يلجأ العديد من صائدي الكنوز في الشرق الأوسط إلى الجن؛ بحثاً عن الذهب والآثار. تحثهم رواية عن كنز تركه العثمانيون قبل أن يغادروا دول المنطقة، وقبلهم الرومان.
وبين عامي 2011 و2017، شُحن ما يقرب من 205 كيلوغرامات من هذه العملات إلى الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، مقارنة بـ4.9 كيلوغرام فقط بين عامي 1992 و2000.
وهو التاريخ المتزامن مع اندلاع ثورات الربيع العربي وبداية الحرب الأهلية في سورية.
الانفلات الأمني الذي شهدته دول عربية عدة أدى إلى انتشار تهريب الآثار مقابل مئات آلاف الدولارات.
تاريخ لن يسترجعه أهل هذه الأرض أبداً.
لصوص يستعينون بالجن للتنقيب عن الذهب
التنقيب عن الذهب والأسرار ليس غريباً في المنطقة التي تؤوي بعض أقدم الحضارات، لكن الغريب هو السبيل إلى ذلك؛ الجن.
إذ أشار تقرير نشرته مجلة Live Science إلى استعانة اللصوص بـ "الجن" للتنقيب عن الذهب وتهريبه من الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة.
بل إن بعض المنقبين يصل بهم المدى إلى التطوع ليتلبّسهم الجن؛ أملاً في أن يرشدهم إلى هذا الكنز الدفين.
فهل نجحت طرقهم؟ وهل تفوقت على كاشف المعادن العادي؟
والتهريب إلى أميركا ارتفع كثيراً في ربع قرن
أغار اللصوص على العديد من المواقع الأثرية في الشرق الأوسط على مرِّ العقدين الماضيين.
وتكشف وثائق تابعة للحكومة الأميركية زيادة كبيرة في الأعوام الـ25 الماضية في شحنات العملات الذهبية التي تُشحَن من الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة، والتي يتجاوز عمرها 100 عام.
وفي واقع الأمر، شهدت المدة بين عامي 2011 و2017 شحن ما يقرب من 205 كيلوغرامات من هذه العملات إلى الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، مقارنة بـ4.9 كيلوغرامات فقط بين عامي 1992 و2000.
يوضح دار سك العملة الأميركية (U.S. Mint) إن ذلك الوزن البالغ 205 كيلوغرامات يعادل وزن أكثر من 36 ألف قطعة من عملة ربع الدولار الأميركي الحالية.
وليس من الواضح عدد العملات الذهبية التي نُهبت.
روايات تاريخية تتحدث عن ذهب تركه العثمانيون قبل أن يغادروا
وقال علماء آثار عاملون في الشرق الأوسط لموقع Live Science، إنَّ اللصوص، إضافة إلى بعض الأشخاص غير المنخرطين في عمليات النهب، يؤمنون إيماناً قوياً بأن الكنوز الذهبية -سواء كانت عملات أو غير ذلك- تنتظر من يعثر عليها.
ويعتقد كثير من اللصوص أن الدولة العثمانية (1299 إلى 1922) تركت وراءها ذهباً بعد انسحابها من دول المنطقة.
إذ قالت موراغ كيرسل، وهي أستاذة في علم الأنثروبولوجيا بجامعة دي بول بولاية شيكاغو تجري تحقيقاتٍ حول تجارة القطع الأثرية ضمن أبحاثها: "توجد قصص كثيرة حول الذهب العثماني الذي تُرك عندما غادر العثمانيون المنطقة".
وأضافت كيرسل، التي تحدَّثت إلى لصوص يجرون عملياتهم في إسرائيل وفلسطين والأردن: "إنهم دائماً يبحثون عن ذلك الذهب".
وأن الجن يحمون مواقع الكنز
ذكرت كيرسل وصلاح الهودلية، أستاذ الآثار في جامعة القدس، أنَّ اللصوص يولون الجنَّ اهتماماً خاصاً.
وتقول أساطير منتشرة في الشرق الأوسط إنَّ هذه المخلوقات تحرس "الكنوز المحمية"، التي تتكون عادةً من الذهب.
وقال الهودلية: "وفقاً لمقابلاتي مع بعض الشيوخ، ولصوص القطع الأثرية، فإنَّهم (يصدقون) بالتأكيد أن أغلب الكنوز المحمية مصنوعة من الذهب، وأن أغلب الذهب من العملات".
كلّفهم الملوك حمايته بعد موتهم فلا يصل إليها البشر
وكتب الهودلية في ورقة بحثية نُشرت عام 2012 بمجلة Journal of Mediterranean ،Archaeology أنَّ الشيوخ الذين أجرى معهم مقابلات قالوا إن "حماية (أي كنز) يسعى لها عادةً المالك الأصلي، الذي يلجأ إلى ساحر متمرس في مثل هذه الأمور.
ويستحضر الساحر بدوره ما يعرف من الجن، وعادةً ما يكون أميراً أو أميرة في إحدى قبائل الجن، وفقاً للأساطير".
وقال الشيوخ واللصوص للهودلية إنَّ الجن يواصل حراسة الكنز بعد موت المالك.
ووجدت أبحاث الهودلية أن اللصوص في بعض الحالات يحاولون استحضار الجن، ليتلبسهم أو يتلبس شخصاً معهم؛ أملاً في أن يأخذ الباحثين عن الذهب إلى الكنوز المحمية.
شيوخ استحضار الجن يقبضون أجرهم بنسبة من العملات!
ويدفع اللصوص إلى الشيوخ أموالاً كي يقيموا طقوساً يُفتَرَض أن ينتج عنها تلبُّس الجن.
وقال الهودلية: "تُعَد هذه الأشياء أعمالاً تجارية للشيوخ. وإمَّا يحصلون على المال مقدماً، وهو نادر الحدوث، وإما يحصلون على المال بعد بيع القطع المنهوبة. فيحصلون على نسبة 20% أو أكثر، استناداً إلى الاتفاق الذي عقدوه".
وقال الهودلية إنَّ الشيوخ يقرأون "آيات محددة من القرآن الكريم" في أثناء طقوس استحضار الجن.
من طقوس التلبس فقدان مؤقت للذاكرة
وأضاف أنه لم يشهد أي دليل على استخدام المخدرات أو التنويم المغناطيسي.
يزعم اللصوص الذين يتلبسهم الجن أنهم يفقدون الذاكرة.
وقال الهودلية إن اللصوص يقولون: "يحدث فقدان مؤقت للذاكرة، لكنَّ تكرار التعرض لتلبس الجن قد يسبب أثراً سلبياً دائماً على سلوك الشخص".
وحرص أستاذ الآثار على أن يذكر أنه في جميع الحالات التي شهدها، فشل الشخص الذي يُفترض أنَّ الجن تلبسه، في العثور على الكنوز الذهبية.
وقد يترك الجن إشارات أو يظهرون بهيئة طفل صغير
وأوضح الهودلية وكيرسل أيضاً أن اللصوص يعتقدون أنهم قادرون على التواصل مع الجن بطرق أخرى.
ففي بعض الحالات، يبحث اللصوص على علاماتٍ تدل على أن الجن أخفى كنوزاً في الجوار.
وفي حالات أخرى، يزعم اللصوص أنهم تعرضوا لهجوم من الجن عندما دخلوا منطقة تحتوي على كنوز يحميها الجن.
ويزعم بعض اللصوص الذين أجرى الهودلية مقابلات معهم، أنَّ الجن يمكنه أن يتخذ هيئة الحيوان والإنسان.
وقد يهاجم الأشخاص عندما يقتربون من أي كنز محمي؛ في حين يرتدي الجن ملابس بيضاء عندما يظهر في هيئة بشرية.
وفي بعض الحكايات، قيل إنَّ الجن تواصل عبر طفل صغير، أو عبر إشارة يُفترض أن يتركها الجن على حجر.
وقالت كيرسل: "سمعت من أناسٍ أن الجن نفسه لم يأت إليهم بهيئته، بل عبر صبي يبلغ من العمر 5 أعوام، أو عبر شخص آخر، أو بإشارة يتركها على حجر، (ومن ثَّم) يعرفون أن الجن يخبرهم بأن يحفروا هنا".
وذكر الهودلية حالةً استحضر فيها شيخٌ جنياً ليتلبس طفلاً، ويُقال إنَّ الجني ذكر موقع الكنز قبل أن يخبره الشيخ بأن يترك جسد الطفل.
واستخدم 6 لصوص المعلومات التي أعطاهم إياها الطفل، لكنَّهم لم يجدوا أي كنز.
والآن فلنحقق علمياً بالأمر
للتأكد من العلاقة بين اللصوص والجن، أجرت مجلة Live Science تحقيقها الخاص.
البداية كانت عبر الانضمام إلى مجموعة على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يجتمع الأشخاص الذين يحاولون الاستعانة بالجن، كي يعثروا على الكنوز.
راقبت المجلة أعضاء المجموعة أسبوعين.
توصلت إلى أن كثيراً من الأشخاص الذين يستعينون بالجن للبحث عن الكنوز موجودون في إسرائيل وفلسطين والأردن.
هذه هي "الإشارات" التي يبحثون عنها
أظهروا اهتماماً خاصاً بما يزعمون أنه "إشارات" من الجن.
ونشر المستخدمون في الغالب صوراً وفيديوهات للمعالم التي صادفوها في كهوفٍ أو سفوح تلال يعتقدون أنها يمكن أن تقود إلى كنوز دفينة إذا حُلِّلت تحليلاً صحيحاً.
وتظهر في هذه المعالم غالباً شقوق أو ثقوب على سطح صخرة ما.
وكان ناشرو تلك الصور يطلبون في الغالب "تحليل خبراء" من الأشخاص في المجموعة.
ووجد أناسٌ في مراتٍ قليلة، نقوشاً حجرية أو هياكل حجرية تُمثِّل بقايا أثرية حقيقية، لكنَّ المستخدمين اعتقدوا أن المواقع "إشارات" من الجن.
النصائح كانت عن أنواع كواشف المعادن وإجراءات السلامة عند التنقيب
ونصح بعض الأشخاص بكيفية شراء جهاز للكشف عن المعادن في الأردن، أو كيفية العثور على خبير على درايةٍ بالآثار.
أحد المنشورات ناقش المسائل المتعلقة بالسلامة عند محاولة التنقيب بموقع ما، مثل كيفية معرفة نفاد الأكسجين في كهف ما (انطفاء الشمعة مثلاً)، وكيفية الزحف عبر الأنفاق دون التعثر.
ونادراً ما كان أعضاء المجموعة يناقشون تلبُّس الجن.
ونشر المتسخدمون أحياناً صوراً لقطع أثرية، مثل الفخار الذي زعموا أنهم عثروا عليه بمساعدة الجن أو بطرق أخرى.
لكن، لا يوجد أي دليل على أن أي شخص بالمجموعة نجح في اكتشاف قطع أثرية ذهبية بفضل استعانته بالجن.
بل وجد الهودلية حالات فشل مشابهة مع الاستعانة بالجن.
إذن، كيف يعثر اللصوص حقاً على العملات الذهبية؟
بغض النظر عن الجن، نادراً ما يُعثر على القطع الأثرية الذهبية في المواقع الأثرية، وذلك حسبما ذكرت كيرسل بمقال نُشر في أثناء الصيف بمجلة News & Notes، التي ينشرها المعهد الشرقي بجامعة شيكاغو.
ونظراً إلى مدى صعوبة العثور على عملات معدنية أثرية أصلية، يصنع الأشخاص أحياناً عملاتٍ مزيفة.
البعض يقع في فخ التزييف
ففي مصر، يجري سك عملات من الذهب الحديث في كثير من الأحيان، لتبدو قديمة.
إذ قالت مونيكا حنا، وهي عالمة مصريات تعمل مع الحملة المجتمعية للرقابة على الآثار والتراث بمصر، في حديثها إلى موقع Live Science عام 2016: "كثير من الصاغة المحليين يزيفون العملات الذهبية ويبيعونها على أنها تحف".
وعندما يعثر اللصوص في الشرق الأوسط فعلياً على العملات المعدنية، فإنَّ ذلك يكون -على ما يبدو- عبر الاستعانة بأجهزة الكشف عن المعادن وليس الجن.
في سوريا، بِيع كنز من العملات الرومانية بـ150 ألف دولار
في ورقة بحثية نُشرت العام الماضي (2017)، بمجلة Journal of Field Archaeology، أجرى الباحثان نيل برودي وإسبر صابرين مقابلاتٍ مع 6 أشخاص يعيشون في سوريا، مرتبطين بعمليات النهب أو لديهم معرفة واسعة بأنشطة النهب.
وقال هؤلاء الأشخاص إنَّ ما يُستخدم للعثور على العملات هو أجهزة الكشف عن المعادن، أو العصابات الكبيرة التي تستطيع التنقيب عبر مساحات شاسعة بسرعةٍ في أحد المواقع الأثرية، وإنَّ هناك عملات ذهبية تُكتشَف في بعض الأحيان.
قدَّم الباحثان ضماناتٍ للأشخاص الستة، الذين تحدثوا بعدم الكشف عن أسمائهم، لحماية أنفسهم والسماح لهم بالحديث بحُرِّية.
وزعم أحد هؤلاء الأشخاص أنَّ كنزاً من العملات الذهبية الرومانية عُثر عليه في الموقع الأثري المعروف بتلة الحماميات.
تم بيعه مع بعض التماثيل مقابل 150 ألف دولار في بلدة قلعة المضيق بسوريا.
فالعملات مما خفّ وزنه وسَهُل نقله
وفي مقالتهما المنشورة بالمجلة، كتب برودي، وهو باحث رفيع المستوى في جامعة أوكسفورد، وصابرين، وهو باحث دكتوراه بجامعة جيرونا بإسبانيا: "ما اتضح الآن من نصوص هذه المقابلات هو استخدام أجهزة الكشف عن المعادن والأهمية التجارية للعملات".
وأضافا أنَّ العملات "من السهل جداً سرقتها ونقلها وإخفاؤها".
وقال صابرين إنَّه لم يسمع قصصاً عن أشخاص في سوريا يستخدمون الجن للعثور على الكنوز الذهبية، لكن أضاف أنَّ ذلك ممكن.
وبغض النظر عن الطريقة التي يستخدمها اللصوص للعثور على القطع الذهبية، قال صابرين إنَّ بعض أهم القطع الأثرية التي نُهبت من سوريا قد لا تظهر في سوق التحف الأثرية إلَّا بعد أعوام من انتهاء الحرب الأهلية بسوريا.