"جثمان خاشقجي أُذيب بواسطة حمض الهيدروفلوريك ومواد كيميائية خاصة بمنزل القنصل السعودي".. هكذا كشف مصدر بمكتب المدعي العام التركي.
أذيبت جثة خاشقجي بالكامل داخل غرفة بمنزل القنصل، وبإجراء التحريات وجدت عينات من الحمض ومواد كيميائية أخرى في منزل القنصل والصرف الصحي في المنطقة.
لكن هل كان خاشقجي الوحيد أم هناك آخرون؟ كذلك كيف تمت العملية؟ وهل يمكن لمرتكبها أن ينجو دون أثر مثل ضحيته؟
عن مثل هذه الأسئلة وغيرها نُجيب في هذا التقرير.
ما هو الهيدروفلوريك؟
هو غاز عديم اللون له رائحة مهيجة، يذوب في الماء ليشكل محلول حمض الهيدروفلوريك. يمتاز بخصائصه التآكلية القوية التي تجعل تعرّض أحدهم له يتسبب في وفاته، فملامسته لمساحة أقل من 160 سم مربع من الجلد كافية لحدوث الوفاة.
كيف تتم إذابة الجثة باستخدام الهيدروفلوريك؟
أول ما يذوب: الشعر والأظافر/ المصدر
قد تظن أن هذه الطريقة تستخدمها فقط جهات سياسية أو قتلة للتخلص من شخص ما، لكن في الحقيقة تقوم بعض الجامعات والجهات البحثية بالتخلص من الجثث التي تستخدم لغرض التعليم والبحث عن طريق الإذابة بالأحماض.
على الجانب الآخر، تدعي المافيا المكسيكية أنها تستطيع إذابة الجثث في غضون 20 دقيقة، إلا أن عملية إذابة الجثة تستغرق وقتًا أطول.
ففي البداية يجب إذابة الأنسجة الحيوية بعد وضع الجثة في الحمض، فيكون أول ما يذوب هو الشعر والأظافر، ثم تتحلل مكونات اللحم من بروتينات ودهون وكربوهيدرات وأحماض نووية، وقد تصل مدة إذابة عظام شخص بالغ إلى يومين تقريباً؛ لكن عند رفع درجة الحرارة وزيادة الضغط يمكن اختصار المدة لساعات قليلة.
أشهر استخداماته
يستخدم بشكل أساسي في صناعة غاز الفريون المستخدم في المبردات والمكيفات والمجمدات، بجانب المستحضرات الصيدلانية مثل عقار البروزاك، ومنتجات المطابخ والفولاذ المقاوم للصدأ والتفلون وبعض الأنواع من مصابيح الإضاءة والألومنيوم، ويستخدم في صناعة العديد من الأجهزة والحاضنات والإضاءة المحمولة.
وفي الصناعة، يستخدم في نقش الزجاج والمينا وإزالة الصدأ وتنظيف النحاس والكريستال، ويستخدم في تصنيع رقاقات السيليكون وأشباه الموصلات، وفي عمليات تكرير النفط، وفصل نظائر اليورانيوم.
ولخصائصه القوية في التآكل، يستخدم النوع المخفف منه في بعض منظفات السيارات ومزيلات الصدأ والبقع.
خاشقجي ليس الوحيد.. أشهر الحالات التي تم استخدام الحمض فيها
فرج الله الحلو
لم تكن حادثة إذابة جثمان خاشقجي الأولى بالطبع، فقد عرفت هذه الطريقة في السياسة، ففي عام 1959 اختطف الزعيم الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو خلال زيارته لدمشق في الإقليم الشمالي السوري الذي كان جزءاً من الجمهورية العربية المتحدة خلال حكم جمال عبد الناصر.
عذب الحلو على يد الأجهزة الأمنية ومات تحت التعذيب، ولإخفاء معالم الجريمة تم تذويب جثمانه في برميل من الحمض.
ورغم أنه لا قبر يحفظ جثمانه، فإن ذكراه خلدت بعديد من الأغاني والأناشيد وكتبت مسرحية تصور معاناته ونضاله، وشُيّد له تمثال في لبنان لإحياء ذكراه.
المهدي بن بركة
ظلت وفاته لغزاً حتى بعد مرور أكثر من خمسين عاماً على اختفائه، إنه المهدي بن بركة مؤسس تيار اليسار في المغرب، وزعيم حركة العالم الثالث والوحدة الإفريقية. أثارت مواقفه الثورية نقمة ملك المغرب الحسن الثاني، وكانت علاقاته مع حركات التحرر العالمي سبباً في مراقبته من قِبل الأجهزة الأمنية المحلية والدولية، منها المخابرات الأميركية والفرنسية والموساد.
وفي صباح أحد أيام عام 1965، بينما كان المهدي على موعد مع أحدهم في باريس اختطفه شرطيان فرنسيان بالتعاون مع المخابرات المغربية، واللذان اعترفا لاحقاً باقتياده إلى فيلا وأنه مات خلال التحقيق معه -(يبدو مألوفاً لك؟)- وتعذيبه.
تضاربت الأقاويل حول الأمر، لكن ذكر أحد العملاء السابقين للمخابرات المغربية في حوار له عام 2001 أن جثمان بن بركة نُقل إلى الرباط، وأُذيب في الحمض في أحد المقرات السرية للمخابرات المغربية.
باتريس لومومبا
كان نضاله ضد الاستعمار البلجيكي السبب في اعتقاله من قِبل السلطات البلجيكية، فهو مؤسس الحركة الوطنية الكنغولية، وهو الرئيس الكنغولي باتريس لومومبا.
وبعد فشل الاستعمار البلجيكي في السيطرة على المظاهرات ونجاح مساعي لومومبا أعلِن استقلال البلاد، وبعد إجراء الانتخابات تولى لومومبا رئاسة الحكومة؛ لكن السلام لم يدم طويلاً، فقد تآمرت الولايات المتحدة وبلجيكا للإطاحة به، فدعمت الانقلاب الذي قام به الجنرال موبوتو سيسكو ضد لومومبا، وألقي القبض على لومومبا واقتيد إلى سجن بلجيكي حيث تم إعدامه رمياً بالرصاص عام 1961، وتقطيع أوصاله وإذابتها في حمض الكبريتيك.
سفاح إنكلترا
إنه أكثر سفاحي إنكلترا في سوء سمعته، عُرف بالقاتل الحمضي إنه جون هايج الإنكليزي الذي وُلد عام 1909، وأدين بقتل ستة أشخاص في أربعينيات القرن الماضي. كان يستدرج ضحاياه حتى يتمكن من تزوير أوراق ممتلكاتهم ومن ثم بيعها وجني الكثير من الأموال.
كان يضرب ضحاياه أو يطلق عليهم الرصاص، وبعد موتهم يتخلص من جثامينهم بإذابتها في حمض الكبريتيك المركز؛ ظناً منه أنه إن لم يتم العثور على الجثث فلن تكون إدانته بالقتل ممكنة، إلا أنه تم اكتشاف جرائمه وأُعدم بعدما وجدت الشرطة في تربة ورشته بقايا لأجساد بشرية شملت حصوات مرارة وأجزاء من العظام وأطقم أسنان.
سيدة الحمض
هل يمكن للكره أن يصل إلى الموت؟ ربما لا لكن بالنسبة لعالمة الكيمياء العضوية الأميركية لاريسا شوستر فلم تجد أفضل من استخدام خبرتها الكيميائية للتخلص من زوجها بعد زواج دام 20 عاماً؛ للحصول على مكتسبات مادية بعد معركة طلاق وذلك بتخديره بالكلوروفورم، ومن ثَم بإلقائه -بينما ما زال على قيد الحياة- في برميل من حمض الهيدروكلوريك.
لكن خبرتها لم تكن كافية؛ حيث اكتشف الشرطة أجزاء من زوجها المتوفى ومن ثم حكمت المحكمة عليها بالسجن المؤبد عام 2008.
ما جعلها تنال لقب سيدة الحمض بجدارة، وأجريت العديد من الحلقات والبرامج الوثائقية عنها مثلما أُلف كتاب عنها.
هل إذابة الجثث عن طريق هذا الحمض تعني اختفاء الآثار تماماً بشكل لا يمكن الكشف عنها أبداً؟
لا يمكن إخفاء كامل الآثار باستخدام حمض مثل الهيدروكلوريك؛ فهو ليس قوياً بما يكفي لإذابة الدهون والبروتينات بشكل كامل، مثلما أن أجزاء مثل حصوات المرارة أو الأسنان الصناعية أو أية أجزاء مغروسة بالجسم من المعدن لا يمكنها الذوبان.
ولكن لابد من إجراء التحلل المائي، وبواسطته يمكن لأيونات الحمض تكسير جزئيات الدهون والبروتين، إلا أن أيونات الفلور والهيدروجين وحدها ضعيفة، لذلك نحتاج إلى مزجه بحمض قوي مثل حمض النيتريك.
ومن الناحية العملية، الأحماض القوية أفضل تأثيراً مثل حمض الهيدروكلوريك والنيتريك؛ حيث يمكن أن يذيب الأجساد دون ترك أثر. فللأخير على سبيل المثال القدرة على تفتيت الدهون والبروتين وتحويلها إلى ثاني أكسيد كربون وماء.
لكن لمثل هذا الأمر مخاطره أيضاً؛ حيث تطلق تفاعلات هذه الأحماض درجة حرارة عالية قد تفوق 100 درجة مئوية، وحينها يبدأ الغليان؛ فتتولد أبخرة سامة شديدة التآكل، فضلاً عن خطر تكون مركبات متفجرة، مثل النيتروجليسرين المكون الرئيس للديناميت.
لكن في جميع الأحوال لا يمكن التخلص من الجثة بشكل كامل حيث تبقى آثار مجهرية عالقة بالبرميل أو المكان والمجرى الذي تمت به العملية، والتي يمكن أن تبقى لأشهر.
ويمكن اكتشافها بسهولة عن طريق تحليل الحمض النووي، لكن قد لا يصلح مع كل الضحايا فيلجأ مختصو الطب الشرعي لإجراء تحليل باستخدام المسح المجهري الإلكتروني أو تحليل الأشعة السينية المشتتة للطاقة، كما يمكن استخدام بعض الأحماض الأخرى مختلفة التركيب والقوة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.