بعد أسبوع على تظاهرة تخللتها أعمال عنف في جادة الشانزيليزيه في باريس، عاد محتجو "السترات الصفراء" إلى العاصمة الفرنسية، السبت 1 ديسمبر/كانون الأول 2018، وسط مخاوف من تجدد حوادث حرق المتاريس والتخريب، التي وصفها الرئيس إيمانويل ماكرون بأنّها "مشاهد حرب".
واندلعت صدامات، السبت 1 ديسمبر/كانون الأول 2018، بينما كان مئات المحتجين قد بدأوا التدفق باتجاه قوس النصر، عند مدخل واحدة من أشهر جادات العالم.
وقام رجال الشرطة بتفريق الحشد، مستخدمين الغاز المسيل للدموع، عندما حاول المتظاهرون اقتحام واحدة من نقاط المراقبة.
ووافقت الحكومة على إغلاق الجادة أمام السيارات، بينما كلفت عناصر الشرطة بتفتيش المتظاهرين وفحص بطاقات هويتهم، قبل السماح لهم بالدخول إلى المنطقة لتجنُّب تكرار أحداث العنف التي وقعت الأسبوع الماضي. واتخذ تجار إجراءات احتياطية لهذا الهدف، إذ وضع بعضهم عوارض خشبية على بعض الواجهات.
وتواجه إدارة ماكرون موجة من الغضب الشعبي، بدأت في إثر زيادة الرسوم على الوقود، لكنها اتسعت لتشمل مطالب تتعلق بارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام.
وسعى ماكرون لإخماد الغضب، واعداً بإجراء محادثات على مدى ثلاثة أشهر حول الطريقة المثلى لتحويل فرنسا إلى اقتصاد قليل استخدام الكربون دون معاقبة الفقراء.
كما تعهَّد بإبطاء معدل الزيادة في الضرائب على الوقود إذا ارتفعت أسعار النفط العالمية بشكل سريع للغاية، لكن فقط بعد إقرار زيادة الضرائب المقررة في يناير/كانون الثاني المقبل.
لكن التصريحات التي أطلقها خلال الأسبوع الجاري أثارت غضب المحتجين، ولم تُقنعهم. وردَّ بعضهم بالقول "هراء" و"كلام فارغ"، وبقوا متمركزين في بعض الطرق والدوارات. وقال العامل يوان ألار (30 عاماً) "نريد شيئاً عملياً".
وتحاول الحكومة دون جدوى حتى الآن التحدث مع ممثلين عن حركة "السترات الصفراء"، التي سميت كذلك لارتداء المحتجين سترات مضيئة، التي يتوجّب على كل سائق سيارة ارتداؤها إذا ما تعرَّض لحادث.
ودعا رئيس الوزراء إدوار فيليب ثمانية "ممثلين" للقائه في مكتبه، لكن اثنين فقط حضروا، خرج أحدهم بعد إخباره بأنه لا يستطيع أن يدعو كاميرات التلفزيون لبث اللقاء مباشرة للأمة.
"نريد استعادة كرامتنا"
عندما سأله الصحافيون عن مطالبه قال جاسون هربرت: "نريد استعادة كرامتنا، ونريد أن نكون قادرين على العيش من (رواتب) عملنا، وهو ليس الوضع الآن".
وبعد اجتماع دام ساعة مع الممثل الثاني للمحتجين، قال فيليب إنّهما ناقشا بشكل أساسي القدرة الشرائية، وإن بابه سيظل "مفتوحاً دائماً" لمزيد من الحوار.
وتعد إحدى الصعوبات الرئيسية التي تواجه الحكومة الفرنسية في التحدث إلى المحتجين، هي منعهم من تعيين قيادة لحركتهم.
وقد رفضت الحركة، التي تم تنظيمها من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، بإصرار، الانحياز إلى أي حزب سياسي أو نقابات عمّالية.
وتضم "السترات الصفراء" العديد من المتقاعدين، وتلقى زخماً أكبر في المدن والمناطق الريفية الصغيرة، حيث قطع المحتجون الطرق وأقاموا حواجز لإبطاء حركة السير قرب نقاط دفع رسوم الطرقات السريعة وعند الدوارات، في مناطق عدة.
وحتى الآن، لقي شخصان حتفهما، وأصيب المئات في الاحتجاجات التي تشير استطلاعات الرأي إلى أنها لا تزال تجتذب دعم اثنين من كل ثلاثة فرنسيين.
ووصل الغضب إلى الجزر الفرنسية فيما وراء البحار، خصوصاً في جزيرة "لا ريونيون" الفرنسية في المحيط الهندي، التي تشلّها حركة الاحتجاج منذ أسبوعين.
واضطرت وزيرة الدولة الفرنسية لشؤون التنمية والفرانكفونية أنيك جيراردان، التي أرسلت إلى الجزيرة للتحدث إلى المحتجين، إلى قطع الاجتماعات الجمعة مع المتظاهرين، بعد أن رددوا هتافات استهجان منها "ماكرون استقِل!".
سياسيون يدخلون في الخط نكاية بماكرون
وأعلن المرشح السابق للانتخابات الرئاسية اليساري جان لوك ميلانشون، أنه لن يشارك في التظاهرة في الشانزيليزيه، السبت، لكنه سيتوجه إلى مرسيليا ليشارك في مسيرة تضم "نقابات ومتمردين من أجل السكن و"سترات صفراء" وطلاباً في المرحلة الثانوية".
أما اليميني نيكولا دوبون إينيان، فقد أعلن الجمعة، أنه سيكون مع المحتجين في باريس.
وأكد رئيس حزب الجمهوريين (يمين) لوران فوكييه أنه سيتوجه "للقاء" المتظاهرين في دائرته، بينما طالبت زعيمة اليمين القومي مارين لوبان بحل الجمعية الوطنية.
وتوجه الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا هولاند للقاء المحتجين والإشادة بحصيلة أدائه، ما أثار غضب ماكرون.
ومن بيونس آيريس سخر الرئيس الفرنسي من "الذين هم على الأرجح سبب الوضع الذي نعيشه، أكثر مما هي الحكومة التي تولت السلطة قبل 18 شهراً".
وحشد اليوم الأول من احتجاج "السترات الصفراء" في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، حوالي 300 ألف شخص في جميع أرجاء البلاد، فيما استمرت احتجاجات متفرقة خلال الأسبوع.
والسبت الماضي، أعلنت الحكومة أن مئة ألف شخص فقط شاركوا في الاحتجاجات، ما أعطى انطباعاً بأنّ الاحتجاجات تضاءلت، لكن كثيرين أشاروا إلى أن خطاب ماكرون، الثلاثاء، أجَّج الاحتجاجات من جديد.
ودعا زعماء النقابات العمالية الذين اجتمعوا مع فيليب، الجمعة، إلى وقف رفع الضرائب، في يناير/كانون الثاني، وهو اقتراح بدأ بعض أعضاء البرلمان المؤيدين لماكرون في تأييده.
وامتدت الحركة إلى بلجيكا المجاورة، حيث استخدمت قوات مكافحة الشغب خراطيم المياه، الجمعة، لتفريق محتجي "السترات الصفراء"، الذين كانوا يرشقون الشرطة بالحجارة، وأحرقوا مركبتين للشرطة في وسط العاصمة بروكسل.