مساء يوم الأحد 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، كان قصر اليمامة بالرياض يستعد لاستقبال 17 دبلوماسياً غربياً وعربياً من أجل اعتماد أوراقهم كسفراء جدد لدى المملكة. وكما جرت العادة في هذه المناسبات، فقد كان الملك سلمان هو صاحب مهمة الاستقبال، مع حضور عدد من كبار المسؤولين بالديوان الملكي.
لكن الصور التي تناقلتها وكالات الأنباء، أظهرت غياب أهم شخصية سياسية بالمملكة في الآونة الأخيرة، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، صاحب التغييرات الكبيرة في المجتمع السعودي، والذي اهتم برسم صورة مختلفة للمجتمع عن المملكة للعواصم الغربية.
#الرياض | #الملك_سلمان يتسلم أوراق اعتماد عدد من سفراء الدول الشقيقة والصديقة pic.twitter.com/7yaTnnsmvZ
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) November 25, 2018
ففي نفس الوقت، كان محمد بن سلمان يحظى باستقبال رسمي خاص بالقصر الملكي في البحرين، بعد وصوله إليها قادماً من الإمارات، وسط أجواء ترحيبية حيث عزف السلام الملكي السعودي والبحريني، قبل أن يتم إلقاء بعض أبيات الشعر.
سلام الله على اللي رايته ما فوقها رايات pic.twitter.com/pCGG7iKOIy
— صحيفة المدينة (@Almadinanews) November 25, 2018
ويبدو أن رحلة محمد بن سلمان لبعض الدول العربية ، لم يكن الغرض منها خلق انطباع جيد بأنه غير محاصر أو مقيد على خلفية اتهامه بالمسؤولية عن قتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول فقط.
فربما كان الأمير الشاب سيحظى بصورة أفضل وأقوى لو ظهر إلى جوار أبيه وهو يستقبل السفراء الجدد، خصوصاً وأن من بينهم سفراء دول غربية، في مقدمتهم سفير الدولة الأقوى بالاتحاد الأوروبي، ألمانيا.
فما هو السر وراء تخلف ولي العهد عن حضور هذه المراسم الهامة، والتي كان يمكن أن يحضرها بسهولة لو أجل موعد رحلته المكوكية هذه 72 ساعة فقط؟
تجنباً الإحراج
وعلمت "عربي بوست" من مصادر دبلوماسية مطلعة بالسفارة الأمريكية بالقاهرة، أن رحلة الأمير محمد بن سلمان المكوكية الاخيرة إلى الإمارات والبحرين ومصر وتونس، جاءت "بتوصية من بعض الأصدقاء"، على حد تعبيره، لتجنب إحراج عدم مقابلة السفراء الأجانب الجدد له.
وكان من المقرر أن يستقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يوم الأحد 25 نوفمبر/ تشرين الثاني السفراء الجدد لكل من سويسرا وألمانيا الاتحادية وأستراليا واليونان وأيرلندا وفنلندا وبلجيكا والأرجنتين ونيكاراغوا وكوريا الجنوبية والتشيك وناميبيا والإكوادور وأوزبكستان والمغرب وإثيوبيا والعراق، لتلقي أوراق اعتمادهم لدى المملكة.
وكان من الطبيعي أن يحضر لقاء الاعتماد الرسمي هذا محمد بن سلمان بصفته ولياً للعهد، لكن المفاجأة كانت حين رأت أكثر من عاصمة غربية أن وجود بن سلمان "لن يكون مناسباً هذه المرة"، مطالبين بعدم حضور الأمير الشاب المتهم بتصفية الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
الرياض اضطرت للقبول
في البداية رفض الجانب السعودي ذلك الطلب بحده، لكنه سرعان مع تراجع عن موقفه مع تصاعد حملة الضغط الدولي على ولى العهد.
وخضعت الرياض للاقتراح الأمريكي الذي رأى أنه ربما يكون من الافضل الان عدم استفزاز وسائل الإعلام الغربية بظهوره في تلك المناسبة وامامه سفراء العالم الغربي.
كان الحل الأنسب لهذا المأزق هو مغادرة الأمير الشاب في رحلة مكوكية تشمل عدة دول أثناء اتمام مراسم اعتماد السفراء الجدد، وبهذا يضرب عصفورين في حجر واحد.
أولا يوجد مبرر منطقي لعدم حضوره تسلم الملك سلمان أوراق اعتماد السفراء الأجانب، والثاني هو محاولة خلق انطباع أن ولي عهد المملكة ليس محاصرا داخل بلاده على خلفية اتهامه بقتل خاشقجي، بالعكس الرجل حر وطليق بل ويستقبل بحفاوة في عواصم شتى.
اختيار عواصم موالية
من هنا وقع الاختيار، والحديث للدبلوماسي الأمريكي، على عواصم مضمونة الولاء مثل أبوظبي والمنامة والقاهرة، بالإضافة إلى زيارة تونس، على اعتبار أن الرئيس السبسي محسوب على التيار المعارض للإخوان وهو التيار الذي يدعمه بن سلمان.
ويختتم الدبلوماسي الأمريكي حديثه مع "عربي بوست" قائلا إن زيارة القاهرة اختيار موفق ومضمون النجاح، والاصوات المعارضه لها تكاد تكون لا تذكر منحصرة في دوائر ضيقة، "اعتقد انها محطه مهمه للأمير الشاب، قبل زيارة الأرجنتين الذي لم يحسم أمر ذهابه لها من عدمه".
وكانت القاهرة قد استعدت بترتيبات امنية مشددة لاستقبال ولي عهد المملكة، وقد رفعت درجة الاستعداد لدى الأجهزة الأمنية للدرجه القصوى، وحتى الدقائق الأخيرة لم يتم اعلام الصحف بموعد قدوم الأمير بدقه.
ونشرت صورة على المواقع الاخبارية المواليه للنظام وكتب تحتها "العلم السعودي يزين الأهرامات" احتفالا بزيارة ولى العهد لمصر، وهي الصورة التي أثارت موجة غضب عامر على صفحات التواصل الاجتماعي، معتبرين أنها إهانة كبيرة لرمز مصر الابرز.
لكن الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار نفى ما تم تداوله في وسائل الإعلام من إضاءة الأهرامات ووضع علم السعودية عليها.