أثار تسلل فرقة خاصة إسرائيلية إلى غزة وقتل مسؤول بارز في حركة حماس، أسوأ أعمال عنف بين إسرائيل وحماس منذ عدة سنوات، قبل الاتفاق على هدنة غير مستقرة. وكشف أيضاً عن فشل نادر في تنفيذ عملية سرية إسرائيلية ، التي أصبحت الأكثر علانية منذ تورط جهاز الموساد في قتل مؤسس أحد الأفرع الفتَّاكة التابعة لحماس في أحد فنادق دبي عام 2011، يقول تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية.
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أنه كان بداخل السيارة جنودٌ إسرائيليون، من ضمنهم أعضاء من فرقة "ماغلان" القتالية الخاصة التابعة للجيش الإسرائيلي، والمشهورة بالتسلل خلف خطوط العدو لجمع معلومات استخباراتية أو تدمير أهداف. ووفقاً لأحد السكان المحليين كان بعضهم يرتدي ملابس نسائية.
ما حدث بعد ذلك هو أمر غير واضح، لكن في غضون ساعات لقي سبعة فلسطينيين مصرعهم، بمن فيهم قيادي بحركة حماس وضابط إسرائيلي يحمل رتبة مُقدِّم.
أُخرِج الجنود من المنطقة تحت غطاء طائرات ومروحيات إسرائيلية، وأخذوا معهم الجندي القتيل وجندياً آخر مصاباً.
ترك الجنود الإسرائيليون السيَّارة المُحطَّمة، ونشر منفذ إعلامي محلي صوراً تُظهر وجود معدات إلكترونية مزوَّدة بمقابس ميكروفون، على الرغم من محاولات القوة الخاصة الإسرائيلية لتدميرها.
مهمة "فاشلة" تفضح فرقة خاصة إسرائيلية سرية
ومما يثير مزيداً من الدهشة أنَّ تلك عملية سرية إسرائيلية الفاشلة التي قامت بها فرقة خاصة إسرائيلية قد جذبت الانتباه إلى وحدة ماغلان، التي تُعد مُكوّناً سرياً وشديد الخطورة في الجيش الإسرائيلي. ماغلان هي الكلمة العبرية المُقابلة لكلمة "أبومنجل" في اللغة العربية، وهو طائر لا ينتمي موطنه الأصلي إلى إسرائيل لكنَّه قد تأقلم ليزدهر وجوده هناك.
بعض أولئك، إن لم يكن جميعهم، الذين توقَّفوا عند نقطة التفتيش التابعة لحركة حماس ينتمون إلى تلك الوحدة القتالية فرقة خاصة إسرائيلية .
وقال يسرائيل زيف، القائد العسكري الإسرائيلي السابق في غزة، إنَّ "إسرائيل تُنفِّذ عمليات سرية بشكل منتظم للحفاظ على اطّلاعنا الاستخباراتي". وأضاف: "هذا شيء عادةً لا يُعلن للجمهور".
تشكَّلت وحدة ماغلان في الثمانينيات عندما كانت إسرائيل تقاتل في لبنان وتحتاج إلى تثبيت أجهزة تَنصّت في أراضي حزب الله. وقال مسؤول عسكري متقاعد إنَّها صُمِّمَت على هذا النحو للعمل في بيئات صعبة.
وبسبب عمليات التنصّت والمراقبة الإسرائيلية من خلال طائرات من دون طيار، نادراً ما يستخدم مقاتلو غزة هواتفهم ويتنقَّلون غالباً عبر شبكة من الأنفاق تحت الأرض. قوَّضت مثل هذه التكتيكات فاعلية المراقبة الإلكترونية الإسرائيلية، مما يجعل تنفيذ مهمات مثل مهمة يوم الأحد أمراً ضرورياً.
وأغلب أعضائها من الأقلية العربية الدرزية في إسرائيل
تضيف هذه العمليات إلى الغموض الذي يحيط بالفعل بعمليات جمع المعلومات الاستخبارية، وعمليات الاغتيال في الخارج التي تُنفذَّها فرقة خاصة إسرائيلية .
وقد احتُفي بعمليات وحدات "المُستعربين" -التي تعني تقريباً أولئك الذين يعيشون بين العرب- في مسلسل يُعرض على شبكة نتفليكس بعنوان "فوضى".
وتفيد تقارير إنَّهم في الحياة الواقعية يستخدمون المكياج السينمائي وأساليب التنكر ويتحدثون اللغة العربية بتعبيراتها الاصطلاحية، ويتظاهرون في بعض الأحيان بأنَّهم نساء لصرف الانتباه عندما يعملون في الأراضي الفلسطينية.
وذكرت صحيفة "The New York Post" الأميركية، في شهر يوليو/تموز، أنَّه حدث أقيم لجمع تبرعات بمطعم يُقدِّم طعاماً موافقاً للشريعة اليهودية، في مانهاتن، قد جمع 250 ألف دولار لمهمات إسرائيلية سرية.
ووفقاً لتقارير وسائل إعلام محلية، ينتمي الجندي الذي قُتِلَ في عملية يوم الأحد إلى الأقلية العربية الدرزية في إسرائيل.
ويتمتَّع الدروز، الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي، بتقدير كبير في الوحدات السرية لأنَّهم يستطيعون المرور والتحرّك بصورة أسهل كفلسطينيين. ووفقاً لأمر رقابة عسكري، أُشير إلى هوية الجندي القتيل فقط بحرف "م"، وشُيِّعت جنازته سراً بحضور الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين.
وأضاف المسؤول المتقاعد أنَّ المهمات داخل قطاع غزة محفوفة بالمخاطر، لدرجة أنَّها تتطلب موافقة سياسية عالية المستوى، عادةً ما تكون من رئيس الوزراء. وقال: "إنَّهم يعملون فقط عندما تكون هناك درجة يقين عالية من النجاح".
لكن ما الذي جعل رد حماس "غاضباً وعاصفاً" للغاية؟
ورداً على توغل يوم الأحد، أطلقت حركة حماس أكثر من 450 قذيفة باتجاه إسرائيل، مما أسفر عن مقتل عامل فلسطيني زائر في مدينة عسقلان.
وردَّت إسرائيل بتدمير 150 هدفاً داخل غزة. ودفعت هدنة يوم الثلاثاء 13 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى استقالة وزير الدفاع الإسرائيلي المُتشدّد، أفيغدور ليبرمان، الذي وصف وقف إطلاق النار بأنَّه "استسلام للإرهاب".
وقال مسؤول رفيع المستوى بحركة حماس إنَّ الإستجابة الأوَّلية لحماس على توغل فرقة خاصة إسرائيلية يوم الأحد كانت غاضبة وعاصفة للغاية، حتى إلى حدّ المخاطرة بنشوب حرب، لأنّها كانت مقتنعة بأنَّ القوة الخاصة الإسرائيلية كانت فرقة اغتيال.
ويُشتبه أنَّ إسرائيل اغتالت العديد من قادة كلٍّ من حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية، خلال الثلاثين عاماً الماضية، لكنَّها امتنعت عن قتل كبار قادة حماس في الآونة الأخيرة، ولهذا سيُنظر إلى قرار تنفيذ مهمة اغتيال من جانب حماس باعتباره تصعيداً كبيراً.
وهناك أسئلة معلقة بخصوص طبيعة العملية السرية، ومَن المستهدف بها!
وعلى الرغم من الإعلان عن هوية القائد العسكري الفلسطيني، الذي قُتِلَ في العملية الإسرائيلية، بأنَّه نور بركة، القائد الميداني لحماس في خان يونس، فإنَّه من غير الواضح ما إذا كان هو المُستهدف من المهمة الإسرائيلية، أم أنَّه سقط قتيلاً ببساطة في تبادل إطلاق النار الذي حدث.
وأفادت تقارير أنَّ بركة يعيش بالقرب من المكان الذي أُوقفت فيه السيارة، كذلك يَبعُد منزل القيادي البارز في حركة حماس، يحيى السنوار بضع دقائق بالسيارة عن مكان الواقعة.
اتّخذت إسرائيل خطوة استثنائية بعد انسحاب القوة العسكرية الإسرائيلية، تتمثَّل في توضيح أنَّ المهمة لم تكن تستهدف قتل، أو القبض على أي قيادة في حركة حماس.
ومن جانبه، قال يوسي كوبرفاسر، الرئيس السابق لقسم بحوث وتقييم المعلومات الاستخباراتية في الجيش الإسرائيلي، إنَّ "هذه العملية التي نفذَّتها إسرائيل ولم يكن مقصوداً منها أن تسفر عن قتلى، أخطأت أهدافها، ويحاول الفلسطينيون إرسال رسالة مفادها أنَّهم لن يتسامحوا مع مثل هذا النوع من العمليات في المستقبل".
وقال زيف، القائد العسكري الإسرائيلي السابق، إنَّ إسرائيل لم تكن سترسل فرقة خاصة إسرائيلية صغيرة مثل تلك المُرسلة يوم الأحد، إذا كانت مهمتها هي اغتيال أحد قادة حماس.
وأضاف: "كانت العملية تتعلق بأهداف استخباراتية -لم يكن مقصوداً منها خطف أو قتل شخصٍ ما- لن نستخدم هذه التقنية في هذا الشأن، لدينا طرق أخرى".