"وأكثر ما يسلب قلبي حد الاندهاش أو الانبهار -أو سمّه ما شئت- هو رائحة خصلاتِ شعرِ زوجتي.. فقط عندما يحالفني الحظ فتخالط نسماتها أنفي وياله من حظ عاثرٍ ذاك الذي لا يتيحُ لي أن أشتمَّ تلك الرائحة سوى سويعات قليلة خلال الأسبوع بل خلال شهر كامل".
كلمات رغم بساطتها إلا أنها قد تثير ضجةً كونية في عالم الأزواج.. ضجة تستأثر بقلب زوجٍ محروم..
محروم حتى من أن يحالفه حظه ليلتقي بخصيلاتِ شعر زوجته إلا بموعد سابق.
كنت أتعجبُ في صغري عندما أجد زوجاً يترك زوجتَه فينجذب لهذه أو لتلك رغم جمالِ زوجته الفتّان.. إلا أنَّ "جزءاً" من الحقيقة قد تكشف لي عندما كبرت.. وياليتني ما كبرتُ..
قمت بزيارتها يوماً.. "هي".. أياً كانت "هي"..
"هي" التي تُحسب على تاء التأنيث.. فصُدمت عيناي مما رأتا.. ملابس رثة.. أجزاء متناثرة من الجسد هنا وهناك.. شعيرات مسافرة إلى اللامنتهى وكأنها قد صُعقت بـ(فولت عالٍ) فتوقفت في مكانها كما كنا نرى قديمًا في حلقات (توم آند جيري).. رائحة عطر نفاذ لا تخطئُه أنفي قد تجلت من أثر التقلية أو البصل.. بادرت بالتحية فمددت يدي.. فاقشعر جسدي بعدما لامس كفي ظهرَ كفها.. حيث لا فرقَ بينه وبين كف فلاح يعمل في أرضه منذ سويعات الفجر الأولى حتى غروب الشمس.. خشونة لم أكن أتوقعُها في عالم الإناث.. ومهما حكى لي أحدُهم عنها فلن أصدقَه.. لكنني أصبحتُ اليوم أصدِّقُ.. نعم آمنت بأنَّ هناك أنثى لا تهتم بأنوثتها حدَّ الانهيار.. حد خروجِها منها وولوجها في عالم لا لون له ولا طعم.. أنثى.. فقط في بطاقة التعريف.. وإن شئتَ قلْ في بطاقة التموين حيث رائحةُ الطعام تفوح لتغطي على ما تبقى من أنوثتها إنْ كان هناك بقيةٌ..
عالم لا هي فيه أنثى بحق، ولا هي قد لحقتْ بعالم الذكور..
تحملُ لقب أنثى ولا تحمل منها سوى فستانِ زفاف وصور في أدراج غرفتها تدلك على احتمالية وجود الأنثى في مكانٍ ما لكنك لا تعلم حتى الآن أين هي..
لا أدري حقيقة كيف تكون زوجةً أو أنثى ولا تهتمُّ بجمالها.. جمال بشرتها.. جسدها.. شعرها.. رائحتها..
أسمعُ بعض الحكايا عن بعض الزوجات اللاتي لا يهتممنَ بهندامِهنَّ.. ولا حتى بنظافتِهنَّ الشخصية.. لا أصغي لبعضها بل أعتبرُ البعضَ منها ضرباً من ضروب الخيال..
لكنني أفقتُ على الحقيقة المرة حيث تأتيني الزوجةُ شاكيةً من زوجها الذي نفر منها دون سبب واضح ظنّاً منها أنَّ قلب أخرى قد بدأ يداعبه.. وبعد التقصي والحديث المطول مع الزوج تصيبني الصدمةُ.. حيث ينقلب السحرُ على الساحر وتصبح الشكوى الأساسية من الزوج الذي يصرخ راجياً إيايَ أنْ أجد له حلّاً ينقذه مما هو فيه.. حيث إنه لايزال يحب زوجته.. لكنَّ رائحةَ أسنانها وبقايا الثوم العالقة بأظافرها وإعصار الأبصال في شعيرات رأسها، كلُّ ذلك يكاد يفتكُ به..
وقد أظنني في ذلك الحين قد اكتفيت من صدماتي لكنه لايزال يكيل لي صدمةً تلو الأخرى حتى تكاد الرائحةُ تقتلني دون أن أتنشقها يقيناً، فيصعقني كهربائياً عندما يصارحنى بعدد مرات استحمامِها فى الشهر.. وكأنها ستحوز على جائزة نوبل في الاحتفاظ بأكبر كم من الروائح النفاذة..
– كنت أتمنى أنْ أجلسَ بجوارها ليلاً أتلمس النسيمَ الآتي من خصيلات شعرها..
"هكذا كانت كلماته".
قد تضيقين ذرعاً من كلماتي كما ضقتِ ذرعاً من قبل بتصرفات زوجك التي توحي بعدم الاهتمام أو اللامبالاة وكأنك هواءٌ لا يُرى..
حقّاً لم يكن يَرى ملابسَك الجديدة التي كنتِ تبتاعينها خصيصاً له.. ولم ينتبه يوماً إلى شعرك الذى قصصتِه.. رفعتِه.. أو حتى أزلتِه عن بكرة أبيه.. لم يلتفتْ يوماً إلى جوربك الأرجواني الذي أذهل صديقاتِك ولا إلى خلخال قدميك الذي أقام الحيَّ ولم يُقعِدْه.. لم ينبسْ يوماً ببنت شفة عن ذاك اللونِ الوردي الذي زينتِ به شفتيك.. لم تجذبه حتى تلك الحناء التي بذلتِ مجهوداً مُضنياً حتى جعلتِ تلك المرأة السمراء تخطُّها لك حول رقبتك.. بل إنه لم يُلق بالاً يوماً إلى قرط أذنيك الذي بدلت لونَ حجره الكريم.. وعندما سألتِه عما إذا استرعاه خاتمُ إصبع قدمك نظرَ لك نظرة تمحيصٍ وتعجب وكأنك مخلوقٌ من كوكب عطارد.
أعلم يقيناً كل ذلك.. أشعر بمعاناتك التي ظللتِ تتجرعينها يوماً بعد يوم حتى فاض بك الكيلُ..
لكنكِ أيتها الجميلة لا تتزينين له فقط.. بل تتجملين لنفسك أولاً..
ولا أريد أن أصيبَك بكبد الحقيقة الذي لا فِكاك منه فأخبرك بأنَّ تلك الأشياء لا تسترعي انتباهَه بالقدر الذي تتخيلينه.. ليس لأنه لم يعد يحبك أو أنه لم يعد يهتم بك.. بل لأنَّ عالمَه الخارجيَّ في البحث عن الرزق قد شغله عن تلك الأشياء فأصبح لا يهتم سوى "بكِ"..
نعم أنتِ فقط دون رتوشٍ أو جمالٍ مصطنَع..
أنتِ بقلبك الوضاء الذي فاق نورَ البدر جمالاً.. لأنه لا يراك في لون حمرة مُصطنَعة ولا حذاءٍ في هيئة ذيل قط.. ولا حتى بلون شعرك الأزرق.. تلك هي الحقيقة أيتها المتألقةُ..
هو يريدك أنتِ.. أنتِ فقط.. دون تجمل أو ادّعاء أو زيف.. أنت المُبهِرة في عينيه بردائك المنسدل على ثنايا جسدك في غير بهرجة أو تصنع.. ذاك الرداء الذي يحمل جسدك وكأنه طفل صغيرٌ يريد أن يُدلل..
يريدك أنتِ برائحة ماءِ الورد والمسك أو العنبر..
أنتِ ونعناع فمك لم يغادرك قبل النوم وبعد الاستيقاظ..
أنتِ والماء غسولك وطهورك كل ليلة بعد عناء يوم طويل..
أنتِ وبشرتك الملساءُ كقطعة حرير خالصة لم تمتدَّ إليها يد التطريز بعد..
أنتِ الشاعرةُ الحالمةُ والعازفة على أوتار قلبه..
أنتِ الحبيبةُ والقريبة المدلِّلة لفؤاده والمدَلَّلة..
فكيف لحبيب لا يعتني بقلبِ حبيبِه.. وكيف بحبيبٍ لا يرى ولا يتنسمُ كلَّ يوم عطرَ حبيبه لينسَى بين ذراعيه الدنيا وما حوَتْ.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.