أطلَعَت مديرة الاستخبارات الأميركية جينا هاسبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس الخميس 25 أكتوبر/تشرين الأول، على تفاصيل زيارتها هذا الأسبوع إلى تركيا، حيث استمعت إلى تسجيل صوتي يُوثِّق واقعة مقتل جمال خاشقجي، في الوقت الذي أقرت فيه الرياض بأنَّ عملاء استخباراتيين قتلوا الصحافي السعودي المعارض في عملية "مُدبَّرة مسبقاً".
وفي آخر تراجع للسعودية عن روايتها حول ما حدث، أصدر النائب العام في الرياض بياناً أول أمس، الأربعاء 25 أكتوبر/تشرين الأول، أشار فيه إلى أنه تلقّى معلومات من الجانب التركي من فريق التحقيقات المشترك بين البلدين تكشف أنَّ جريمة قتل خاشقجي كانت متعمدة؛ ما يسلط الضوء مباشرة على التساؤلات حول هوية من أصدر الأمر بقتل خاشقجي، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأميركية.
لا يمكن أن يكون الأمر دُبِّر دون علم ولي العهد؟
من جانبهم، استبعد مسؤولون استخباراتيون ومشرّعون أميركيون أنَّ تكون نُفِّذَت عملية قتل لأحد معارضي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أرض أجنبية دون معرفة كبار القادة في المملكة.
يُذكَّر أنَّ خاشقجي شوهد للمرة الأخيرة عند دخوله القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية في 2 أكتوبر/تشرين الأول. ورغم أنَّ السلطات السعودية أصرّت على مدى أسابيع أنَّ خاشقجي غادر مبنى القنصلية عقب لقاء مسؤولين هناك به، وأنها ليست لديها معلومات حول مكان وجوده، أعلنت يوم السبت الماضي، 20 أكتوبر/تشرين الأول، أنَّ المحققين توصلوا إلى أنَّ خاشقجي قُتِل خطأً خلال شجار مع مجموعة من العملاء السعوديين. وذكرت السلطات أنَّ هؤلاء العملاء كانوا هناك لمناقشة رغبته في العودة إلى المملكة، دون الإشارة إلى من أرسلهم.
وأضافت السلطات السعودية، في البيان الذي أصدرته يوم السبت، أنَّ 18 سعودياً اعتُقِلوا دون الكشف عن أسمائهم، إلى جانب إقالة 5 مسؤولين كبار. وأعلنت كذلك تشكيل لجنة رفيعة المستوى تتولى إعادة هيكلة أجهزة الاستخبارات السعودية -التي يرأسها ولي العهد- وإجراء تحقيقات سعودية تركية مشتركة في مقتل خاشقجي.
وأكد الملك سلمان ونجله الأمير محمد مراراً للرئيس الأميركي دونالد ترمب ووزير خارجيته مايك بومبيو، الذي سافر إلى السعودية الأسبوع الماضي، أنهما لم يكن لديهما أي علم بوجود مخطط لقتل خاشقجي.
وفي البداية، وصف ترمب التفسير السعودي، الذي جاء في بيان يوم السبت، بأنه قابل للتصديق. ثم ما لبث أن أعرب ترمب في الأيام الأخيرة عن شكوكه قائلاَّ إنَّ محاولة التستر على مقتل خاشقجي هي "أسوأ عملية تغطية شهدها التاريخ"، دون أن يوجه مع ذلك اتهاماً مباشراً للسعودية. ولكن في المقابل، أعلن بومبيو سحب تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة من السعوديين الذين اعتقلوا للاشتباه بتورطهم في مقتل خاشقجي. ثم أرسل البيت الأبيض جينا هاسبل إلى تركيا الإثنين الماضي، 22 أكتوبر/تشرين الأول.
ويوم الثلاثاء، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علناً للمرة الأولى، بأنَّ هناك أدلة تثبت أنَّ عملية قتل الصحافي "مُدبَّرة" من بينها على الأرجح تسجيل صوتي يُزعَم أنَّ الاستخبارات التركية سجلته من داخل القنصلية.
البيت الأبيض رفض الإفصاح عن التفاصيل
وبحسب الصحيفة الأميركية، يعد هذا التسجيل محور الأدلة التي استندت إليها تركيا في تأكيداتها على أنَّ قتل خاشقجي كان "مُدبَّراً". وعقب الاستماع لفحواه والحديث مع مسؤولين أتراك، عادت هاسبل إلى واشنطن. ورفض البيت الأبيض الكشف عن تفاصيل اجتماعها بالرئيس ترمب، أمس الخميس، 25 أكتوبر/تشرين الأول، ولم يذكر سوى أنها أبلغت الرئيس بـ "نتائج (زيارتها) وما أجرته من مناقشات".
وتزامن اجتماع هاسبل، الذي ذكرت وزارة الخارجية الأميركية أنَّ بومبيو حضره، مع البيان الجديد الذي أصدره النائب العام السعودي، الذي بدا كأنه مصممٌ -على الأقل جزئياً- لاستباق أية استنتاجات قد تتوصل إليها الإدارة الأميركية في ضوء المعلومات الجديدة.
وذكر البيان السعودي أنَّ النتائج الأولية للتحقيق المشترك مع تركيا أثمرت "معلومات من الجانب التركي… تشير إلى أنَّ المشتبه بهم في مقتل خاشقجي قد أقدموا على فعلتهم بِنيَّة مسبقة". ونشرت السفارة السعودية في واشنطن ترجمة للبيان الذي صدر باللغة العربية.
وجاء في البيان المترجم: "النيابة العامة تواصل تحقيقاتها مع المتهمين في ضوء ما وردها من معلومات وما أسفرت عنه تحقيقاتها من وصول إلى الحقائق واستكمال مجريات العدالة".
ماذا ستفعل إدراة ترمب؟
ولم يتضح على الفور كيف سيؤثر تقرير هاسبل وإعلان الرياض في موقف الإدارة الأميركية في ظل مطالبات من أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس بتوقيع عقوبات مشددة على السعودية -الدولة التي تعتبر الركيزة في سياسة ترمب تجاه الشرق الأوسط. إذ رفض ترمب دعوات بوقف مبيعات الأسلحة للمملكة، أكبر مشتري أسلحة الدفاع الأميركية في العالم، قائلاً إنَّ ذلك سيكبد الولايات المتحدة خسارة الكثير من الوظائف.
بيَّد أنَّ الأحداث التي تعاقبت خلال الأسبوع الجاري أبرزت تنامي الضغوط سريعاً ضد السعودية لتوضيح ملابسات مقتل خاشقجي في ظل تزايد الشكوك عالمياً.
من جانبهم، يرجّح مسؤولون وخبراء أميركيون وأجانب على دراية بالشؤون السعودية أنه لا يمكن أن تكون مثل هذه العملية تمّت دون معرفة وموافقة كبار القادة في الحكومة السعودية، وبالأخص ولي العهد الطموح صاحب النفوذ. غير أنَّ تعيين الملك سلمان للأمير محمد رئيساً للجنة إعادة هيكلة جهاز الاستخبارات السعودي، وظهور ولي العهد الأسبوع الجاري في مؤتمر الرياض للاستثمار في استقبال مسؤولين حكوميين وشخصيات تجارية بارزة من دول عدة ساهم في دحض التكهنات بأنَّ منصبه في خطر، بحسب الصحيفة الأميركية.
وفي حديث لولي العهد أمام المؤتمر، أول أمس الأربعاء، 24 أكتوبر/تشرين الأول، وصف الأمير محمد بن سلمان مقتل الصحافي بأنه "جريمة بشعة".
السعودية تسعى لاحتواء الأزمة
وفي إشارة أخرى على أنَّ المملكة تسعى لاحتواء التبعات واسعة النطاق لمقتل الصحافي، كشف شخصان مقربان لعائلة الصحافي الراحل، أمس الخميس، أنَّ صلاح، الابن الأكبر لجمال خاشقجي، غادر السعودية. وكان قد صدر مسبقاً ضد صلاح، الذي يحمل الجنسية الأميركية إلى جانب السعودية، أمراً بحظر سفره إلى خارج المملكة. والتُقِطَت له صورة يوم الثلاثاء، 23 أكتوبر/تشرين الأول، بينما يتلقى التعازي من الملك سلمان وولي العهد.
وأشار أحد المصدرين إلى أنَّ صلاح خاشقجي توجّه إلى الولايات المتحدة لينضم إلى أشقائه الثلاثة، الذين يقيمون هناك بالفعل.
ونشرت الحكومة السعودية الصور ومقاطع الفيديو التي تسجل لقائه بالملك وولي العهد؛ في محاولة واضحة لاستعراض تعاطفها. وبدلاً من تحقيق النتائج المرجوة، أثارت تلك الصور الاستنكار بين رواد الشبكات الاجتماعية، فيما اتهم منتقدون القيادات السعودية بأنها تستغل نجل خاشقجي.
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية روبرت جيه بالادينو، في تصريحات صحافية: "أوضحنا أننا نرغب في أن يتمكن من العودة (إلى الولايات المتحدة)، ومسرورن لأنه تمكَّن من فعل ما يرغب به". وبسؤاله حول ما إذا كان نجل خاشقجي واجه صعوبات لدى مغادرته المملكة، أجاب بالادينو: "لم يتنامَ إلى علمي" تعرّضه لأي منها.
وكان جمال خاشقجي، الذي رحل عن عمر يناهز 59 عاماً، كاتب أعمدة مساهماً في صحيفة Washington Post الأميركية. وأقام في ولاية فيرجينيا الأميركية عقب مغادرته السعودية نبعاً من شعوره بالخوف على سلامته. وكان يخطط للاستقرار في مدينة إسطنبول التركية والزواج من خطيبته تركية الجنسية، حين احتُجِز وقُتل في القنصلية السعودية هناك.
إلى جانب ذلك، أصدر الاتحاد الأوروبي، أمس الخميس 25 أكتوبر/تشرين الأول، إدانة جديدة لمقتل خاشقجي، وأعرب مجدداً عن شكوكه في إمكانية أنَّ تكون عملية القتل قد تمت دون عِلم الأمير محمد بن سلمان.