تحب المطر وتسمع فيروز؟.. مبروك أنت مثقف وعميق

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/12 الساعة 07:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/12 الساعة 13:15 بتوقيت غرينتش
Shot of a young businessman reading a text while sitting at an outdoor cafe

في مكتب صغير أنيق، جلس الأستاذ فهيم يختم على الأوراق "مثقف عميق" أو "لا مثقف ولا عميق ولا حاجة"، ضوضاء في الخارج جعلته يفتح باب مكتبه فوجد "طابوراً" طويلاً أمام مدام اعتماد (سكرتيرة مكتبه)، وكلهم يحملون أوراق اعتماد لطلب اللقب "مثقف عميق"، واحد فقط كان خارج الصف كان هو من يتشاجر مع مدام "اعتماد"، سأله:

– في إيه يا بني؟

– بتقولي متنفعش تقدِّم، أوراقك مش مستوفية، ودي المرة الـ37 اللي اقدم فيها!

– ليه يا اعتماد رافضة الولد؟

تردُّ اعتماد وهي تعيد "نظارتها" السميكة لوجهها بهدوء:

– يا فندم كاتب في الأبلكيشن أنه مش بيحب القهوة، ومش بيحب المطر، ومش بيسمع فيروز.

يردُّ الشاب بسرعة:

– يا فندم أنا موضّح الأسباب: مش بحب القهوة علشان عندي القولون، والمطرة جابتلي التهاب رئوي مزمن ومش بقدر أقف أصورها من البلكونة، وغصب عني بحب شادية أكتر من فيروز، أبويا كان بيسمَّعني أغنيتها دايماً "شبّاكنا ستايره حرير".

نظر الأستاذ "فهيم" إلى الشاب: بص يا بني إحنا عندنا الشروط ثابتة في كتالوغ المثقفين، حِل مشاكلك وتعالى، ولّا عايز الجمهور ياكل وشّنا..

لا تسخر -عزيزي القارئ- فما يبدو لك مشهداً عبثياً خيالياً يحمل الكثير من ملامح الأفورة، بين ثناياه جزء من الحقيقة، فقد صار هناك "كتالوغ" للشخص المثقف العميق، ومن لا يسير على نهجه هو شخص إما سطحي وإما عادي بلا هوية بحسب مصممي "الكتالوغ"، وفي النهاية عليه أن يجاهد كثيراً حتى يحصل على شرف لقب "المثقف العميق".

كتالوغ المثقف العميق

وإليك أهم 10 سمات للشخص المثقف العميق في المجتمع، فهو شخص يحب:

1-سماع أغاني فيروز.

2- تناول القهوة.

3- الاستشهاد بمقولات لمحمود درويش أو تشي غيفارا وسط كلماته أو حتى "بوستاته".

4- يحب المطر كثيراً.

5- حضور الحفلات الغنائية التراثية.

6- قرأ على الأقل رواية من روايات أحمد مراد، رضوى عاشور، أحلام مستغماني، أليف شافاق.

7- حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي يحمل صوراً شخصية باللون الأبيض والأسود، أو يدخن سيجارة أو بجانب مكتبة!

8- يرتدي كوفيه العَلم الفلسطيني، أو ترتدي "شالاً" ملوناً أو قبعة "BERET" الفرنسية.

9- والمثقف العميق "بزيادة" يستخدم في أحاديثه المصطلحات والكلمات المركّبة التي تتكون من مقطعين مثل: "النيوليبرالية"، و"السيمولوجية"، و"الكولونيالية"، ويحب اتباع الموضات الثقافية مثل "التنوير، الحداثة، ما بعد الحداثة، تجديد الخطاب الإسلامي".

10- أخيراً عندما يتحدث عن موضوع أو كتاب معين ويجد أن محدِّثه لا يعرفه يتهمه بالجهل والسطحية ويسخر منه.

"أنا المثقف.. أنت مين"!

ولا تتوقف الأفورة على "كتالوغ المثقف العميق" في الوسط الثقافي، فهناك نوع آخر من"الأفورة" لا يمكن تجاهله، وهي فئة من المثقفين تعتمد الكتابة الصعبة المعقدة كدليل على تفوقهم الأدبي وأنهم أكثر وعياً وفكراً من غيرهم، وإذا حاول القارئ المسكين الشكوى أو الاعتراض كان الاتهام الجاهز دوماً "إيش فهّمك أنت؟ هو أنت مثقف مثلي"، أو "اقرأ مثل عدد الكتب التي قرأتها ثم تعالى ناقشني"، ما سبَّب انفصالاً بين وسط المثقفين ووسط القراء، فأصبح كلا المجتمعين يعيش في عزلة عن الآخر، فعدد قليل جداً من الأدباء والمثقفين هم الذين يعرفهم القارئ ويستطيع تذكُّر أسمائهم -يمكن عدُّهم على الأصابع- أما الآخرون فهم يعيشون في برجهم العاجي بكتابات غير مؤثرة وخطابات لا يفهمها أحد.

لكل فعل ردُّ فعل.. "أنت هتعمل مثقف علينا"

ولأن لكل فعل ردَّ فعل مساوياً له في القوة ومضاداً له في الاتجاه بحسب "أينشتاين"، فأمام تلك "الأفورة" في وسط المثقفين، كان هناك "أفورة" في ردود فعل الجمهور العادي، فاختار بعضهم تجنُّب الاشتباك معه تماماً، بينما قرر البعض الآخر -وهم الأغلبية- استخدام السخرية كوسيلة للتعبير عن إحباطه من الوسط الثقافي المصري، من خلال الجملة الشهيرة "أنت هتعمل مثقف علينا" إذا حاول شخص شرح موقف معين أو تفسير حادثة جديدة أو غامضة.

كما ظهر ذلك بقوة في الأفلام السينمائية، فكانت الرؤية الساخرة "المأفورة" هي الغالبة على عرض شخصية الأديب أو المثقف، فهو دوماً شخصية كوميدية، فقير مادياً ولا يهتم بمظهره أو ملبسه، ويقول كلاماً غير مفهوم أو "مكلكعاً"، ويسعى للشهرة الأدبية وفقط، يُستخدم لإضحاك الجمهور.

وظل ذلك مستمراً منذ بداية ظهور السينما المصرية حتى وقتنا الحالي، فأفلام نجيب الريحاني قدمت ذلك النموذج بشكل خفيف "لايت"، ثم جاءت فترة الستينيات بفيلم "الزواج على الطريقة الحديثة" وشخصية "سمير" المثقف الذي يدَّعي معرفة كل شيء، وهي تمثل أشهر شخصية مثقف في السينما حتى الآن، ثم في فترة السبعينيات ظهرت شخصية "عمران" بفيلم "خلي بالك من زوزو" التي جسَّدها الفنان محيي إسماعيل، وهو الشخص المثقف، ولكنه معقد ويثير سخرية زملائه وضحكهم بسبب أفكاره الغريبة. وحديثاً، كان هناك فيلم "من 30 سنة" الذي ظهرت فيه شخصية "حنان البغدادي" الشاعرة "السكندرية" الفقيرة التي تسعى للشهرة الأدبية حتى لو كانت تلقي شعراً حلمنتيشياً غير مفهوم.

لذا -عزيزي القارئ- إذا أخبرك أحدهم بأنه مثقف وعميق، فتأكَّد أولاً هل هو بالفعل مثقف حقيقي أم أنه فقط شخص يحب القهوة ويعشق فيروز ويلتقط صوراً بجانب المطر!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
إنجي الطوخي
صحفية مصرية
كاتبة صحفية، تعمل حالياً بجريدة الوطن المصرية، وسابقاً في الشروق المصرية، حاصلة على بكالوريوس الإعلام من جامعة القاهرة. درست في الجامعة اللبنانية الأمريكية (دراسات إعلامية)، حصلت على العديد من الدورات التدريبية في رويترز، ومعهد جوته الألماني، والجامعة الأمريكية بالقاهرة. عملت في مؤسسة سمير قصير لحرية الصحافة خلال عام 2015، متخصصة في كتابة القصص الإنسانية، أؤمن بأن لبعض الكلمات تأثيراً يفوق الرصاص.
تحميل المزيد