الصحراء".
وأضاف: "بنى تنظيم داعش شبكةً ضخمة في الصحراء -معظمها أراضٍ غير خاضعة للسيطرة- وأصبح لديه القدرة على الوصول إلى الأسلحة والإمدادات الأخرى".
تستمر كلٌّ من قوات النظام السوري والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في شنِّ حملاتٍ منفصلة ضد داعش، في شرقي سوريا. لكنهم أيضاً على خلاف مع قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية.
قال التميمي: "أعتقد أن مقاتلي داعش يستغلون المشكلات الأمنية التي يخلقها صراع الهيمنة بين طرفين لا يُنسِّقان حقاً مع بعضهما".