بعد أكثر من 50 عاماً على اغتياله، لا يزال مالكولم إكس واحداً من أكثر الشخصيات السياسية استقطاباً في التاريخ الأميركي؛ فبالنسبة للكثيرين هو رمز للنضال الدائم من أجل الحقوق المتساوية لجميع البشر؛ وبالنسبة للآخرين فإن إرثه ملوث بعلاقته بأمة الإسلام (NOI) وآرائه حول "الشياطين البيض"، وعليه فأي فيلم يحكي قصته يجب أن يكون معقداً ومثيراً للجدل، وهذا مع حدث تحديداً مع فيلم Malcolm x الذي أخرجه سبايك لي في العام 1992 والمستند إلى السيرة الذاتية لمالكوم إكس، وكان أول وآخر فيلم أجنبي سُمح بتصويره في مكة.
وقد جسد النجم دينزل واشنطن شخصية مالكولم إكس، فيما قامت أنجيلا باسيت بدور زوجته، فما هو الفرق بين قصة الزعيم مالكوم إكس في الفيلم وبين ما جرى في حقيقة الأمر، وما هي التحديات التي واجهت صناع الفيلم حتى خروجه للنور؟
أول وآخر فيلم أجنبي سُمح بتصويره في مكة
أداء فريضة الحج كان من أهم نقاط التحول في حياة المناضل مالكولم، لذا كان من الضروري تصوير رحلة الحج داخل أحداث الفيلم.
ويعد فيلم Malcolm X هو أول وآخر فيلم أميركي سُمح له بتصوير مشاهد في مكة المكرمة بإذن من الهيئة الشرعية السعودية، وذلك بسبب أهمية شخصية مالكوم إكس بالنسبة للمسلمين؛ إذ أرسل المخرج سبايك لي طاقماً مسلماً بالكامل من أجل التصوير هناك.
ومن جهة أخرى، يعد Malcolm X أول فيلم سينمائي يعرض صورة ثلاثية الأبعاد لزعيم أسود تتصادم وجهات نظره وتصرفاته بقوة مع أميركا البيضاء.
ولهذا لم يكن مفاجئاً أن طريق الفيلم إلى شاشات السينما كان مضطرباً. ما يعكس صعوبة تناول قصص أصحاب البشرة السوداء في هوليوود، والتعقيد المتأصل في تصوير حياة شخصية مثيرة للجدل والانقسام داخل المجتمع الأميركي.
من أكثر الأفلام التي واجهت تحديات للظهور على الشاشة
حصل المنتج مارفين وورث أولاً على حقوق السيرة الذاتية في عام 1967 وذلك عبر التفاوض مع أرملة هالي وبيتي شاباز أرملة مالكولم إكس، من أجل حقوق الفيلم، وبفضل مساعدة من كاتب وصديق العائلة قام جيمس بالدوين وورث بالحصول على حقوق القصة، وتحول المشروع إلى مجموعة من الكتابات غير المكتملة.
كانت المحاولة الأولى عبارة عن نص من تأليف جيمس بالدوين، الذي كان حينها مدمناً على الكحول كما تعرض لضغط شديد من قبل المنتج وأعضاء حركة أمة الإسلام وأشقاء مالكوم الذين أرادوا قول رأيهم فيها يتعلق بقصة مالكوم إكس، هذا فضلاً عن الضغط المجتمعي الذي كان يعاني منه بالدوين بسبب مثليته الجنسية، كما اغتيل المناضل الأسود مارتن لوثر كينغ بينما كان بالدوين يكتب سيناريو الفيلم، وعليه فقد شعر بأنه مُحبط من جميع الاتجاهات وهو ما حدا به إلى التوقف عن الكتابة عدة مرات قبل أن يموت عام 1987 وهو لم يكمل كتابة النصف الثاني للفيلم.
تجربة أخرى.. وتهديدات من المنظمة بالقتل!
التجربة الثانية كانت من نصيب كاتب السيناريو الذي كان في القائمة السوداء لكتاب هوليوود وهو أرنولد بيرل، الذي ترشح من قبل لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي في عام 1972، وما قام به بيرل هو تنقيح نسخة بالدوين فحسب، تبع ذلك جهود كالدر ويلينجهام وديفيد ماميت.
وفي نهاية المطاف وقع المخرج الأسود سبايك لي في عام 1990 على إخراج الفيلم وكشف أنه حَضر اجتماعاً مشحوناً مع زعيم جماعة أمة الإسلام لويس فاراخان الذي وجه إليه تهديدات مباشرة بالقتل في حال تشويه صورة المنظمة في الفيلم، وبعد ذلك اشتبك لي مع شركة إنتاج وارنر براذرز حول الميزانية وعليه اضطر لي إلى اللجوء إلى مجموعة من رجال الأعمال والمجتمع السود من أجل المساهمة في إنتاج الفيلم مثل أوبرا وينفري وجانيت جاسكون وبيل كوسبي وتريسي تشابمان.
مظاهرات احتجاجية ضد إخراج سبايك لي للفيلم
في مسيرة احتجاجية أقيمت في هارلم في أغسطس/آب 1991 وحضرها 200 شخص أطلق الشاعر والكاتب المسرحي السوداني أميري باراكا ضربة استباقية ضد فيلم Malcolm x وبالأخص ضد مخرجه سبايك لي قائلاً "لن نترك حياة مالكولم إكس في سلة المهملات لنجعل من بقاء السود في الطبقة الدنيا تأصيلاً مجتمعياً".
وقد حث باراكا الحشود المعارضة على إرسال رسائل إلى صانع الفيلم تحذره من تعكير سيرة حياة مالكولم وأضاف باراكا، المتحدث باسم الجبهة المتحدة للحفاظ على إرث مالكولم إكس أن جميع أفلام لي السابقة حقرت من شأن السود ورسخت لبقائهم على الهامش داخل المجتمع الأميركي، وصرح باراكا أن أفلام إيدي مورفي أفضل من أعمال سبايك لي.
ولكن الخلاف بين معارضي الفيلم وأتباعه لا يقتصر على تهميش السود فالأمر أبعد من ذلك قليلاً والدليل أن باراكا وأتباعه لم يطلعوا على النص الذي كتبه جيمس بالدوين ونقحه بيرل قبل سنوات، ولكن ما يشعر به باراكا وأتباعه هو الغضب والخوف من خسارة مالكوم في الصراع الأسود، بخيبة أمل عميقة من نكسات سنوات ريغان وبوش يجد العديد من الأميركيين الأفارقة أن رسالة مالكوم الخاصة بتقرير المصير الأسود أكثر أهمية من أي وقت مضى؛ فخلال الفترة الزمنية من 1989 وحتى 1991 زادت مبيعات "The Autobiography of Malcolm X" بنسبة 300٪، وقد شهدت أربعة من كتبه التي نشرتها شركة Pathfinder Press زيادة بمقدار تسعة أضعاف في المبيعات.
وعليه فما يقلق منتقدي فيلم Malcolm x هو استغلال هوليود للسنوات الإجرامية المبكرة لمالكوم حينما كان لصاً ويخشى آخرون سنوات انضمام مالكوم إلى حركة أمة الإسلام وآراءه المتطرفة آنذاك حول الشياطين البيض، كما يخشى البعض الآخر من تقديم الفيلم صورة كاريكاتورية للمسلمين.
دينزل واشنطن، انسجام كامل مع شخصية مالكولم!
إن لعب دور شخصية تاريخية حقيقية مشهورة دائماً ما يكون مهمة شاقة للمرشحين للعمل، وذلك لأن تقريباً كل شخص يرى العمل سيكون لديه بالفعل فكرة مسبقة وربما يكون على دراية بطريقة تصرف الشخص الواقعي، ولهذا تضع أفلام السيرة الذاتية عبئاً مضاعفاً على القائمين بالعمل لأن أي تغير ولو طفيف سوف يُلاحظ على الفور.
لقد كان هناك الكثير من الأعمال السينمائية الشهيرة التي تناولت حياة شخصيات واقعية ومن أفضل النجوم الذين أدوا أدوار شخصيات تاريخية بشكل متقن؛ بن كينغسلي في دور غاندي، أنتوني هوبكينز في دور الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون، ليوناردو دي كابريو في دور هاورد هيوز، فيليب سيمور هوفمان في دور ترومان كابوت، وبالطبع دينزل واشنطن في دور مالكوم إكس.
عاش مالكولم إكس حياة غير عادية وكان هناك الكثير من التحولات في حياته، وقد برع واشنطن في تجسيد كل مرحلة بشكل استثنائي، والحقيقة أن واشنطن لم يكن يتكلف أبداً في تمثيل الدور ولم يبد للمشاهد وهو يبذل الكثير من الجهد لتجسيد شخصية مالكوم إذ كان أداؤه تلقائياً وعلى الرغم من الاختلاف بين شكل دينزل واشنطن ومالكوم إكس إلا أن أداء واشنطن لم يجعلنا نشعر بهذا الاختلاف على الإطلاق ولم يضطر واشنطن لوضع مكياج مُعقد من أجل نسخ ملامح مالكوم إكس بحذافيرها.
واشنطن ومالكوم والجوائز
وكان دينزل واشنطن قد لعب بالفعل دور Malcolm X خلال العام 1981 في مسرحية تسمى "When The Chickens Come Home to Roost".
كان تصويره لمالكوم في تلك المسرحية ملهماً وحقيقياً، وقال واشنطن إنه كان يعرف دوماً في مكان ما من عقله أنه سيجسد شخصية مالكوم في فيلم سينمائي يوماً ما ولذلك عندما عُرض عليه الدور كان على دراية تامة بالتحدي المذهل الذي وضعه لنفسه.
ترشح فيلم Malcolm X لجائزتي أوسكار وهما جائزة أفضل ممثل دور رئيسي لصالح دينزل واشنطن ولكن فاز بالجائزة أل باتشينو عن دوره في فيلم Scent of a Woman وجائزة أفضل تصميم أزياء وترشحت لها روث كارتر.
وفاز الفيلم بجائزة الرابطة الوطنية الأميركية لتنمية الملونين، وجائزة دائرة نقاد الأفلام في بنيويورك لأفضل ممثل وحصد الجائزة دينزل واشنطن كما اختير الفيلم من قبل مكتبة الكونغرس كأحد الأفلام الوطنية الأميركية، وحصل الفيلم على درجة تقييم 7.7 على موقع IMDB.