المشوار الذي بدأه الأخوان ماهر وإبراهيم عيادي قبل 15 عاماً شارف على الوصول لغايته، فبعد فوزهما ولسنوات متتالية في بطولة الجمهورية في ألمانيا، ها هما يستعدان للحصول على لقب بطل العالم في الملاكمة لعام 2019، إن توفر لهما ما يسعيان إليه.
الأخوان عيادي يحملان الجنسية الألمانية، وقد ولدا في برلين من عائلة فلسطينية لجأت إلى لبنان عام 1948، ومن ثم لجأت العائلة مجدداً إلى ألمانيا، عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فهما يعتبران أنهما من عائلة عاشت اللجوء مرتين.
الإشراقة السريعة ولفت الأنظار
عام 2003 بدأ ماهر عيادي (مواليد 1988) مشواره الرياضي في العاصمة الألمانية برلين، كان قد أتم عامه الخامس عشر حينها، ودفعه تأثره بمشاهدة مباريات البطل العالمي مايك تايسون للطلب من أخيه الأكبر اصطحابه لنادي الملاكمة، وهكذا بدأ مشوار الفتى اليافع، واستطاع خلال فترة وجيزة أن ينال اهتمام مدرب النادي.
في العام التالي، تأثر إبراهيم (مواليد 1995) بحب وشغف أخيه ماهر بالملاكمة، وبذله جهوداً مضاعفة في التدريب، سواء في النادي أو عند عودته للبيت، فقرر أن يسير على خطاه.
يقول إبراهيم في حديث لـ"عربي بوست":"قمنا بلفت نظر المدرب إلينا من الأشهر الأولى فقام بنقلنا من مجموعة المبتدئين Beginners إلى فئة الهواة Amateur، وخضنا في العام نفسه بطولة برلين وفزنا بالمراتب الأولى".
حصد الألقاب
استمر الأخوان بتحقيق الانتصارات، فقد فاز ماهر بلقب بطل برلين Berliner Meister لثمانية أعوام متتالية، فيما نال شقيقه إبراهيم اللقب لـ7 أعوام غير متتالية.
لم تتوقف الإنجازات عند هذا الحد، يقول ماهر لـ"عربي بوست": "أكثر ما أفتخر به اليوم وصولي للعب ضمن المستوى الأول على ألمانيا Erst Bundes Liga ضمن فريق Hertha BSC Berlin، وهو أعلى مستوى يمكن أن يصل له أي لاعب في ألمانيا على المستوى المحلي".
يتابع ماهر حديثه بالقول: "فزت بالمباريات التي خضتها، لكن الفوز بلقب بطولة ألمانيا يتطلب فوز كامل الفريق، وهو ما لم يتوفق فيه باقي الزملاء، فلم ننل اللقب. لكني فخور أني لم أهزم في أي مباراة خضتها منذ بدء مسيرتي الاحترافية حتى اليوم".
ويشرف اليوم على تدريب الأخوين مدرب المنتخب الألماني للملاكمة السيد إغون أومزن Egon Omsen.
وبالحديث عن الألقاب التي أحرزها الأخوان، فقد فاز كل منهما، بشكل منفصل ولمرتين، بلقب بطل شمال ألمانيا Norddeutscher Meister إضافة إلى بطولة برلين والمرتبة الثانية كفريق على مستوى ألمانيا.
الطريق للعالمية
لا يقف طموحهما عند هذا الحد، فعيونهما تتطلع إلى الفوز ببطولة العالم في الملاكمة التي يجريها الاتحاد الفيدرالي العالمي للملاكمة IBF، وحتى يتمكنا من الوصول إلى الفيدرالية، فعليهما الفوز على 10 لاعبين مسجلين فيها بصفة محترف Profi وانتزاع النقاط منهم وصولاً للحصول على لقب بطل العالم في الملاكمة.
بخطى ثابتة وسريعة يسير إبراهيم نحو العالمية، فخلال الأشهر القليلة الماضية خاض 7 مباريات ضمن ترتيب الوزن المتوسط Supermittlel للمحترفين.
يقول إبراهيم: "فخور لأني استطعت حتى الآن احتلال المرتبة 299 عالمياً من بين 1400 لاعب في العالم ضمن تصنيفي، وذلك بفوزي بسبع مباريات، وأحتاج الآن مباراة أو اثنتين كي أكسب المزيد من النقاط وأصبح ضمن أفضل 100 لاعب في العالم وأضمن تأهلي لتحدي بطل العالم".
هذا الإصرار الذي يتمتع به الأخوان تقف خلفه والدتهم. يتابع ماهر حديثه لـ "عربي بوست": "منذ كنا صغاراً ووالدتي تكرر القول بأن الفلسطيني لم يولد كي يُهزم، وحين أدخل الحلبة أتذكر كلامها هذا، وأتخيل مدى فرحتها عند فوزنا، بهذا الإيمان لن يهزمنا أحد إن شاء الله".
العقبات والتحديات
لكن الطريق أمامهما لا تبدو وردية، فالإصرار وحده لا يكفي لتحقيق الأحلام، ما لم تتوفر إلى جانبه الاحتياجات المادية اللازمة. فخلال جولة الأخوين لدخول العالمية، عليهما السفر وإجراء مباريات دولية مع حملة الألقاب وحيازة النقاط منهم، لكن إمكانيتهم المادية تحول دون ذلك.
يشرح ماهر ذلك قائلاً: "سافرنا إلى الدنمارك والسويد والنمسا كونها دولاً مجاورة لألمانيا وتكلفة السفر تعتبر مقبولة، وأمكننا تحملها بأنفسنا، لكننا اليوم بحاجة للسفر إلى دول شرق آسيا والبلقان وروسيا وجنوب أميركا، ولا نملك لذلك سبيلاً أو إمكانية".
يضيف ماهر: "المدرب يحصل على 30% من أرباح المباريات التي نخوضها، ونحن نتحمل كل تكاليف السفر والمباريات، ونحن متفرغون للعب والتدريب فقط ولا نملك أي دخل آخر".
غياب التشجيع والدعم العربي
بشيء من الحرقة في القلب يقول ماهر: "اللاعبون الألمان الشقر لديهم من يرعاهم ويتكفل بكل متطلباتهم المادية ويقوم بتنسيق كل شيء، أما نحن فمنذ بداية الطريق ونحن نخوضها منفردين. واليوم الأمر مختلف، نحن نطرق باب العالمية، حاملين العلم الفلسطيني".
أما إبراهيم فقال: "لا أستغرب عدم تقبل الجمهور الألماني لنا، فنحن نحمل ملامح عربية واضحة ونرتدي العلم الفلسطيني دائماً، لكن لماذا لا نحظى بدعم واهتمام فلسطيني أو عربي."
ولا يخفي إبراهيم تلقيهما بعض العروض: "هناك نادٍ ألماني عرض علينا رعايتنا مقابل تغيير أسمائنا وعدم رفع العلم الفلسطيني، إضافة إلى عروض من شخصيات تركية كردية، لكننا لن نهدي فوزنا لغير فلسطين ومن لا يعجبه فليشرب من بحر غزة".
أما عن شكل الدعم الذي يحتاجونه، فيتحدث ماهر: "نحن متفرغون تماماً للعبة، لكننا لا نتقاضى أجراً كافياً مقابل ذلك، وحيازة لقب Profi تتطلب منا السفر لدول أخرى والإقامة فيها وإجراء مباريات. كل هذا يجب أن يتم على نفقتنا الشخصية، إضافة إلى شراء بعض الأدوات سواء للتدريب أو للمباريات. كل ذلك يشكل عبئاً مادياً علينا".
لا يتمنى أن يهزمهم أو أن يؤذيهم
وبعيداً عن العقبات والتحديات التي تواجههم، كانت لافتةً إجابة ماهر عند سؤاله عن اللاعب الذي يتمنى منازلته، وإن كان قد تمنى لو أتيحت له فرصة اللعب مع مايك تايسون، فأجاب: "هذه لعبة قاسية جداً، تعتمد على العنف والقضاء على الخصم، ولا أتمنى هزيمة أو إيذاء من أحبهم، وأحرص كثيراً على إنهاء المباراة دون إيقاع أذى جدي بالخصم".
وحول هذه النقطة يشرح شقيقه إبراهيم: "نحن نتبع سياسة إرهاق الخصم، فنجعله يسدد لنا ضربات غير موفقة كثيرة، ما يجعله يتعب جسدياً، حينها تصبح أي ضربة متوسطة القوة قادرة على حسم المباراة دون اللجوء إلى الضربات القاضية المؤذية".
يختم إبراهيم حديثه بنصيحة إلى كل اليافعين الذي يحبون هذه الرياضة بالقول:
"يجب ألا يكون تركيزك على إحراز الضربة القاضية، قيامك بذلك سيحرمك الحصول عليها. يجب عليك إنهاك الخصم، ومحاولة جعله يبذل جهداً يرهقه، حتى تسنح لك الفرصة بتوجيه الضربات الكفيلة بإحراز الفوز. إنه قتال فني، والفوز الحقيقي يكون بعدم إيذاء الخصم".