شباب المناطق النائية في المغرب الذين فاتتهم فرصة التحصيل الدراسي، لديهم فرصة اليوم لمتابعة دراستهم، بفضل مبادرة "عاوني باش نقرأ" أي: ساعدني كي أتابع دراستي.
المبادرة أطلقتها جمعية "سواعد الخير"، وهي من المبادرات الشبابية التطوعية بمدينة أكادير جنوب المغرب.
وهي تهتم بما له علاقة بالتطوع والمشاريع الخيرية.
وقبل تأسيسها كجمعية قانونية، وفق قانون تأسيس الجمعيات، كانت عبارة عن مبادرة شبابية تحت إشراف شباب يحبون العمل التطوعي.
الهدف الأساسي من تأسيس هذه الجمعية هو مساعدة شرائح المجتمع كافة، وخاصة الشباب، على الاندماج في المجتمع بشكل أفضل، ومتابعة دراستهم في ظروف مناسبة تتوافر فيها الحاجات الضرورية كافة.
"عاوني باش نقرا".. خطوة أولى نحو العودة لمقاعد الدراسة
"عاوني باش نقرا" هي إحدى المبادرة التي تعمل عليها جمعية "سواعد الخير".
وتتلخص المبادرة بتوزيع المحافظ الدراسية على الأطفال، وإصلاح المدارس وتجهيزها بالمرافق كافة، وتوزيع الدرّاجات الهوائية والحملات الطبية.
ولا يقتصر الأمر على الجانب الدراسي، فالمبادرة تتضمن توزيع الأضاحي والخيم الرمضانية والأغطية والملابس على المحتاجين في المناطق النائية.
يقول سعيد أوطالب، نائب رئيس جمعية "سواعد الخير"، لـ"عربي بوست": "هذه المبادرة من أهم المبادرات التي تقوم بها الجمعية، لأنها تهتم بالشباب عامة والطلبة خاصة، والهدف منها هو تشجيعهم على إتمام دراستهم في أحسن الظروف".
والمبادرة تهدف إلى الإسهام في القضاء على الهدر المدرسي، فـ"هناك أسباب تدفع بالشباب إلى مغادرة الدراسة، منها أن شريحة من العائلات لا تمتلك المال لشراء المحافظ والكتب والأدوات"، وفق أوطالب.
ويضيف: "هناك آباء يقومون بإخراج أبنائهم من المدرسة لكي يشتغلوا من أجل إعالة عائلاتهم؛ هدفنا الأساسي إذن من هذه المبادرة هو توفير إمكانية عودتهم للمدرسة ومواصلة التعلم".
وتبدو مبادرةً جيدةً لمكافحة الأمية في المغرب
وتراجعت نسبة الأمية في المغرب إلى 30%، وفق أرقام حكومية. وتبذل الحكومة حالياً جهوداً كبيرة لخفض هذه النسبة إلى 20% خلال السنوات الأربع المقبلة.
وهي تسعى حالياً للقضاء على الأمية لدى مليون و100 ألف مغربي قبل نهاية 2022. فهي تدرك أنه لا يمكن الحديث عن التنمية في ظل تمادي شبح الأمية بالبلاد.
وهي مبادرة تطوّعية تستهدف الشباب في القرى النائية
القائمون على المبادرة يجوبون القرى المهمّشة لتقديم خدماتهم لجيل المستقبل. فثمة العديد من الشباب يرغبون في مواصلة دراستهم، لكن الفقر وقلة الموارد المادية يحولان دون ذلك.
لكن المبادرة تواجه صعوبات عدة، من بينها نقص المتطوعين من الشباب، وخاصة أن العمل التطوعي يحتاج إلى العزيمة والإرادة القوية.
ويقول أوطالب: "هناك أيضاً صعوبات تتعلق بالوقت، فهناك مبادرات تتطلب أشهراً من الإعداد، تتضمن تجهيز الطاقم وتوفير التمويل اللازم وتحديد المنطقة المستهدفة".
ويضيف: "نقوم بنشر الإعلان على صفحة المبادرة بموقع فيسبوك، ومن خلال اقتراحات الجمهور ندرس الاقتراحات ونحدد المنطقة بناء على معايير محددة لدينا، وقبل تنفيذ المبادرة نقوم بزيارة المنطقة لتفقُّد أحوالها".
لكن العمل التطوعي لا يخلو من الصعوبات
وهناك عقبات أخرى تعيق العمل التطوعي الذي تقوم به مبادرة "عاوني باش نقرا"، أبرزها الحصول على التراخيص الإدارية.
"نقوم بإعداد جميع الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة، وعلى الرغم من ذلك لا نحصل على التراخيص من قِبل الإدارات المعنيَّة، رغم أن هذا الأمر لا يكلّفهم أي شيء"، كما قال أوطالب.
وحرص القائمون على المبادرة على عدم طلب المساعدة المالية من الحكومة، "تفادياً لبعض المضايقات وفرض الوصاية على الجمعية من خلال متابعتهم بدفع التقارير".
كما أن الدولة المغربية لا تقدم دعماً كبيراً للمنظمات الخيرية أو التطوعية، وفق أوطالب، فمبادرة "عاوني باش نقرا" كلفت حتى الآن 13 مليون درهم (نحو مليون و300 ألف دولار).
والبيروقراطية تمنع الحصول على الدعم الحكومي
ووفق القانون المغربي المنظِّم لجمع التبرعات من المحسنين أو ما يُسمى "التماس الإحسان العمومي"، فإن الجمعيات مُلزمة باتباع إجراءات قانونية، وفق نص القانون المتعلق بهذا الأمر.
فكل جمعية ترغب في الحصول على الإحسان العمومي (دعم الدولة) يجب أن تضع عن طريق ممثلها القانوني، طلباً للحصول على رخصة بذلك، قبل 15 يوماً على الأقل من تنظيم التظاهرة المزمعة إقامتها .
وإذا اقتنع المسؤول الحكومي بجدوى الطلب المقدم، فسيوافق على منح رخصة للحصول على الدعم الحكومي.
ويُرسَل هذا القرار إلى وزارات الداخلية والمالية والصحة والاتصال، لإبداء الرأي فيه.
وسائل الإعلام أيضاً عقبة جديدة أمام المبادرة
والعقبات لا تتوقف عند هذا الحد، فوسائل الإعلام تتجاهل عادةً هذا النوع من الأنشطة التوعية، ويبرر أوطالب ذلك بأن جمعيته مستقلة وليست محسوبة على أي طرف سياسي.
ومع ذلك، فإن مبادرة "عاوني باش نقرا" تجد صدىً جيداً في المجتمع المغربي، كما أنها تنمي حس العمل التطوعي لدى الأجيال الصاعدة.
ويصف الجامعي أحمد أخشخوش المبادرة بأنها "نوعية، لأنها تهتم بالتعليم، وتبين للناس أنه إحدى ركائز التنمية".
لكن هذا لم يمنع نجاحها في المجتمع المغربي
وحصل أخشخوش أخيراً على منحة مقدمة من جمعية "سواعد الخير".
ويقول لـ"عربي بوست": "هذه المنحة سأستثمرها في تعلم اللغات الأجنبية، لكي أطور قدراتي فيها، لأن التعليم العمومي فيه ضعف في تعلُّم اللغات".
ويعدّد هشام النجاري، رئيس "جمعية شباب أطلس" التطوعية، الفوائد المجتمعية الكبيرة لهذه المبادرة، كتشجيع الفرد على الانخراط في العمل الجماعي الهادف وإذكاء روح المواطنة، وترسيخ مبدأ التطوع وفعل الخير دون انتظار مقابل.
ويرى أيضاً أنها تشجيع المتطوعين على صقل مواهبهم، وتبادل الخبرات في ميدان الحِرف اليدوية.
وتسهم في اجتثاث الشباب من براثن الانحراف والمخدرات، ودعوتهم إلى المشاركة الفعالة فيما ينفعهم وينفع وطنهم.
فهي أصلحت 6 مدارس ووزّعت آلاف الكراسات
وحتى الآن، نجح الطاقم المشرف على مبادرة "عاوني باش نقرا" في توزيع 3 آلاف محفظة مجهزة بالكتب والأدوات المدرسية في مختلف مناطق المغرب.
وقام أيضاً بإصلاح 6 مدارس في المناطق النائية، وضمن ذلك دهن الأقسام والطاولات وتشجير الساحات وإصلاح دورات المياه.
وتم تقديم منحة دراسية لـ16 طالباً لإتمام دراستهم في الخارج، كما ستتم مواكبتهم بالتوجيه اللازم طيلة مسارهم الدراسي.
واستطاعت المبادرة أيضاً توفير 12 دراجة هوائية لمجموعة من الشباب (ذكور وإناث) المحتاجين الذين يسكنون في مناطق بعيدة عن مدارسهم. كما تم توفير بطاقات النقل الجامعي لـ8 من الطلبة المحتاجين.
ولـ "سواعد الخير" خطة طموحة للمستقبل
ومؤخراً، قدمت "سواعد الخير" خطة طموحة لتطوير عملها مستقبلاً، تقوم على 4 ركائز رئيسة.
تتجلى هذه الركائز في المحافظة على المبادرة الأم "عاوني باش نقرا"، وتكوين 3 لجان وظيفية أساسية ودائمة في الجمعية (لجنة التواصل والإعلام، لجنة اللوجيستيك، لجنة التنشيط).
كما سيتم التركيز مستقبلاً على تكوين الموارد البشرية للجمعية في مجال التسيير الإداري والمالي والجانب الثقافي والعلمي.
فضلاً عن توفير مقر رسمي يساير التطور الذي عرفته الجمعية خلال السنتين الماضيتين، لتلبية طموحات أعضائها من أجل إنجاز أفكارهم على أرض الواقع.
وتوَّجت عملها التطوعي بـ "جائزة المقاومة"
ونتيجة لجهدها المستمر منذ سنوات، حصلت مبادرة "سواعد الخير" الشبابية على جائزة المقاومة لأحسن مبادرة شبابية في مجال التطوع على الصعيد الجهوي بمدينة أكادير جنوب المغرب عام 2016.