إن كان التوقيت الدقيق لتصاعُد العداء بين إسرائيل وإيران في سوريا مفاجئاً، فإنَّ العداء كان متوقعا؛ إذ يتحدَّث المسؤولون الإسرائيليون، على مدى أكثر من عام، كثيراً عن التهديد الإيراني واحتمال اندلاع صراعٍ في "الشمال".
بعد منتصف ليل الأربعاء/الخميس 10 مايو/أيار 2018، استقبلت المواقع العسكرية الإسرائيلية في هضبة الجولان المحتلة 20 صاروخاً من الأراضي السورية، وفق بيان للجيش الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن هذا القصف لم يتسبب في أي ضرر بالبشر أو الممتلكات حسب البيان، فقد "اعتبرته إسرائيل تطوراً خطيراً كانت قد حذرت منه. وعلى أثر ذلك، ردَّت الطائرات والمدافع الإسرائيلية بقصف نحو 50 موقعاً إيرانياً في مختلف أنحاء سوريا. وعادت الطائرات الإسرائيلية إلى مواقعها سالمة".
رغم هذه اللغة العدائية الواضحة، انتهى البيان الإسرائيلي بأن "هذه الاشتباكات كانت بمثابة جولة حربية انتهت وأصبحت مِن ورائنا".
فهل يمكن أن تتحول الجولة إلى حرب، وما هي حسابات الطرفين قبل أن تُقرع طبول الحرب؟
التصعيد بين إسرائيل وإيران بدأ قبل أكثر من عام
حصل صحفيون كبار -من ضمنهم توماس فريدمان، من صحيفة The New York Times الأميركية وغيره- على إحاطةٍ بشأن الحدود الشمالية من جانب مسؤولين إسرائيليين، وأطلعتهم مراكز أبحاث موالية لإسرائيل على مقالاتٍ وموضوعاتٍ تشير -على نحوٍ متزايد- إلى حقيقة الحرب المقبلة مع إيران. وامتلأت وسائل الإعلام الغربية بصور أقمار اصطناعية، مصدرها إسرائيل، تُظهِر ما يُزعَم أنَّها منشآت إيرانية جديدة.
لكنه في الأغلب كان تصعيداً من جانب واحد
كانت طبول الحرب تُقرع من جانب واحد فقط حصراً تقريباً، حسب تقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية ، ما مهَّد الساحة أمام تصعيد هذا الأسبوع.
إسرائيل، ولسنواتٍ عديدة، كانت هي الطرف الذي يشن ضرباتٍ جوية وصاروخية في ظل حصانةٍ من المحاسبة ضد أهدافٍ بسوريا، ربما بلغت عدة مئات من الضربات في المجمل، إلى أن اخترقت طائرة دون طيار إيرانية المجال الجوي الإسرائيلي في وقتٍ سابق من هذا العام (2018)، حسب تقرير لموقع Alhurra الأميركي.
وإسرائيل تتعمد التصعيد عملاً بسياسة الردع الاستباقي
ويبدو أنَّ إسرائيل، في الأسابيع الأخيرة، صعَّدت جهودها في اتباع سياسة متعمَّدة لاستفزاز إيران، وضمن ذلك عبر استهداف المستشارين الإيرانيين بسوريا، وتحدثت تقارير عن وقوع قتلى إيرانيين في الهجمات، كما نقل موقع arabic.rt الروسي.
وإن لم يكن فهْم سياق العمل العسكري الإسرائيلي صعباً، فلن يكون من الصعب كذلك إدراك الشعور القوي بأنَّ أعمالها الأخيرة، المستندة إلى تلك الخلفية، كانت مُتعمَّدة. تقوم استراتيجية الردع الإسرائيلية على حدودها الشمالية -وضمنها الردع الاستباقي- على سياسةٍ لمنع التهديدات الكبيرة من التطور بدرجة تسمح لأعدائها بضرب المراكز السكانية الإسرائيلية، وفقاً لتقرير صحيفة The Guardian. وعلى القدر نفسه من الأهمية منع أي تطورٍ قد يحدُّ من حرية عمل الجيش الإسرائيلي.
كل ذلك قاله صراحةً وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرلمان، في خطابٍ ألقاه مؤخراً أمام جنودٍ قبل الضربات الأخيرة، فأخبرهم: "إنَّنا نواجه واقعاً جديداً -الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله، والجيش السوري، والميليشيات الشيعية، وفوق كل هؤلاء إيران- كلهم يصبحون جبهةً واحدة ضد دولة إسرائيل".
وتعتبر ما حدث "مرحلة أولى من مواجهة التطرف الإيراني"
في كلمته ذاتها، أضاف ليبرمان أن إيران أصبحت خطراً إقليمياً. "إيران لا تعمل ضد إسرائيل فقط؛ بل تعمل باليمن والعراق ولبنان وإفريقيا، هي الدولة الوحيدة التي تحمل التطرف في التصرفات وليس أيديولوجياً فقط، ومستعدة للتضحية بمواطنيها ومستقبلها من أجل فكرها المتطرف".
واعتبر تراشق الصواريخ ليلة الخميس "ليس نصراً ساحقاً، هذه مواجهة بيننا وبين (فيلق القدس الإيراني) في سوريا، وأنا واثق بأن الجميع يريد إبقاء الأمر على ما هو وعدم الانجرار إلى مواجهة شاملة".
كانت جولة غير مرشحة للاستمرار والتحول إلى حرب، في رأي ليبرمان، الذي لخص ما حصل بأنه "المرحلة الأولى من مواجهة التطرف الإيراني".
أما إيران فهي تتعمَّد الغموض والتجاهل وسياسة النفَس الطويل
لكن، ماذا عن إيران؟ بينما لا يوجد شك في أنَّها تُوسِّع بسرعةٍ نفوذها في سوريا -ودعمها المادي لحزب الله اللبناني بطرقٍ على الأرجح تجعل إسرائيل تشعر بأنَّ الأمر تهديد وجودي لها- يبدو أنَّ خطة عمل طهران أطول وأكثر ضبابيةً وتدرُّجاً بكثير.
فرغم عشرات الضربات الإسرائيلية، قَصَرَت إيران -حتى ليل الأربعاء 9 أبريل/نيسان على الأقل- رد فعلها في إطار سياسةٍ طويلة الأمد، تُطبِّقها بصورة كبيرة منذ الحرب الإيرانية-العراقية، وتتمثَّل في محاولة تجنُّب المواجهات المباشرة.
وبدلاً من ذلك، عملت إيران عبر وكلائها ونشر مستشاريها، وهو الأسلوب الذي خدمها بصورةٍ جيدة في العراق واليمن وحتى لبنان وسوريا، حيث تدخَّلت بشكل عام لدعم وتعزيز المصالح الشيعية.
وتُراجع حساباتها بمدى وجودها العسكري على التراب السوري
أحد التفسيرات هو أنَّ طهران أساءت استغلال التقديرات الإسرائيلية الخاطئة الخطيرة بشأن الحرب في سوريا؛ إذ كانت إسرائيل تعتقد أنَّ الحرب هناك ستؤدي إلى نزف حزب الله وإضعافه من جرَّاء تدخُّله في الحرب الأهلية بالبلاد.
ومع تحويل قوات بشار الأسد، مدعومةً بحزب الله وطهران وتدخُّل روسيا، لمسار الحرب لصالح الأسد، رأت طهران فرصةً سانحة لتوسيع وجودها أكثر، ومواجهة إسرائيل بسيناريو غير مقبول، هو إقامة مستشارين إيرانيين على حدود إسرائيل تماماً.
وتفضِّل مثل حزب الله ألا تقع المواجهة العسكرية مع إسرائيل
في حين دعت روسيا للهدوء، ستكون إيران واعيةً أيضاً بأنَّ الصراع المباشر والمتصاعد مع إسرائيل يكاد يكون من المؤكد أنَّه يخاطر بجرِّ الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل في ظل قيادةٍ أميركية لا يمكن بدرجةٍ كبيرة، التنبؤ بتصرفاتها، ويهيمن على دائرتها المُقرَّبة الآن صقورٌ معادون لإيران، وهي الحسبة التي ربما تلعب عليها إسرائيل.
وفي حين أنَّ النتيجة الأكثر احتمالاً -والتي استعد لها الجيش الإسرائيلي منذ زمنٍ بعيد- تبدو دوماً اندلاع حربٍ بين حزب الله في لبنان وإسرائيل، فإنَّ حزب الله يدرك جيداً -بعد الأثر المُدمِّر لحرب 2006- أن مخاطر الانجرار إلى صراعٍ مع إسرائيل قائمة وفق خطة الأخيرة وترتيبها.