طائرات تحلّق وحواجز تُنصب واستخبارات تفتح تحقيقات، كل ذلك من أجل رجل واحد، ولكنه ليس رجلاً عادياً.. إنه أشرف نعالوة، الشاب الفلسطيني الذي تطارده إسرائيل كلها تقريباً.
كان أشرف نعالوة شاباً فلسطينياً عادياً، لم يكن ينتمي إلى أي تنظيم سياسي، بل يعيش حياة ميسورة هادئة يتمتع بها بين أسرته وأقرانه في ظل الدخل المرتفع الذي كان يتقاضاه من عمله.
ولكن هذه الحياة الهانئة لم تعزل أشرف عن معاناة شعبه تحت الاحتلال، ولم تنسه نكبة وطنه المسلوب.
فقرر الشاب الفلسطيني الذي كان يعمل في مصنع بمستوطنة إسرائيلية أن ينتقم للاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة بحق أبناء وطنه.
وبالفعل، تمكن نعالوة، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، من تنفيذ عملية إطلاق نار في مستوطنة "بركان" الجاثمة على الأراضي الفلسطينية في محافظة سلفيت بالضفة الغربية، ليقتل إثنين من المستوطنَين الإسرائيليَّين ويصيب ثالثاً بجراح خطيرة.
وكانت تقديرات الاحتلال الإسرائيلي بعد العملية الفدائية، أنه سيتم اعتقال أشرف خلال يوم أو يومين من تنفيذ العملية.
إلا أنه مر شهران، ولا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلى لا تستطيع العثور عليه.
ومنذ ذلك الوقت، تحوّل هذا الشاب الفلسطيني الذي تطارده إسرائيل إلى أسطورة، وأصبح الفلسطينيون يطلقون عليه لقب المُطارَد، ويرفعون صوره في المظاهرة.
وبعد أن أخفقت سلطات الاحتلال بكل إمكاناتها، في القبض عليها، لمدة شهرين، قررت الانتقام بأسوأ الطرق من أهله وحتى من بلدته كلها.
ما فعله أشرف نعالوة كان مفاجأة حتى لأقرب المقربين إليه
"فوجئت كبقية أفراد أسرتي بعد الإعلان في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن أن مُنفذ العملية الفدائية بالمنطقة الصناعية بركان هو أشرف نعالوة".
هكذا يقول خال أشرف، غسان مهداوي ( 42 عاماً)، من بلدة الشويكة بقضاء طولكرم، لـ "عربي بوست".
ويفسر غسان مهداوي سبب دهشته، قائلاً: "سبب دهشتي هو الهدوء الذي كان يتميز به أشرف، وخاصة أنه لا ينتمي إلى أي فصيل أو تنظيم سياسي، فحياته تقصر على الذهاب من المنزل إلى العمل والعكس".
ويضيف: "كان أشرف متفوقاً وشاباً نابغاً في دراسته العلمية، فقد تخرج في الثانوية العامة بمعدل مرتفع يؤهله لدخول تخصصات علمية مهمة، ليلتحق بجامعة القدس المفتوحة في طولكرم، لاستكمال دراسته الجامعية.
ولكن أشرف ترك دراسته الجامعية، ليلتحق بالتعليم المهني ويتخصص بالمجال الذي طالما أحبَّ دراسته وهو الكهرباء العامة، ليتخرج منه بعد عدة سنوات بتفوق.
ثم التحق بعدها فوراً بالعمل داخل مصنع في منطقة بركان الاستيطانية.
وكان أشرف شاباً محبوباً بين جيرانه وأقرانه ممن عرفوه وعايشوه، فلا يتأخر عن تقديم المساعدة لأي شخص محتاج، ويقوم بمساعدة الصغير قبل الكبير".
وبعد أن فشلوا في القبض على المُطارَد، قرروا الانتقام من أهله
ومنذ وقوع العملية، تعيش عائلته في وضع نفسي سيئ للغاية.
ويقول مهداوي: "تمارِس علينا القوات الإسرائيلية ضغوطاً كبيرة لتسليم أشرف إلى سلطات الاحتلال، إضافة إلى الاقتحامات المستمرة لمنزل عائلته ومنزلي من حين لآخر، في محاولة منهم للوصول إليه واعتقاله".
و"كان آخرها تهديد المواطنين بالبلدة بالحبس وبعقوبات قاسية، في حال قاموا بتقديم أي مساعدة لأشرف".
إن عشتً فعِش حُرًا ،،،
البطل أشرف نعالوة <3 pic.twitter.com/LrTYgINZzX— ENG.Fayyad 🇵🇸 (@fayyad_001) December 4, 2018
حتى إنهم اعتقوا أفراد أسرته كلها.. ولم يرحموا والدته المريضة
فمنذ 43 يوماً متواصلة وقوات الاحتلال تقوم باقتحام بلدة الشويكة ومحاصرتها كاملاً، للقيام بعمليات التفتيش في منازلها جميعاً، بحثاً عن أشرف.
وقال مهداوي لـ "عربي بوست": "لقد تم اعتقالي برفقة جميع أفراد أسرته مراتٍ متتالية، والتحقيق معنا بداخل مركز تحقيق الجلمة الإسرائيلي، لتقديم أي معلومات عن المطارَد أشرف ومكان وجوده".
وأضاف قائلاً: "لقد اقتحم الاحتلال منزلي عدة مرات، وقام باعتقالي واعتقال شقيقتي وفاء نعالوة (54 عاماً) والدة أشرف، التي تعاني عدة أمراض مزمنة".
"وقد قامت محكمة سالم بتمديد الاعتقال والتحقيق معها دون توضيح أسباب اعتقالها، ودون مراعاة لسنِّها ومرضها"، حسب مهداوي.
وبعد خروجها من المعتقل، أصدرت النيابة العامة العسكرية الإسرائيلية، في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لائحة اتهام بحقها وبحق زوجها وليد سليمان نعالوة (59 عاماً)، بتهمة علمهما بنيَّة ابنهما، أشرف، للقيام بعمليته الفدائية داخل مستوطنة بركان، وتمت معاودة اعتقالها بعد ذلك.
الاحتلال يعتقل عائلة المطادر منذ 27 يوماً
والدة المطارد أشرف الأسيرة وفاء محمود مهداوي
شقيقة المطارد أشرف الدكتورة الصيدلانية الأسيرة فيروز وليد نعالوة
شقيق المطارد اشرف الأسير أمجد وليد نعالوة..#قروب_عشاق_فلسطين #اسرى_فلسطين pic.twitter.com/Kh5sjlQ7QW— Malak Al-Fakhouri 🙈 (@malak_tariq4) November 6, 2018
"كما قامت السلطات العسكرية في محكمة سالم باعتقال ابنها، أمجد نعالوة ( 33 عاماً)، شقيق أشرف، وتمديد اعتقاله عدة مرات" .
ثم عاودت اعتقاله خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بتهمة تشويش مجريات المحكمة وإخفاء أجهزة تسجيل كاميرات بيت العائلة في صباح مغادرة أخيه أشرف لتنفيذ العملية.
"ولا يزال أمجد معتقلاً حتى يومنا هذا برفقة والدته ووالده".
ثم اعتقلوا أخته التي تعيش على بُعد مئات الكيلومترات منه
ولم تقتصر حالات الاعتقال على الموجودين في منزل عائلة أشرف نعالوة فقط، فقد قامت سلطات الاحتلال، في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2018، باعتقال شقيقته، فيروز نعالوة (34 عاماً).
وهي متزوجة وأُمٌّ لثلاثة أبناء، وتعمل محاضِرةً في كلية الصيدلية بجامعة النجاح الوطنية، وتسكن في مدينة نابلس، التي يبعد عن منزل والدها مئات الكيلومترات، وفقاً لما قاله مهداوي لـ "عربي بوست".
واستمر اعتقالها شهراً تقريباً، تعرضت فيه لتحقيق قاسٍ من قِبل المحققين الإسرائيليين لأكثر من 18 ساعة يومياً، لأسباب غير منطقية، والتهمة الرئيسية أنها شقيقة أشرف، قبل أن يتم الإفراج عنها بعد دفعها غرامة مالية قدرها 4500 شيكل.
وألقوا القبض على أصدقائه، ثم استخدموا الطائرات لترهيب سكان البلدة بأكملها
وحسب مهداوي، فإن "الاعتقالات لم تقتصر على أفراد العائلة فقط".
فقد شملت أصدقاء وأقارب لأشرف، في جريمة ممنهجة تتبعها السلطات الإسرائيلية للتضييق على الجميع، وانتزاع أي معلومة قد تفيد الاحتلال في أثناء مجريات التحقيق.
هذا فضلاً عن محاصرة البلدة بصورة مستمرة، واقتحام بيوت الآمنين في أوقات متأخرة من الليل برفقة الكلاب البوليسية، لبث الرعب في نفوس ساكنيها من الأطفال والنساء والشيوخ، وتهديد جميع المواطنين في البلدة بعقوبات قاسية في حالة مساعدتهم أشرف.
ووصل الأمر إلى قيام الطائرات الإسرائيلية بإلقاء منشورات ورقية على سكان البلدة، تحذرهم فيها من التعامل مع أشرف أو مساعدته علي الاختباء.
وطالبت المنشورات كل من يستطيع التعرف على مكانه بتبليغ السلطات الإسرائيلية في أسرع وقت ممكن، وقد خصصت مكافآت مالية لمن يستطيع الإدلاء بأي معلومات عن مكانه".
والمحكمة توقف هدم منزله.. ليس رحمة بأهله، وإنما انتظاراً للقبض عليه
"ولم تقتصر العقوبات الإسرائيلية على ذلك.
فقد قامت المحكمة الإسرائيلية، في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بإصدار قرار قضائي بهدم منزل عائلة أشرف"، حسبما قال مهداوي لـ "عربي بوست".
ولكن بعد محاولات عدة داخل المحاكم العسكرية، أصدرت المحكمة العليا في إسرائيل، بتاريخ 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أمراً بتعليق هدم المنزل لحين إلقاء القبض على أشرف والتحقيق معه والإقرار بتنفيذه عملية إطلاق النار شخصياً، أمام المحاكم الإسرائيلية.
وبحسب محامي العائلة، فإن المحكمة الإسرائيلية تقر بعدم قانونية هدم منزل عائلته ما دام المتهم الرئيس في القضية هارباً ولم يعترف بارتكابه العملية.
وفي مواجهة حملات الترهيب هذه، توافد مئات المواطنين من أهالي بلدة شويكة إلى منزل أشرف، في رسالة دعم وتضامن مع عائلته في مواجهة ما تتعرض له من عمليات اقتحام متتالية من جيش الاحتلال، وتهديده بهدم المنزل.
20 ألف جندي إسرائيلي و15 مليون دولار من أجل هذا الفلسطيني الذي تطارده إسرائيل!
وبحسب موقع مدينة القدس، فإن هذا الشاب الفلسطيني يتسبب في استنزاف الجيش الإسرائيلي، إذ خصص جيش الاحتلال الإسرائيلي 20 ألف جندي للبحث عنه، وبلغت تكلفة إجمالي تحركات الجيش والشاباك لاعتقاله 15 مليون دولار.
وقامت قوات الاحتلال بإجراء 36 جولة تفتيش كبيرة لاعتقال نعالوة، كما تم نصب 52 حاجزاً طارئاً، وتفتيش 394 منزلاً، واستصدار أوامر استدعاء 300 شخص للاعتقال والتحقيق الميداني، من أجل القبض على أشرف.
"الجيش الإسرائيلي ينتظر خطأً واحداً من أشرف نعالوة"، حسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.
وكشفت الصحيفة سر البحث المحموم من قِبل الاحتلال الإسرائيلي عن أشرف، وهو خوفه من أن ينفّذ هجوماً ثانياً، تشير التوقعات الإسرائيلية إلى أن وقوعه مسألة وقت لا أكثر.
ورغم كل هذه الجهود، فإن أشرف نعالوة، الشاب الفلسطيني الذي تطارده إسرائيل، لا يزال حراً طليقاً، ليشكل أيقونة في النضال، ليس فقط بسبب العملية الفدائية التي قام بها، بل أيضاً بفضل قدرته الهائلة على التخفي عن أنظار إسرائيل وعملائها على الأرض.
وأصبح هذا الشاب، الذي كان يوماً مرفَّهاً، يشكل هاجساً لأجهزة المخابرات الإسرائيلية، التي عجزت عن اعتقاله والعثور عليه حتى الآن.