تلقت أسرة الصحافي جمال خاشقجي الجمعة 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، التعازي في فقيدها الذي قتل في القنصلية السعودية بإسطنبول بعد أن قالت السلطات السعودية إنها حدَّدت الجناة، ورفضت إتهام ولي العهد محمد بن سلمان بالتورط في القضية.
واستقبل اثنان من إخوة خاشقجي وأحد أبنائه بضع مئات من المعزّين في مدينة جدة الساحلية، بعد يوم من إعلان مكتب النائب العام السعودي أنه سيسعى لإنزال عقوبة الإعدام بخمسة من المتهمين بالقتل الذي وقع في القنصلية السعودية في إسطنبول، في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول. ولم يذكر مكتب النائب العام أسماء من يطالب بإعدامهم.
وفي وقت سابق يوم الجمعة 16 نوفمبر/تشرين الثاني، شارك عشرات الآلاف من المصلين في الحرم المكي والمسجد النبوي في المدينة المنورة، مسقط رأس خاشقجي، في أداء صلاة الغائب على الفقيد، رغم أن الإمامين لم يذكراه بالاسم.
وتحت الأمطار في إسطنبول استمع معزّون لآيات من القرآن الكريم، فيما نعى أصدقاء خاشقجي فقيدَهم الذي كان يبلغ من العمر 59 عاماً، وتحول لانتقاد السياسيات السعودية، بعد أن كان مقرباً من الأسرة الحاكمة. وأدان ساسة ممن كانوا يعرفون خاشقجي التحقيقَ الذي تجريه الرياض، ووصفوه بأنه متحيز.
وتقول السلطات السعودية، إن العملية التي أدَّت لمقتل خاشقجي كانت تهدف لإعادته حياً للمملكة. وقوبلت الروايات السعودية المختلفة عن عملية القتل، بما في ذلك الإنكار في البداية، بتشكك في الخارج.
ويعتقد أن اثنين ممن وضعوا الخطة التي أدت لمقتل خاشقجي من المقربين لولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وتقول تركيا وبعض الحلفاء الغربيين ومن بينهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إن المسؤولية النهائية تقع على عاتق ولي العهد بصفته الحاكم الفعلي للمملكة، وتصرُّ الرياض على أن الأمير محمد لا علاقة له بالقتل.
وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات اقتصادية على 17 سعودياً، من بينهم سعود القحطاني المستشار السابق لولي العهد، في إجراء غير معتاد من واشنطن بحق شريك أمني واقتصادي مهم مثل الرياض.
ويشير قرار إقامة صلاة الغائب على خاشقجي إلى أن أسرته لا تتوقع استعادة رفاته. ورغم الكثير من المناشدات لم تكشف السلطات السعودية عن مكان الجثة، ولم تقل إلا أنها قطعت ونقلت من القنصلية.
وقال صلاح نجل خاشقجي لمحطة (سي.إن.إن) الأسبوع الماضي، إنه يريد دفن والده في المدينة مثل باقي أفراد العائلة. وقال صلاح وقتها "إننا فقط بحاجة للتأكد أنه يرقد في سلام".
والتقى صلاح بالملك وولي العهد في الرياض، الشهر الماضي، لتلقّي العزاء، ثم غادر بعد ذلك إلى واشنطن بعد رفع حظر سفره، لكنه عاد بعد ذلك.
حضر العزاء شخصيات بارزة من منطقة الحجاز، من بينهم صحافيون سعوديون مخضرمون ومسؤولون سابقون كبار عملوا مع خاشقجي.
كما حضر العديد من رجال الأعمال مثل صالح كامل وأبنائه، الذين احتجزوا أثناء حملة تطهير شنَّها العام الماضي الأمير محمد.
كما قدَّم دبلوماسيون أميركيون وبريطانيون تعازيهم، وحضر رجل دين بارز بدرجة وزارية، لكن لم يظهر أثر لأي فرد من الأسرة الحاكمة.
وقدَّم المعزّون لأفراد أسرة الفقيد المواساة بكلمات قليلة وبمصافحات أو عناق، فيما تلا أحد أقارب خاشقجي آيات قرآنية من بينها "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلُوا فِي سَبيلِ اللَّهِ أَمْوَاتَاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ".
وتبادَلَ بعضُ المعزّين الحديثَ عن الواقعة التي خيَّمت على المشهد السعودي في الأسابيع الستة الماضية.
وقال أحدهم: "لقد تحوَّلت من جريمة إلى مسألة سياسية"، فيما ظلَّ الآخر يردد: "غير معقول".
ونشرت خديجة جنكيز، خطيبة خاشقجي، الخميس 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، صورة لخاشقجي التقطها لنفسه في المسجد النبوي، وكتبت تعليقاً عليها يقول "العزيز جمال.. أرقد في سلام. نلتقي في الجنة إن شاء الله". وخديجة هي باحثة تركية وانتظرت خاشقجي خارج القنصلية في إسطنبول لساعات يوم مقتله، وهي التي أبلغت السلطات ووسائل الإعلام بأنه لم يخرج أبداً من مقر القنصلية.
والتقى خاشقجي خلال مؤتمر في إسطنبول بخديجة، في مايو/أيار، وقرَّرا الزواج بعد فترة وجيزة، ودخل إلى القنصلية يوم مقتله ليحصل على وثائق تُثبت طلاقه ليتسنَّى له الزواج منها.
واشترى الاثنان شقة في إسطنبول، وكان خاشقجي يعتزم العيش بين إسطنبول وواشنطن، التي انتقل إليها قبل 18 شهراً؛ خوفاً من الانتقام منه بسبب آرائه السياسية. وكان خاشقجي حاصلاً على إقامة في الولايات المتحدة، وكان كاتباً لمقالات الرأي في صحيفة واشنطن بوست، مما جعله اسماً مألوفاً لدى الكثير من الساسة الأميركيين.
وكتب خاشقجي، في سبتمبر/أيلول 2017، في إشارة لمفكرين ونشطاء ورجال دين اعتقلوا في عهد الأمير محمد "تركت منزلي وأسرتي ووظيفتي ليظل صوتي مسموعاً. أي اختيار غير ذلك سيكون خيانة لمن يرزحون في السجن".
وأثار قتل خاشقجي أكبرَ أزمة سياسية للسعودية، والمملكة هي أكبر مصدر للنفط في العالم، وداعمة لخطط واشنطن لتحجيم النفوذ الإيراني في أنحاء الشرق الأوسط.
كما تسبَّبت القضية في تشويه صورة الأمير محمد بن سلمان، الذي طَرح إصلاحات اجتماعية واقتصادية، في وقت شنَّ فيه حملةً على المعارضين، وأخلَّ بتوازنات حساسة داخل الأسرة الحاكمة، وأقحم البلاد في صراعات اتَّسمت بالفوضى، مثل الحرب في اليمن، والخلاف مع قطر.