تعيد الولايات المتحدة، الإثنين 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، فرض دفعة ثانية من العقوبات على إيران وتستهدف قطاعي النفط والمال الإيرانيين، فيما وصفها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأنها "أقوى عقوبات تفرض حتى الآن" على الجمهورية الإسلامية.
تأتي العقوبات نتيجة انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مايو/أيار من الاتفاق النووي المبرم بين إيران والقوى الكبرى.
وكانت واشنطن أعادت فرض الدفعة الأولى من العقوبات في أغسطس/آب الماضي.
"النظام الإيراني يجب أن يغيّر سلوكه"
والقرار الأميركي يعني منع كل الدول أو الكيانات أو الشركات الأجنبية من دخول الأسواق الأميركية في حال قرّرت المضي قدماً في شراء النفط الإيراني أو مواصلة التعامل مع المصارف الإيرانية.
ويمكن أن يؤثر ذلك على أسواق النفط العالمية رغم أن الولايات المتحدة منحت إعفاءات مؤقتة لثماني دول بينها تركيا، ويحتمل الصين والهند، لمواصلة استيراد النفط الإيراني. وسيتم إعلان هذه اللائحة الإثنين.
ونظام الإعفاءات هذا مماثل لذلك الذي اعتمدته الولايات المتحدة بين عامي 2012 و2015 قبل التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران، والذي تم التفاوض عليه في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لشبكة "سي بي إس" الأحد، إن "العقوبات الأميركية سيعاد فرضها منتصف الليل"، مضيفاً أن النظام الإيراني يجب أن يغير سلوكه.
وأضاف أن هذه العقوبات "هي الأقوى التي تفرض حتى الآن" على إيران.
"ترامب ألحق العار بالولايات المتحدة"
وقد اعتبر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي، السبت، أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب "ألحق العار" بالولايات المتحدة قائلاً "في إطار هذا التحدّي المستمر منذ 40 عاماً، الطرف الخاسر هو الولايات المتحدة والطرف الرابح هو الجمهورية الإسلامية".
وتترقب أسواق النفط تداعيات هذا القرار الأميركي. وقال ريكاردو فابياني، المحلل لدى "انرجي اسبكيتس": "كل الانظار تتجه إلى الصادرات الإيرانية، وما إذا سيكون هناك أي التفاف على العقوبات الأميركية ومدى السرعة التي سيتراجع فيها الإنتاج".
ويشكل النفط أبرز عائدات إيران، لكنه سلاح ذو حدين؛ لأن إيران هي أيضاً ثالث أكبر منتج في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).
والدفعة الأولى من العقوبات خلفت أساساً تداعيات اقتصادية على الإيرانيين مع تراجع العملة الوطنية وخسارة أكثر من ثلثي قيمتها منذ مايو/أيار.
التداعيات المحتملة للعقوبات النفطية الأميركية على إيران
رأى جاكوب فنك كيركغارد، أحد كبار الباحثين في معهد بيترسون للاقتصاديات الدولية بواشنطن، أن العقوبات الأميركية على إيران، "ستضع بدون شك ضغوطاً تصاعدية على أسعار النفط"، على المدى القصير، وستكون أكثر عدوانية من العقوبات السابقة.
واليوم الإثنين، تدخل الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران، حيّز التنفيذ، تطال على وجه الخصوص صناعة النفط في البلاد، وتعاملات مالية.
وقال الخبير الاقتصادي، إن العقوبات من شأنها أن ترفع أسعار خام برنت إلى 100 دولار للبرميل الواحد، مضيفاً: "مع ذلك أشك بأن الرئيس دونالد ترمب سيذهب إلى هذا الحد".
وطالت حزمة العقوبات الأولى، منع طهران من شراء النقد الأجنبي من الخارج، وقيود على تجارة المركبات والطائرات، وأخرى واردات سلع غذائية وتقييد صادرات السجاد.
"كيركغارد"، رأى أن العقوبات ستكون "سيئة" للاقتصاد العالمي، وقال في هذا الصدد: "على المدى الطويل، برأيي، بما أنه ليس هناك فرصة لأن تغير إيران سياساتها، هذه العقوبات ستعني انخفاض معروض النفط، وارتفاع سعر النفط العالمي، لذا ستكون (العقوبات) نبأ سيئاً للاقتصاد العالمي".
وأضاف: "غير أن الاقتصاد العالمي سيعتمد تماماً على رغبة الدول الأخرى، وخاصة الاتحاد الأوروبي والصين، في تجاهل العقوبات الأميركية وشراء النفط الإيراني على أية حال".
واعتبر أيضاً، أن السبب الرئيسي لإجراءات الولايات المتحدة ضد إيران، هو كره ترمب لأي شيء فعله الرئيس السابق باراك أوباما.
"خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، هي من ضمن النجاحات التي حققها أوباما في سياسته الخارجية، لذا يريد ترمب ببساطة تخريبها"، يضيف الخبير.
أوروبا والتجارة
على صعيد مواز، توقع أن تخرج الشركات الأوروبية متعددة الجنسيات من إيران؛ لأنهم سيولون قيمة وأهمية لعملياتهم في الولايات المتحدة، أكثر من تثمينهم للفرص المتاحة في السوق الإيرانية.
وأشار في الوقت ذاته إلى أن العديد من الشركات الأوروبية الصغيرة ومتوسطة الحجم، التي إما لا وجود لها في الولايات المتحدة، أو ليس لها مبيعات هناك، ستحاول على الأرجح مواصلة تعاملاتها مع إيران.
وأوضح الباحث في المعهد الدولي، أن "التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران يمكن أن تستمر بمستوى منخفض، لكن ستظل مرتفعة نسبياً بعد العقوبات الأميركية.
والأمر الرئيسي سيكون ما إذا سيطبق الاتحاد الأوروبي قواعد تحمي مصافي النفط الأوروبية من العقوبات الأميركية، وبذلك يمكن تكرير النفط الإيراني المستورد، وبيعه في أوروبا".
الصين وروسيا
"آن لويس هيتل"، وهي نائب رئيس "ماكرو أويلز" لدى شركة "وود ماكينزي" الدولية المتخصصة في استشارات الطاقة، قالت، من جهتها، إنه بالنسبة لعام 2018، فإن العقوبات الأميركية على صادرات النفط الإيرانية، هي العامل الرئيسي في ارتفاع أسعار الخام الأخيرة.
وأضافت أن "التجار يردون على إلغاء أكثر من 1.1 مليون برميل باليوم من صادرات النفط، من السوق، في وقت نتوجه فيه إلى فصل الشتاء حيث يزداد فيه الطلب (على الطاقة)".
وتابعت المحللة: "من دون العقوبات، لكان لدينا وفرة في المعروض في النصف الثاني من العام 2018".
وأضافت أنه نظراً لهذا الوضع، "فإن أسعار النفط خلال هذا العام زادت 10 إلى 15 دولاراً للبرميل الواحد".
بدوره، قال هومايون فلكشاهي، كبير محللي البحوث لدى وود ماكينزي، إن الشركات الوحيدة العاملة في إيران هي صينية وروسية، مثل مؤسسة البترول الوطنية الصينية (CNPC)، وشركة الصين للبتروكيماويات (Sinopec) وشركة JSC Zarubezhneft، وهي شركة نفط روسية تديرها الدولة.
وأضاف: "على أية حال استكملت شركتا CNPC و Sinopec مؤخراً المشاريع التي شاركت فيها في حقلي شمال أزاديجان ويدافاران في إيران، وهما الآن يتلقيان مدفوعاتهما على شكل شحنات نفط".
وتابع أن الشركتين الآن "لديهما الخيار لدراسة تمديد عقودهما السابقة أو الخروج بشكل كامل".
وأوضح فلكشاهي أن "العلاقات السياسية بين إيران والصين قوية، لذا يعتقد هذان البلدان أنهما سيواصلان التفاوض مع شركة النفط الوطنية الإيرانية على هذين الحقلين من أجل المرحلة الثانية من تطويرهما".
ولفت إلى أن شركة Zarubezhneft الروسية تبدأ أيضا مشروعاً وقع الطرفان اتفاقية بشأنه في مارس/آذار، مشيراً إلى أن "الشركة مكشوفة فقط لفيتنام، وبالتالي فإن فرض العقوبات لن يكون لديه تأثير كبير على مشروعها".
واستطرد الباحث: "من جانب آخر، كانت الشركات الأوروبية في الخط الأمامي لدخول إيران"، مضيفاً أن "إعادة فرض عقوبات ثانوية ضد إيران تجبرهم على التراجع والتخلي عن خططهم الآن".
وتابع قائلاً: "في الواقع، ستحتاج الشركات المكشوفة على الولايات المتحدة إلى إعفاء (من العقوبات)، لتصبح قادرة على استثمار أكثر من 20 مليون دولار سنوياً في قطاع الطاقة الإيراني.
وقد أشارت شركة توتال (الفرنسية)، التي وقعت عقداً بقيمة 4.9 مليار دولار لتطوير مشروع جنوب باريس المرحلة 11، إلى أنه لا خيار أمامها سوى الخروج من المشروع".
العقوبات وتركيا
تستورد تركيا تقريباً نصف نفطها من إيران؛ وبالنسبة لأنقرة، يسهّل القرب الجغرافي استيراد النفط من طهران، إلا أن البلاد خفضت حجم مشترياتها بعد إعلان العقوبات الأميركية.
وعقدت الحكومة التركية محادثات مع الولايات المتحدة، حول إمكانية إعفاء أنقرة من عقوبات النفط المرتقبة على إيران.
والجمعة الماضي، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز، أن لديهم معلومات بأن تركيا ستحصل على إعفاء من العقوبات الأميركية على إيران، لكن ليس لديهم كل التفاصيل بعد.
في أوائل مايو/أيار الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الموقع بين إيران والقوى الكبرى.
وبموجب الانسحاب، أعلن ترمب استئناف عقوبات كانت مفروضة قبل الاتفاق، دخلت الحزمة الأولى منها حيز التنفيذ، في أغسطس/آب الفائت.