سأنتظرُ نورَ وجوهِكم لأتمعَّن بها يوماً بعد الآخر، سأحفظها عن ظهر قلب، سأُحلّل نظراتِكم، وأحلامَكم، وشغفَكم، وسأحرص على تفردكم، وقد أحرص على رحيلِكم، كما تتمنَّون، سأدلُّكم على المكتبة التي لم تقوموا بزيارتِها يوماً، وسأُجبركم على شراءِ كتاب المادة الذي تتثاقلون من حمله.
سأستاءُ مِن شقاوة بعضكم، وأحياناً من صمتكم، وسأُحبَط عندما أراكم محبطين، سأقاوِم ملَلَكم، وسأُعلن بكلِّ حماقة أنكم جيلٌ لا يصلُح لشيء، سأغضب من تصرفاتِ بعضكم، سأنهزِم أحياناً في نقاشاتِكم، سأسحب هواتفَكم، وأتهمكم بالغش، وأحياناً بالغرور، وأتساءل أخيراً: لماذا كلُّ ذلك؟ وأبحث لي ولكم عن مبررات.
اليوم أودِّع جيلاً وأستقبِلُ آخر، وأعلم أنّ الأمور ليست على ما يُرام؛ فكلّ شيء يتدهور باستمرار، حتى أنا نفسي لستُ على ما يرام، أو أنني اكتشفتُ ما لم يكن في معلومي، اكتشفتُ أن معدل التدهور يتسارع باستمرار، اكتشفتُ أن مقولة: "التعليم كالماء والهواء" أي أن التعليم بالمجان كما الماء والهواء مقولةٌ مُضحكة، مُبكية وكاذبة… فلا شيء بالمجّان، ولا شيء على حاله، فلا الماء كالماء، ولا الهواء كالهواء، فكيف يكون التعليم كالماء والهواء؟!
ستكبُرون لتكتشفوا ألا شيء بالمجان، حتى الحقُّ في العيش ليس بالمجان، وبأننا نشتري حقَّ الهواء بأموالنا، ومنكم مَن انتقَلَ مع أهله للعيش هنا فهو يعرف ذلك حقَّ المعرفة، ستكبرون لتكتشفوا أنكم متأخرون مئات السنين!
ففي كل نقصٍ زيادة بأمر ما، فنقص القراءة والتعلم والتفكر سيزيد ضلالكم، وضلالكم سيزيد ظلمكم، وظلمكم سيزيد من ضعفكم، وضعفكم سيزيد ضياعَكم وانهزامَكم.
أن تتفكروا يعني أن يصبح كلُّ شيء محتملاً، يعني أن تتوغلوا داخل أنفسكم بحثاً عن الماء والهواء والتعليم؛ ليتضح لكم طريقُ النور.
يقول فولتير: "يجب أن تفكر أنت، فكّر لنفسك، يجب أن تتشكك في كل ما يقال لك، إذا أخطأت فلأنني حاولت أن أعرف، إذا عرفت فإنني أخطئ، لأن الذي عرفته قليل جداً، والذي لا أعرفه كثير جداً، ولأن عقلي صغير ووقتي قصير، ولكن لا يهم ما الذي فهمت وكيف أخطأت، المهم أنني حاولت وسوف أمضي في المحاولة، وخير لي أن يشنقوني لأنني حاولت فأخطأت من أن يتوّجوني لأنني ماطلت وكذبت وانخدعت وخدعت".
أعرف أنكم ستنسَون وجودي فورَ انتهاءِ الفصل الدراسي، فكثيرون قبلَكم وعدوا أن يبقَوا على اتصالٍ، وأخلفوا الوعد.
لا ألومُهم، ولم ألُمْكم، أعرف أن الحياة ستُنسيكم هذه المرحلة، وكلّ ما تجاوزتموه قبلَها، وأعرف أننا قد نلتقي يوماً، ولكن كالأغراب، ستعلمكم الحياة كيف تتناسَون، ستنسون كلّ الوجوه والأشخاص التي مرّت بكم يوماً، وما سُمي الإنسان إنساناً إلا لأنه ينسى، ولكن لا تفقدوا أحلامَكم، ولا تُيئسكم الحياةُ بكل ما فيها، بل اعملوا على التغيير، كافحوا، تشبَّثوا بالحقيقة، وابحثوا عنها حتى تصلوا إليها.
أعرف أنكم تنتظرون التخرّج بشوق، أعرف أنكم تتمنَّون انتهاءَ هذه المرحلة بلهفة، ستنتهون منها، وستحتفلون بانتهائكم بأمسية فرح، أو احتفال موسيقي، لاعتقادكم أنكم انتصرتم وحُرّرتم… أو هكذا تعتقدون.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.