تسعى كلٌ من الولايات المتحدة وإيران هذا الأسبوع لتأمين وضعيهما قُبيل محادثات سلامٍ مرتقب في اليمن تجري في السويد ستضع حلفاءهما في مواجهةٍ على طاولة المفاوضات.
وحسبما نشرت صحيفة The Independent البريطانية، ففي يوم الخميس الماضي 29 نوفمبر/تشرين الثاني قدم مسؤولٌ أميركيٌ بارزٌ عرضاً مفصلاً عن الأسلحة الإيرانية المزعوم اكتشافها في اليمن، فيما كان دبلوماسيٌ إيرانيٌ كبير في جنيف يتباحث مع نظيره السويدي حول مفاوضات السلام في اليمن، التي يفترض أن تبدأ الأسبوع المقبل أو نحو ذلك.
سخرية إيرانية من اتهامات اميركية
قال مبعوث وزارة الخارجية الأميركية لإيران برايان هوك فيما كان يعرض مجموعةً من الأسلحة الإيرانية التي زعم أنَّ السعودية والإمارات استعادتها وهي طريقها إلى المقاتلين الحوثيين المتحالفين مع طهران أو كانت بحوزتهم: "هذا جزءٌ من التزام إيران الحثيث بوضع المزيد من الأسلحة في أيدي المزيد من وكلائها، بغض النظر عن المعاناة".
وسخر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من العرض الأميركي ووصفه بأنَّه جهدٌ "سخيفٌ" لصرف الانتباه عن تبعات الجهود الحربية التي تقودها السعودية وتدعمها واشنطن، وللتوصل إلى صيغة لاتفاق سلام.
وكتب ظريف على حسابه على موقع تويتر أمس الجمعة 30 نوفمبر/تشرين الثاني قائلاً: "اليوم، وبعد المعاناة الإنسانية غير المعلن عنها وجرائم الحرب على يد التحالف السعودي وشركائه الأميركيين، ومحاولات تغطية جرائمهم باتهاماتٍ سخيفةٍ لإيران، لا تزال خطتنا ذات البنود الأربعة هي الخيار الوحيد القابل للتطبيق".
تصويت لوقف المشاركة الأميركية في اليمن
وقالت الصحيفة، إن مجلس الشيوخ الأميركي، الغاضب بعض الشيء من رد فعل البيت الأبيض إزاء مقتل الصحافي جمال خاشقجي، صوت يوم الأربعاء 28 نوفمبر/تشرين الثاني في حركةٍ مفاجئةٍ على المضي قدماً في مشروع قانونٍ من شأنه أن يوقف المشاركة الأميركية في النزاع في اليمن. وقد لا يُمرَّر مشروع القانون، وربما يستخدم ترامب حقه في رفض المشروع إذا نجح. لكن يظل هذا الأسبوع مشهوداً؛ لأنَّ واشنطن وبعد أن حافظت على موقفٍ متكتمٍ على هامش النزاع، تحملت المسؤولية حيال حرب اليمن وصور الأطفال الذين يعانون الجوع على إثرها.
اعتمد عرض مبعوث وزارة الخارجية الأميركية لإيران برايان هوك على عرضٍ مشابهٍ آخر قدمته نيكي هالي (مندوبة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة) العام الماضي. وكلاهما زعم إيضاح كيف أنَّ إيران انتهكت قرارات مجلس الأمن الدولي عبر تصدير الأسلحة للحوثيين.
أشار هوك إلى صواريخ صياد 2 سي أرض-جو "إيرانية التصميم والصنع"، وصواريخ موجهة مضادةٍ للدبابات "ضُبطت في مخبأ للأسلحة على متن مركبٍ شراعيٍ في بحر العرب" أو "وجدتها السعودية أثناء مداهمة باليمن".
يصف خبراء ما كشفه هوك بأنَّه إشكالي على الصعيد التقني ومن حيث الحقائق؛ إذ لم يفسر هو ولا أي مسؤولٍ أميركيٍ آخر سبب ثقة الولايات المتحدة في أنَّ الحوثيين لم يشتروا ببساطةٍ تلك الأسلحة الإيرانية المتهالكة التي تعود لحقبة الحرب الباردة من السوق السوداء النشطة للأسلحة في الشرق الأوسط.
وقال بيتر ساليسبري الخبير في الشأن اليمني، والذي يعمل مستشاراً لدى مجموعة الأزمات الدولية: "إذا تعمقت في بيانه، ستجده قال إنَّ القوات المسلحة السعودية قد جمعت أسلحةً. ولا توجد قواتٌ سعوديةٌ على الأرض في أي مكانٍ باليمن".
إضافة إلى ذلك، لا يطل اليمن على بحر العرب. وقال ساليسبري: "تلك المنطقة بكاملها تكتظ بالمهربين. لا يمكنك أن تقول ببساطةٍ، هذه بعض الأشياء التي وجدناها في اليمن".
ورفض مصدرٌ مقربٌ من حكومة طهران العرض باعتباره إلهاءً عن حملة القصف والحصار المستمرين اللذين تقودهما السعودية، وهما ما يقول خبراء إنهما السبب الرئيسي وراء الأزمة الإنسانية في البلاد.
وقال لصحيفة The Independent البريطانية: "أنكرت إيران في عدة مناسباتٍ كل تلك المزاعم والاقتراحات حول إرسال الأسلحة إلى أي من الأطراف المشاركة في الحرب في اليمن باعتبار أنَّها لا أساس لها وتغطية للهجمات المستمرة التي تشنها قوىً إقليميةٌ على واحدةٍ من أفقر دول الشرق الأوسط".
وأشار إلى أنَّ الحصار الذي تفرضه السعودية وسيطرتها على تدفق المعونات الإنسانية تعني أنَّ إيران لم تعد قادرةً على إيصال الغذاء والمعونات لليمن، ناهيك عن الأسلحة.
في المقابل قدمت إيران خطة سلام لتقاسم السلطة في اليمن
في حين أفادت التقارير أنَّ الولايات المتحدة عرقلت قراراً في مجلس الأمن مدعوماً من المملكة المتحدة، من شأنه الدعوة إلى إجراء محادثات سلامٍ، وحاربت إدارة ترمب دون جدوىً، لمنع مجلس الشيوخ الأميركي من تقديم مشروع قانونٍ من شأنه أن يوقف الدعم الأميركي لحرب اليمن، كانت إيران تلعب دور المواطن العالمي المسؤول، وتقدم خطة سلامٍ اقترحها ظريف على لسنواتٍ للتوصل إلى اتفاقٍ لتقاسم السلطة بين الأطراف المتحاربة في اليمن.
وقد تبنى الحوثيون المحادثات بحماسٍ، طالما ستضمن لوفدهم مروراً آمناً من وإلى اليمن. أما التحالف الذي تقوده السعودية فقد كان أكثر تشويشاً بشأن مشاركته، وشجعه على ذلك انتصارات ساحة المعركة الحاسمة في مدينة الحديدة الساحلية.
قال باتريك نيلسون المتحدث باسم الخارجية السويدية، في مقابلةٍ أجراها مع محطة إذاعية يوم الخميس 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي: "لا أستطيع تأكيد ما إذا كانت محادثات السلام ستجرى أم لا، أو متى ستحدث، لكن ما أستطيع قوله إننا نستعد".
يظل الهدف الذي يخدمه عرض الولايات المتحدة لتلك الأسلحة غامضاً، عدا عن التأكيد على عزم الإدارة دعم السعودية والإمارات في مغامرة اليمن التي لا تحظى بشعبيةٍ كبيرةٍ في الولايات المتحدة. وكان يفترض ألا يستمر تدخل التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن لأكثر من بضعة أسابيع. لكنه امتد لنحو ثلاث سنواتٍ.
في الوقت نفسه تحولت إيران من تدريب قوات الحوثي إلى كونها الراعي الرئيسي العالمي للجماعة، وربما مورد أسلحته، بالإضافة لكونها لاعباً رئيسياً في مباحثات السلام.
وبعيداً عن محاربة النفوذ الإيراني، يقول معظم المحللون إنَّ التدخل الذي تقوده السعودية حاصر الحوثيين في زاويةٍ وأجبرهم على التحالف على نحوٍ أقوى مع طهران وحزب الله، ما أعطى إيران مزيداً من التأثير.
دعم إنساني أميركي في شكل مساعدات غذائية
وأعلنت الولايات المتحدة هذا الأسبوع تخصيص 130 مليون دولارٍ في شكل مساعداتٍ غذائيةٍ لليمن، في جزءٍ من محاولات تخفيف القلق العالمي حول مشاهد الأطفال الذين يعانون من المجاعة نتيجة الحرب.
وأصر وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس على أنَّ عدد الضحايا المدنيين للهجمات التي شنتها السعودية والإمارات بالصواريخ على مواقع الحوثيين كان يمكن أن يكون أكثر بكثيرٍ لولا مساعدة الولايات المتحدة في العمليات الاستخباراتية وتحديد الأهداف.
وبخلاف المنطق المعيب بأنَّها تجابه إيران، لم تأت الولايات المتحدة حتى الآن بتفسيرٍ واضحٍ لاستمرار مشاركتها في حربٍ تسبب كل هذا القدر من الدمار، بل ولم تُبد أي محاولةٍ للتعامل مع القبلية الداخلية، والطائفية والحراك السياسي التي قادت البلد إلى الحرب قبل ظهور إيران في الصورة.
وقال ساليسبري: "في معظم العواصم الغربية كانت السياسة إزاء اليمن جزءاً من استراتيجيات أخرى. ومنذ تولي إدارة ترامب السلطة عاملت اليمن على أنَّه شأنٌ ثانوي في سياستها الخارجية ضد إيران".