نقلت تقارير صحفية عن مصادر بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، أن "الإدارة توصلت إلى أنها لا يمكنها فعليا الحد من سلطة الأمير محمد بن سلمان، بعد الاستثمار بقوة في شخصه، باعتباره المحرك الرئيسي لسياسات أميركا في المنطقة، وتحت ضغط حلفائه الداعمين له —لاسيما قائدي مصر وإسرائيل.
وقالت صحيفة New York Times إن لمسؤولون بالبيت الأبيض من مكالمةٍ هاتفية جرت يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول مع الأمير محمد بن سلمان أنَّه اعتبر جمال خاشقجي، المُقيم بولاية فرجينيا والكاتب بصحيفة The Washington Post الأميركية، إسلامياً خطيراً، وذلك بحسب ما صرح به شخصان مُطَّلِعان على المكالمة، وبالتالي فإنَّ المسؤولين علِموا بأنَّه كان ليه دافع للقتل.
عوضاً عن ذلك، انضم البيت الأبيض إلى حكومات المنطقة في دراسة تأثير وصمة قتل خاشقجي على قدرة ولي العهد على الحكم، وكيفية الاستفادة من ضعفه المحتمل.
وقالت مها يحيى، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت للصحيفة إن "الجميع يحاولون الاستفادة من ذلك". وأضافت أنَّه في ظل حاجة ولي العهد الآن إلى مساعدة خارجية لإعادة تأهيل نفسه، فإنَّ "الجميع يحاول تحويل هذا إلى مصلحته والحصول على ما أقصى المكاسب الممكنة".
إنهم يطلبون الآن إنهاء حرب اليمن وحصار قطر
وقال الأشخاص المطلعون على طريقة تفكير إدارة ترمب إن هذا بالنسبة لإدارة ترمب يعني الضغط على ولي العهد لاتخاذ خطواتٍ لتسوية الحصار الذي تقوده السعودية على قطر، والقصف الذي تقوده السعودية على اليمن. وقد أصدر وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس ووزير الخارجية مايك بومبيو دعوات لوقف إطلاق النار في اليمن كجزء من تلك الخطة.
ويقترحون تعيين رئيس وزراء قوي للملكة
وأضاف المسؤولون المُطَّلِعون أنَّ مسؤولين بإدارة ترمب ناقشوا اقتراحات مثل حثّ الملك سلمان، والد ولي العهد والبالغ من العمر 82 عاماً، على تعيين رئيس وزراء قوي أو مسؤول كبير آخر للمساعدة في الإشراف على شؤون الحكم اليومية أو السياسة الخارجية.
لكن هذه الأفكار سرعان ما جرى إهمالها، لأنَّ أحداً لن يخاطر بتولي هذا المنصب أو يجرؤ على الظهور في مظهر المُواجِه لولي العهد في ظل سيطرة الأخير على الأجهزة الاستخباراتية والأمنية السعودية، فضلاً عن كلمته المسموعة لدى الملك.
لكن بن سلمان لن يتخلى عن كل هذا النفوذ
ويقول باحثون ودبلوماسيون إنَّه من غير المُتصور أن يتخلى ولي العهد عن سلطته بالطريقة التي قد يقبل بها مسؤولٌ في حكومةٍ غربيةٍ دوراً محدوداً أو مسؤولياتٍ يتشاركها مع غيره. ويقولون إنَّ السلطة في النظام الملكي المطلق في السعودية تتعلق بالفرد وليس بالمنصب.
ونقلت الصحيفة عن أفراد في العائلة الملكية وسعوديين آخرين أن الشئ الوحيد الذي أكده قتل خاشقجي هو قدرة ولي العهد على إرهاب الآخرين داخل المملكة، بل وحتى داخل عائلته.
إذ فقد الكثير من أفراد العائلة الملكية بالفعل أموالاً ونفوذاً بسبب التصاعد السريع لنفوذ الأمير محمد بن سلمان خلال السنوات الثلاثة الماضية. وضاعف الضرر الذي لحق بسمعتهم منذ مقتل خاشقجي من قلقهم.
والعائلة لا ترى بديلا عن هيمنته على كل شيء
يتهامس البعض عن وجود مؤامرةٍ بعد عودة عمه الأمير أحمد بن عبدالعزيز هذا الأسبوع إلى الرياض، والذي عارض تعيين الأمير محمد ولياً للعهد ثم بدا منتقداً لحكمه.
لكن عودة الأمير أحمد من لندن ربما لا تكون إلا إشارة على تضامن الأسرة. إذ قال أحد أعضاء فرع من العائلة الملكية تضرر من صعود ولي العهد، إنَّ العائلة لا ترى حتى الآن بديلاً عن هيمنة الأمير محمد بن سلمان. وأضاف لـ New York Times "إنَّهم يكرهونه، لكن ما الذي يستطيعون فعله؟ إن تحدَّثت، سيزجون بك في السجن، في حين أنَّ الدول الأخري تريد شراء النفط وبيع الأسلحة للمملكة. سأشعر بحزن شديد إن رأيته يفلت مما فعله".
وربما يكون من الخطر أن تحاول العائلة تقييده
ونقل التقرير عن دبلوماسي غربي على درايةٍ بمحمدٍ بن سلمان أنه "إذا تم تقييد محمد بن سلمان، سيحاول التخلص من قيده، وسيُمثِّل خطورة على مَن يعتقد أنَّهم حاولوا فعل ذلك به".
غير أن فعالية الأمير محمد في السياسة الإقليمية تمثل سؤالاً مفتوحاً أكبر، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن مقتل خاشقجي دفع الكثيرين في الغرب إلى إعادة تقييم فصول أخرى من ماضيه الحديث.
وهناك عدد متزايد من المسؤولين الغربيين الحاليين والسابقين يؤكدون الآن علنا أن أحداثا سابقة، مثل الحرب في اليمن واختطاف رئيس الوزراء اللبناني، باتت تصور في ضوء مقتل خاشقجي الأمير الشاب باعتباره عدوانياً على نحوٍ خطير، ومندفع، ومزعزع للاستقرار، حسب نص تقرير New York Times.
وقال أندرو ميلر، نائب مدير السياسة في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط والمسؤول السابق بالخارجية الأمريكية وأحد ذوي الخبرة في المنطقة، بأنَّ الوصمة العالقة على ولي العهد على الأرجح ستعرقل وضعيته كحليف للحكومات الغربية في المنطقة، حيث جادل أساساً باتخاذ موقف متشدد تجاه إيران، "لأنه يقوم بنفس الأفعال التي ينتقد إيران لأجلها".
واقتراحه البديل قد يكون العمل تحت مظلة شقيقه خالد
ولتهدئة المخاوف الغربية التي أثارها مقتل خاشقجي، يعتزم الأمير محمد بن سلمان إضفاء الطابع الرسمي على بعض عمليات صنع القرار، ويُظهِر للغرب أنَّه يتخذ خطواتٍ لتفادي مثل هذه الحوادث، وذلك وفقا لما ذكره شخصان على دراية بهذه الخطط.
لكن بدلاً من إشراك كبار رجال دولة، سيقوم الأمير محمد بتلك الإجراءات تحت سلطة شقيقه الأصغر خالد بن سلمان (30 عاماً). وكان خالد سفيراً للسعودية لدى واشنطن منذ العام الماضي، ومن المتوقع الآن أن يصبح مستشاراً للأمن القومي بصورةٍ ما.
ولكن تبقى مكانته ثابتة بسبب أهمية هذه المصالح
قال الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، مُخاطِباً موقع Defense One العسكري: "لا يوجد تغيُّر في أي علاقاتٍ عسكرية لنا مع المملكة العربية السعودية".
وأشارت شخصياتٌ بارزةٌ في المجال المالي إلى أنَّهم أيضاً يعتزمون النظر في ما بعد القتل. فقال جون فلينت، الرئيس التنفيذي لبنك HSBC، لوكالة Reuters "إنَّني أتفهَّم المشاعر المُتعلِّقة بالأمر، لكن من الصعب جداً التفكير في فك الارتباط مع السعودية، نظراً لأهميتها بالنسبة لأسواق الطاقة العالمية".
وقال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك JP Morgan Chase، إنَّه "لم يحقق شيئاً" من خلال الإمتناع عن حضور مؤتمر الأمير محمد بن سلمان للاستثمار، وإنَّه يتوقع أن يواصل بنكه العمل مع المملكة.
وقالت مها يحيى، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إنَّ مثل هذه الردود تبعث برسالة توجيهية إلى الزعماء العرب الآخرين مفادها: "يمكنكم أن تكون أكثر وحشية مما أنتم عليه فعلاً. فقط كونوا أكثر ذكاء في المرة القادمة، ولا تقتلوا صحفياً معروفاً داخل قنصلية".