لم يصل مهاتير محمد، الذي أقسم اليمين لتولي منصب رئيس وزراء ماليزيا يوم الخميس 10 مايو/أيار 2018، إلى سدة الحكم بفعل الغوغائية القومية التي أَسَرَتْ جموع الناخبين في العديد من الدول على شاكلة المجر والهند والفلبين؛ بل وصل عبر خطة لإنقاذ بلاده من العطب السياسي الذي أصابها.
لكن اللافت في عودته المبهرة أمران، بحسب تقرير لصحيفة New York times؛ أولهما أن صعود بطل ديمقراطي يبدو أمراً غير متوقَّع في منطقة جنوب شرقي آسيا التي تحكمها نُظم ديكتاتورية، والثاني أن مهاتير بنى خطته الانتخابية على أساس محاربة النعرات العرقية والمحاباة، التي ازدهرت عندما كان يحكم ماليزيا نحو عقدين من الزمان.
كيف خلق مهاتير تسونامي متعدد الأعراق؟
إذ يقول ليم تيك غي، محلل السياسات العامة ومؤلف كتاب "تحدي الوضع القائم في ماليزيا"، للصحيفة الأميركية، إن "الانتخابات أسفرت عن تسونامي متعدد الأعراق، لا يقتصر على عِرق المالاي أو الصينيين، للاحتجاج على الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية وإساءة استخدام السلطة السياسية". هذه الانتخابات تجنَّبَت الأحقاد والضغائن الدينية والعرقية، التي كان من شأنها أن تخلف عواقب خطيرة ومثيرة للخلاف".
ويعطي فوز مهاتير بالانتخابات شرارة أمل في منطقة جنوب شرقي آسيا، التي انحسرت فيها الديمقراطية في مواجهة المستبدين الشعبويين. ونقلت الصحيفة عن وان سيف الوان جان، المحلل السياسي المخضرم الذي خاض الانتخابات البرلمانية هذه المرة وأخفق فيها: "تعد هذه الانتخابات أهم مناسبة، بعد الاستقلال، في تاريخنا السياسي، إنها تمهد الطريق للتنافس السياسي".
كثرة الطغاة في جنوب شرقي آسيا أضفت الأهمية على فوز مهاتير
فرغم أن الثورات التي نادت بسلطة الشعب في أواخر القرن الماضي أسفرت عن الإطاحة بديكتاتوريين مثل فرديناند ماركوس في الفلبين وسوهارتو بإندونيسيا، فإن حكم الرجل القوي عاد إلى جنوب شرقي آسيا مرةً أخرى.
بدأ الرئيس رودريغو دوتيرتي حرباً على المخدرات في الفلبين، أسفرت عن مقتل الآلاف، بينما دمر رئيس الوزراء هون سين، بشكل متعمد ونظامي، أي شيء يحمل لمحة من المعارضة السياسية في كمبوديا. وتحولت تايلاند إلى الحكم العسكري، مع تأجيل الانتخابات بشكل متكرر. ويواصل الجنرالات في ميانمار إدارة دفة الأمور، بعد إطلاقهم حملة تطهير عرقي في البلاد. أما بوروني، فلا تزال سلطنة منعزلة عن العالم.
مهاتير الآن ليس مهاتير الأمس
في وقتٍ ما، ربما كان اسم مهاتير يندرج أيضاً في القائمة السوداء لحكام آسيا العسكريين الأقوياء. في سنوات توليه رئاسة الوزراء من عام 1981 وحتى عام 2003، كُمّمت أفواه الإعلام -بحسب الصحيفة- وسُجِن المعارضون بتهمٍ اعتُبِرَت ملفَّقة وغُضّ الطرف عن انتفاع أعضاء بائتلاف الجبهة الوطنية من مناصبهم السياسية. وبسبب طغيان النعرة المالاوية عليه تسبَّب في اغتراب الأقلية الصينية والهندية ذات الحجم الكبير في ماليزيا.
وفي انتخابات الأسبوع الماضي، أدلى مهاتير بأول تصويت ماليزي يتجاوز الأعراق، ليجذب الماليزيين من جميع الخلفيات إلى صفوف المعارضة.
وقال فهمي فضل، الذي فاز بمقعد برلماني عن حزب العدالة الشعبي المعارض على الرغم من تلاعب الحكومة في دائرته للحصول على أغلبية الأصوات: "تحدثنا كثيراً عن الأطياف المتعددة في ماليزيا، عن جميع العرقيات الموجودة في أوساط الشعب". وأضاف: "هذه الانتخابات تهدف إلى توحيدنا، وعدم تقسيمنا إلى عرقيات".
سابقاً أراد رفع الحيف عن أبناء المالاي، فوقع ما وقع
خلال فترة عمله الأولى كرئيس وزراء لماليزيا، اتبع مهاتير -بحسب ما تقوله "نيويورك تايمز"- بحسمٍ، خطة عمل لصالح عرق المالاي صُمِّمَت لمحو سنوات التمييز الطويلة ضدهم في ظل الحكم الاستعماري البريطاني. وبموجب هذه السياسة، منحت معاملة تفضيلية لـ"أبناء الأرض"، كما يعرف أبناء عرق المالاي والسكان الأصليون، في التعليم والتوظيف. وخصصت معظم الوظائف الحكومية لأبناء هذا العِرق.
ولكن مع تطور ماليزيا لتصبح بلداً ذا دخل متوسط، بدأ أبناء العرقَين الصيني والهندي يتساءلون عن سبب تخصيص هذا القدر الكبير من الاقتصاد لأبناء عرق المالاي. بينما انتاب القلق آخرين من أن هذه السياسة ربما تسبب حالة من اللامبالاة في أوساط المالاي بما يتسبب في عجزهم عن المنافسة في سوقٍ حر. وتسببت هجرة العقول للنابغين من أبناء عرقَي الصينيين والهنود في خسارة ماليزيا بعض أفضل المواهب لديها.
لكن الناخبين يثقون بأن مهاتير سيصلح أخطاءه السابقة
وقال توني بوا، عضو البرلمان المعارض الذي أُعيد انتخابه يوم الأربعاء 9 مايو/أيار 2018، بعددٍ قياسي من الأصوات: "أثق بمهاتير اليوم؛ لأنه في هذا الوقت وهذه المرحلة العمرية، سيكون مهتماً بأن يخلف الإرث الصحيح للماليزيين، وأن تدوِّن كتب التاريخ أنه أصلحَ ما تجاوز فيه من قبلُ". وأضاف: "لو كان يتطلَّع إلى الثروة والسلطة لكان قد سلك طرقاً أيسر بكثير".
ومع ذلك، يظل مهاتير رمزاً غير محتمل للديمقراطية، لا سيما الديمقراطية التي تحتفي بالتنوع.
إن ما يربط "تحالف الأمل"، الذي يقوده مهاتير محمد، هو مقت أعضائه لنجيب عبد الرزاق أكثر من أي شيء آخر؛ خصوصاً أن سمعة الرجل ملطَّخة باتهامات تعكس جشعاً كبيراً وكسباً غير مشروع في أثناء سنوات خدمته التسع كرئيس وزراء.
غير أن العقود الطويلة التي اتسم حكمه فيها بعدم التسامح أبقت البعض على حذر.
فالبعض لا يزال متوجساً
وقال لايني يواه، الذي يعمل مديراً للتسويق في العاصمة كوالالمبور: "بينما يرى فيه البعض سرعة بديهة، أنا أرى فيه جرس إنذار بأن مهاتير العجوز لا يزال كما هو رغم كل ما حدث".
ربما المقياس الأهم لماهية مهاتير الجديد هو ما أعلنه يوم الجمعة 4 مايو/أيار 2018، من أن ملك ماليزيا، السلطان محمد الخامس، سيُصدر عفواً عن زعيم المعارضة السابق أنور إبراهيم، الذي يقضي حكماً بالسجن لاتهامه بالمثلية الجنسية، وهو اتهامٌ يُنظر إليه على أن له دوافع سياسية. ويمكن أن يمهد العفو الطريق أمام أنور إبراهيم ليخلف مهاتير في رئاسة الوزراء، كما ذكر موقع BBC.
وقالت نور العزة أنور، ابنة أنور إبراهيم، والتي أعيد انتخابها في البرلمان: "لقد عايش الماليزيون أوقاتاً صعبة ومؤلمة. وأنور إبراهيم عايش لحظاتٍ مؤلمة كثيرة. والآن علينا أن نُظهر أننا ضد نزعة الانقسام التي سادت في الماضي، وأن نتبنَّي منهجاً يستوعب جميع الماليزيين".