تواجه استراتيجية الرئيس دونالد ترمب لاحتواء القوة الإيرانية في الشرق الأوسط، بتكوين تحالف أمني من الحلفاء العرب تسانده الولايات المتحدة، مشكلات حتى قبل مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، بيد أن 3 مصادر أميركية ذكرت أن الخطة تواجه الآن تعقيدات جديدة.
وأثار مقتل خاشقجي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018، بالقنصلية السعودية في إسطنبول، غضباً دولياً ضد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إذ يتهم المسؤولون الأتراك وبعض أعضاء الكونغرس الأميركي الحاكم الفعلي للمملكة بإصدار أمر القتل.
ويستهدف "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" وضع الحكومات السُّنية في السعودية والإمارات والكويت وقطر وعُمان والبحرين ومصر والأردن في تحالف أمني وسياسي واقتصادي، تقوده الولايات المتحدة لمواجهة إيران الشيعية.
لكن الخلافات بين الحلفاء العرب، خاصة الحصار السياسي والاقتصادي لقطر الذي تقوده السعودية، أعاق تأسيس التحالف منذ أن اقترحته الرياض العام الماضي (2017).
وكانت قمة بين ترمب والزعماء العرب ستشهد توقيع اتفاق أولي بشأن التحالف، متوقعة في يناير/كانون الثاني 2019، بالولايات المتحدة. لكن المصادر الأميركية الثلاثة ودبلوماسياً خليجياً قالوا إن الاجتماع يكتنفه الغموض الآن. وأضافوا أنه تأجل بالفعل عدة مرات.
وأفاد أحد المصادر بأن مقتل خاشقجي أثار "مجموعة كاملة من المشكلات"، يتعين حلها قبل أن يتسنى المضي قدماً في الخطة، التي يشار إليها على نحو غير رسمي باسم "الناتو العربي".
حضور ولي العهد السعودي يشكل أزمة
ومن هذه المشكلات، كيف سيحضر ولي العهد السعودي القمة دون أن يُحدث ذلك غضباً واسع النطاق.
وقال المصدر: "الأمر ليس مستساغاً".
ونفى مسؤول كبير بإدارة ترمب، يوم الثلاثاء 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أن يكون مقتل خاشقجي أعاق التقدم بشأن التحالف، قائلاً إنه "أكبر من دولة واحدة وقضية منفردة".
وتنفي السعودية ضلوع الأمير محمد في قتل خاشقجي، وقالت إن التحقيق جار لتحديد المسؤولية عن الحادث.
وقال روبرت مالي، أحد كبار مستشاري الرئيس السابق باراك أوباما بشأن الشرق الأوسط والذي يرأس حالياً مجموعة الأزمات الدولية المعنية بمنع الصراعات، إن من الصعب حضور ولي العهد السعودي قمة يناير/كانون الثاني 2010، "بالنظر إلى ما حدث، وكيف ستكون ردود الفعل".
وأضاف: "لست متأكداً مما إذا كان يريد القدوم إلى الولايات المتحدة حالياً".
أما الجنرال المتقاعد بمشاة البحرية الأميركية أنتوني زيني، مفاوض الإدارة الرئيس بشأن تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، فقال إن المبادرة "ماضية قدماً"، لكنه أشار إلى أن تأثير مقتل خاشقجي غير واضح.
وأضاف لـ "رويترز" عبر البريد الإلكتروني: "لا أعرف حتى الآن كيف سيؤثر ذلك على العملية. نحن في انتظار التحقيق النهائي والقرارات… أعتقد أنه ربما يكون هناك انتظار لحين اكتمال التحقيق (ربما فحص الطب الشرعي إذا وُجدت الجثة) قبل بحث التحرك إلى الأمام".
ولم يرد الأعضاء الثمانية المحتملون في التحالف، على طلبات للتعليق بشأن التزامهم بتحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي.
عقبات عديدة
حتى قبل أن تعقّد تداعيات مقتل خاشقجي الأمور، أظهرت وثيقتان سريتان للبيت الأبيض -اطلعت عليهما "رويترز"- أن الإدارة تبحث جاهدة عن سبل للتغلب على الخلافات الإقليمية، ودفع مبادرة التحالف للأمام من أجل احتواء إيران وكذلك الحد من النفوذ الصيني والروسي في المنطقة.
وكتب مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، لوزيري الخارجية مايك بومبيو والدفاع جيمس ماتيس، في رسالة، بأواخر الصيف، قبل مقتل خاشقجي: "التنافس يزداد بين شركائنا الإقليميين، والدخول في منافسة صريحة (مثلما هي الحال) في حالة قطر يضر بالمصالح الأميركية ويصب في مصلحة إيران وروسيا والصين".
وكتب بولتون في الرسالة، التي لا تحمل تاريخاً والتي جاءت رداً على مذكرة من بومبيو وماتيس في 29 يونيو/حزيران 2018 بشأن تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي: "لإيقاف هذه الاتجاهات السلبية ينبغي لنا أن نغير حسابات شركائنا الاستراتيجية".
وذكر المسؤولون الأميركيون الثلاثة، الذين طلبوا عدم نشر أسمائهم، أن هناك نقاشاً داخل الإدارة بشأن ما إذا كان بمقدور واشنطن إقناع الحلفاء العرب بتنحية خلافاتهم جانباً، وأن بولتون برز كأحد المدافعين البارزين عن الخطة.
وقال مسؤول أميركي رابع إن هناك تبنِّياً واسع النطاق داخل الإدارة لأهداف التحالف العربي العامة، لكن هناك مناقشات بشأن أفضل الطرق للتوصل إلى اتفاق.
وأحالت متحدثة باسم وزارة الدفاع أسئلة عن المسألة إلى وزارة الخارجية، لكنها أشارت إلى تعليقات سابقة لماتيس، عبّر فيها عن دعمه التحالف.
وقال مسؤول بوزارة الخارجية إن الإدارة مستمرة في "الحوار مع شركائنا بشأن العمل صوب" إنجاز التحالف.
خطة البيت الأبيض
تشير إحدى وثيقتي البيت الأبيض إلى أن خطة الإدارة تستهدف تعزيز استراتيجية "أميركا أولاً" التي يتبناها ترمب للحد من التدخل العسكري الخارجي، وحمل الحلفاء على تحمل مزيد من أعباء أمنهم مع دعم المصالح الأميركية بالشرق الأوسط في الوقت نفسه.
وتتراوح المصالح الأميركية في المنطقة بين مبيعات الأسلحة وضرب الإسلاميين المتطرفين في اليمن والعراق وسوريا، وضمان حرية تدفق النفط إلى الأسواق العالمية بغية الحفاظ على استقرار الأسعار.
وجاء في إحدى الوثيقتين، اللتين صيغتا قبل مقتل خاشقجي، أن ترمب حذر زعماء السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى وكذلك مصر من أن "الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر، وأن الولايات المتحدة لن تواصل الاستثمار في أمن الشرق الأوسط".
ولم تورد تفاصيل عن تهديد ترمب أو متى أصدره.
وتنشر واشنطن طائرات وسفناً حربية وأكثر من 30 ألف عسكري في قواعد لها بدول مجلس التعاون الخليجي. ويقول مسؤولون عسكريون أميركيون كبار إنه ليست لديهم نية لتغيير الوضع.
وتدعو الوثيقة الاستراتيجية التي تحمل عنوان "نظرة عامة على مفهوم تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"، إلى سلسلة من الإجراءات على المديَين القصير والمتوسط، تتطلب "تعهدات بالقليل من الموارد الأميركية الجديدة للشرق الأوسط إذا كانت موجودة من الأساس".
وذكرت الوثيقة ومصدر مطلع على الخطة، أن الإجراءات تشمل تطوير "مراكز عمليات" إقليمية تستهدف دمج القوات في مجالات مثل الدفاع الصاروخي والحرب البرية ومجالات أخرى.
وتقول الوثيقة إن من الأهداف الطويلة الأمد تحالفاً رسمياً واتفاق تجارة حرة متعدد الأطراف خلال 5 إلى 7 سنوات. كما أثارت احتمال أن يشمل الاتفاق في نهاية المطاف، العراق ولبنان ودولاً أخرى، مع إمكان تكوين علاقات رسمية مع إسرائيل و"حلفاء أوروبيين وآسيويين مختارين".