فهم المشاعر الداخلية والتعبير عنها عالمٌ خاصٌ آخر؛ لأن اكتشاف المشاعر الخاصة والقدرة على التحكم فيها وتغييرها هي ما يغيرنا خارجياً..
هل تعاني؟ هل تشعر بمعاناة أناس حولك لا يعيشون بصحة نفسية جيدة؟ لا تسير حياتهم كما يتمنون أو محبطين ولا يعرفون السبب وراء هذه المشاعر المنخفضة التي تتراوح بين عدم القبول ورفض وضعهم الحالي؟
كي نتعلم التعبير عن العالم الداخلي وفهمه، علينا فهم مشاعر المعاناة النفسية، أصلها ومصدرها.
المعاناة هي على مستوى عميق، حالة رفض لحدث ما أو مجموعة أحداث، أصلها العقل والأفكار التي نتبناها، نحن نعاني عندما نرفض التيار الطبيعي للأحداث، ونريد إجبارها بأن تقع حسب توقعاتنا وأحلامنا أو أفكارنا.
المعاناة النفسية هي الإبحار عكس التيار. أصلها العقل، والعقل وحده هو المسؤول عن مشاعر المعاناة والرفض والإكراه التي نعيشها تجاه أي حدث تختاره الحياة أو الطبيعة أو الله.. لأن ـ ببساطةـ هذه الخيارات لا تلائم ما وضعناه مسبقاً من تخطيط أو توقعات فيما يخصّ هذا الحدث، فتنشأ حالة عدم قبول وإكراه نفسي، سواء في العلاقات أو العمل.
تحدث هذه المعاناة مثلا عند الانفصال في العلاقات العاطفية ، بقرار من طرف واحد، فيبقى الطرف الآخر في حالة رفض داخلي لما حدث، ولو كان بداخله يشعر بأن "كل شيء على ما يرام" إلا أن جزءاً آخر مرتبط بعقله يرفض هذا الانفصال لأنه لم يكن يتوقعه، أو لا يريد الشعور بالخسارة، بالوحدة.. الخ.
إن مثال العلاقات هو الأسهل لأنه الأقرب إلى حياتنا كأشخاص ولأنه الموضوع الأكثر حساسية في مجموعة الأحداث والقرارات التي تؤثر على وعينا، لكن المعاناة الناتجة عن العقل المحدود تحدث أيضاً عندما نصاب بمرض، أو نخسر وظيفة، أو نفقد أحد الوالدين.. إلخ.
المعاناة هي العناد على المسير شرقاً، بينما يريدك الله في الغرب.
عكس المعاناة هي التقبل، و"السماح". السماح للأحداث الطبيعية أن تحدث كما تريد وتقبلها والثقة بأن "كل شيء على ما يرام" حتى لو لم نكن نريد ذلك، عكس المعاناة هي الثقة المطلقة بالحياة والاعتراف بمحدودية العقل الواعي، وأنه لو لم نحصل على ما نريد، فإن ذلك لا يغير شيئا من قيمتنا وأحلامنا ووجهتنا والفرص المتاحة الباقية أمامنا..
إنّ فهم أن معاناتك مرتبطة بعقل محدود بأفكار ليست من المسلمّات، ممكن أن تكون صحيحة أو أن تكون خاطئة، اكتسبناها تراكمياً من الوالدين والبيئة والمجتمع يخفف تلقائياً من المعاناة لأنه يقلل من أهميتها، ويفصلنا عن الشعور بالألم أو النقص الناتج عنها، وبالتالي يعطيك الشعور بأنك قادر على السيطرة عليها.
في كل مرة تشعر أنك عالقٌ في معاناتك الخاصة انتبه أن هذه المشاعر هي من رأسك، وأنها من الممكن أن تكون غير حقيقية (على الأرجح أنها بالتأكيد كذلك).
إن أكثر مخاوفنا ومشاعرنا السلبية تختفي بنسبة 90% عندما نعترف بها ونفهم آلية عملها. وضع الإصبع على مكان الألم ومعرفة سببه يخفف من كمية الألم بشكل لا واعٍ، تماماً كما تشعر بالألم الجسدي ونمرض، فإن تشخيص المشكلة والمرض ومعرفة طريقة علاجه يقلّل من أهمية الأمر، وتبقى فقط الأعراض الجسمانية التي "نعي" أنها مسألة وقت وتنتهي.
لكن المثير أن أكثرنا يخاف حتى من وضع اصبعه على مشاعره السلبية ومعاناته لأسباب نفسية أخرى مرتبطة بدوائر الراحة والإدمان على شعورنا السلبي ولذة الاستمرار في دور ضحية الأحداث الخارجية. يمكننا طبعاً البقاء في هذه الدوائر والأدوار، لكن الثمن الحقيقي الذي ندفعه حقاً هو استمرار الأحداث الخارجية وعدم تغييرها، لأن القاعدة الذهبية الأولى للتغيير هي تلك التي تبدأ من الداخل، من العالم الخاص للمشاعر.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.