في زاوية من زوايا مدينة بوقاعة الهادئة 300 كلم شرق العاصمة، ينصب عماد رحالي طاولته لبيع أنواع من الألعاب النارية في الجزائر وعلى رأسها المنشار السعودي بعد حادثة مقتل جمال خاشقجي ، والتي يكثر عليها الطلب مع اقتراب المناسبات الدينية، خاصة الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف.
عماد يتحدث إلى الأطفال وأوليائهم تارة، وعيناه تتموجان يميناً وشمالاً تترصدان تحرك رجال الأمن والشرطة، فما يفعله الشاب ممنوع بحكم قانون التجارة في الجزائر، أكان من حيث طبيعة النشاط كونه دون سجل تجاري، أو ما يتم بيعه باعتبار أن المفرقعات والألعاب النارية ممنوعة من التسويق في الجزائر.
تجارة الألعاب النارية والمفرقعات بالجزائر مرتبطة بشكل واضح مع الأحداث المسجلة محلياً أو حتى عالمياً.
وإن كانت تسميات "الثومة، والجنية، والطيار"، مألوفة بين الجزائريين كل عام، فإن تسمية "المنشار" دخلت قاموس هذا النوع من التجارة خلال السنة الجارية، بل وأصبحت مفرقعة "المنشار" هي أغلى المعروضات على الإطلاق.
المنشار السعودي جديد السنة
ويؤكد عماد رحالي لعربي بوست "بأن التسميات التي تحملها أنواع المفرقعات في الجزائر محلية، فالشباب التجار هم من يسمون المفرقعات قبل أن تتوسع ويصبح استعمالها وطنياً".
فنجد، يضيف "اسم (الجنية) وهي مفرقعة خضراء برأسين، وهي معروفة منذ أكثر من 3 سنوات، كما نجد نوعاً آخر باسم (الثومة) نسبة الى شكلها الشبيه بهذا النوع من الخضار، وهناك أيضاً مفرقة (الطيار) كونها تنفجر في السماء".
ولاحظ عماد غياب مفرقعة "كيم" التي كانت الأبرز السنة الماضية، بعدما وصل الخلاف الأميركي الكوري الشمالي إلى أوجه، وكان ذلك النوع كما يؤكده عماد "الأكثر طلباً في السوق خلال العام 2017".
أما جديد السنة الجارية 2018 فيقول عماد "المنشار، هي المفرقعة الجديدة التي اعتلت قائمة الطلبات من قبل الأطفال والأولياء، رغم قيمتها المالية التي تتعدى الـ2000 دينار جزائري (11 دولاراً).
الاسم مستخلص من حادثة مقتل خاشقجي
ويبدو أن حادثة مقتل جمال خاشقجي في قنصلية بلاده، كانت وراء بروز هذا النوع من المفرقعات بالجزائر، لأنها جاءت مع تواصل المد والجزر حول المتورطين في قتله وإعطاء الأوامر بذلك.
ويؤكد عماد رحالي "أن تسمية المنشار مستمدة من حادثة مقتل جمال خاشقجي ، بدليل أن هناك نوعين من المفرقعات من نفس الصنف، الأول طويل والآخر لولبي وقصير، فأما الطويل فيطلق عليه التجار هنا المنشار السعودي".
جولة عربي بوست بأسواق بيع المفرقات في ولاية سطيف شرق الجزائر العاصمة، أكدت بأن المنشار من الأنواع الأكثر طلباً، وهو النوع المرتبط أساساً بحادثة مقتل جمال خاشقجي، ولا تخلوا أية عملية بيع لهذا النوع من المفرقعات من التطرق إلى الجريمة.
سألنا أحد التجار وهو ينصب طاولته أمام مقر البريد المقابل للسوق المغطى بقلب مدينة سطيف، إن كانت مفرقعة المنشار متوفرة فرد على السريع "نعم..هل تريده منشاراً سعودياً؟".
لنسأله "لماذا منشار سعودي بالضبط؟" ليرد هو الآخر "يا أخي ألم تسمع بمنشارهم وهو يقطع جثة أحد مواطنيهم في القنصلية بإسطنبول؟".
وعاد المتحدث "كم تريد واحدة أم أكثر، إن اشتريت مني واحدة فثمنها 2000 دينار جزائري (11 دولاراً)، أما إذا اشتريت أكثر من 3 مفرقعات فستدفع مقابل ذلك 1800 دينار جزائري للواحد (10 دولارات)".
وعن ميزات هذا النوع يقول عماد لعربي بوست "هي عبارة عن 08 مفرقعات متسلسلة في قالب واحد، ويختلف صوت الأولى عن الثانية، مع إشعاعات ألوان زاهية في الهواء، وينصح عدم اللعب بها للأطفال ما دون الـ6 سنوات".
وإن كان هذا النوع ممنوعاً يقول عماد "كل ما نقوم بعرضه للبيع من مفرقعات فهو ممنوع، وفي كل مرة تقوم مصالح الشرطة بمصادرة ما نبيعه".
أطنان تهزم القوانين
الوضع الاجتماعي لعماد حسب ما أقره لعربي بوست "جعله يغامر في هذا النشاط، ليحقق بعض المصاريف اليومية لأسرته، فوالده مصاب بمرض الربو، وأخوته الأربعة ما زالوا يواصلون مشوارهم الدراسي".
هذا الشاب صاحب الـ33 عاماً وكغيره من تجار المفرقعات في الجزائر، يعرفون العشرات من أنواع المفرقعات المعروضة للبيع، وأغلبها بتسميات محلية، لها أبعاد سياسية وفي العلاقات الدولية.
زيارة بسيطة إلى مختلف شوارع وأزقة العاصمة الجزائر، وعدد من المدن والولايات الكبرى وحتى البلديات الصغرى، تكفي لملاحظة الانتشار البالغ لتجارة المفرقعات، ويخيل لك في الوهلة الأولى بأن الدولة في الجزائر لا تمنع مثل هذه التجارة.
أطنان من المفرقعات، متعددة الأشكال، الأحجام والألوان، ومعروضة على طول الأرصفة، وأمام أبواب المدارس، وحتى بباحات المساجد ومحطات الحافلات.
ورغم أن الكمية المعروضة حسب تصريحات عدد منهم بما فيهم محدثنا عماد رحالي "قليلة مقارنة بالسنوات الماضية، وأسعارها أكثر ارتفاعاً إلا أن الاستهلاك المحلي متوفر، وإقبال المواطنين متواصل حتى الأيام التي تلي الاحتفال بالمولد النبوي الشريف".
ويقول محمد كالي مفتش لدى مصالح التجارة لعربي بوست "إن تجارة المفرقعات ممنوعة بنص القانون في الجزائر، وما يعرض في السوق المحلية، يدخل بطرق غير قانونية، ومصالح التجارة دائماً بالمرصاد، وتحجز بشكل يومي تقريباً حاويات قادمة من جنوب شرق آسيا".
مفتشو التجارة وبالتنسيق مع المصالح الأمنية يضيف كالي "في كل عام ينسقون عمليات المراقبة والمداهمة، لكن توسع رقعة نشاط التجار حال دون اجتثاث الظاهرة عن آخرها، لكن مقارنة بالسنوات الماضية، فظاهرة تجارة المفرقعات بدأت تتراجع".
الحرب على المنشار وغيره
يرى مفتش التجارة محمد كالي، أن ما يقوم بعرضه التجار ممنوع بحكم القانون المنظم للعملية التجارية في الوطن، واعتبر الحرب بين هؤلاء ومصالح التجارة والأمن مستمرة، إلى غاية اجتثاث الظاهرة التي أضرت بصحة الأبدان واقتصاد الوطن.
وعن التسميات المتداولة في السوق المحلية في الجزائر فيقول كالي لعربي بوست "هي ليست تسميات تجارية بقدر ما هي تسميات لشباب يربطون الأحداث والوقائع بها، فكل الأنواع التي تتم مصادرتها من قبل مصالح التجارة تحمل أسماء باللغة الصينية أو الهندية، فهي قادمة في الغالب من جنوب شرق آسيا".
وعن المنشار الذي كتب اسمه هذا العام بسوق المفرقعات بالجزائر يضيف كالي "سمعت بهذا النوع من الشباب والأطفال، لكنه غير موجود كاسم تجاري، شأنه شأن الجنية والثومة وباتمان وغيرها".
وهو ما أكده التاجر عماد رحالي بالقول "هي أسماء وضعها تجار وشباب وليس لها أي ارتباط بالاسم التجاري الذي غالباً ما يكون باللغات الأجنبية".
حجز زهاء 12 مليون وحدة
الحرب المعلنة على تجار المفرقعات في الجزائر، أفضت إلى تحرير آلاف المخالفات خلال السنة الجارية، وتزداد هذه المخالفات مع اقتراب موعد الاحتفال بالأعياد الدينية لا سيما عيدي الفطر والأضحى وكذا المولد النبوي الشريف.
وأكدت تقارير إعلامية جزائرية في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، ونقلاً عن قيادة الدرك الوطني، حجز ما يقارب 08 ملايين وحدة من المفرقعات".
وذكرت التقارير أيضاً "بأن مصالح الجمارك الجزائرية وخلال 9 أشهر الأولى لسنة 2018 توصلت إلى حجز أكثر من 4.62 مليون وحدة من المفرقعات على المستوى الوطني، مسجلة بذلك ارتفاعاً بقرابة 200 ألف وحدة، مقارنة بـ9 أشهر الأولى من السنة الماضية 2017.
وكانت مصالح الشرطة القضائية لولاية بسكرة في 11 نوفمبر /تشرين الثاني 2018، قد تمكنت من تفكيك عصابة تحترف التجارة بالمفرقعات، مع حجز كميات قاربت 50 ألف وحدة.
من أين جاء الحاضر إذاً؟
الأرقام الكبيرة المقدمة من قبل رجال الأمن، الدرك والجمارك الجزائرية، توحي في الوهلة الأولى بأن الجزائر، قد تمكنت من القضاء على ظاهرة تجارة المفرقعات بشتى أنواعها، لكن الزائر لولايات الوطن يكتشف العكس.
واستبعد رئيس المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك مصطفى زبدي أن تكون "الكمية المعروضة للبيع في الأسواق قد دخلت بطريقة قانونية، لأن القانون في الجزائر يمنع دخول هذه المواد كلياً".
لكن يقول زبدي لعربي بوست "هناك طرق تدخل من خلالها المفرقعات الجزائر، وعلى رأسها التهريب الذي يعتمد على شبكات من داخل وخارج الوطن، زيادة إلى الضغط الكبير الذي تشهده الموانئ والتي تجعل مراقبة كل ما يدخل أمراً صعباً جداً".
فهناك يضيف "عمليات الحجز التي تعكس صعوبة تطويق الظاهرة، من خلال إدخال المفرقعات بأسماء تجارية أخرى، إو إخفائها وسط البضاعة المستوردة، إضافة إلى طول الحدود البرية التي تعد هي الأخرى منفذاً للمفرقعات بطرق غير شرعية".
والحل في نظر زبدي "يكمن في توعية المستهلك، وتحسيسه بمخاطر هذه الألعاب وعلى الأطفال خاصة، فكلما قل الطلب تراجع التجار في المغامرة وإدخال المفرقعات إلى الوطن".
وكانت قناة البلاد الجزائرية قد نشرت صوراً لضحايا المفرقعات والألعاب النارية في الجزائر الموسم الماضي.