في أكتوبر/تشرين الأول 2018، كان من المزمع أن يصل محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى باريس لحضور اجتماع مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقد تم إلغاء الزيارة قبل موعدها ببضعة أيام.
وذكرت الرئاسة الفرنسية في بيان لها، أن باريس وأبوظبي تستعدان لتحديد موعد جديد للزيارة، دون إبداء أسباب إلغاء نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة لها.
علاقات ثنائية قوية
وبحسب صحيفة Middle East Eye البريطانية، يتمتع البلدان بعلاقات ثنائية قوية، يعززها حجم صادرات فرنسا إلى دولة الإمارات والتي بلغت قيمتها 5.17 مليار دولار خلال عام 2017؛ إذ تعد الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لفرنسا بين بلدان الخليج، بحسب تقديرات وزارة الخزانة الفرنسية. ويبلغ حجم التجارة الثنائية بين فرنسا والمملكة العربية السعودية 9.8 مليار دولار.
وعلاوة على ذلك، تؤدي صفقات السلاح الأخيرة، التي وقعتها فرنسا مع دولة الإمارات، إلى تعزيز التعاون بين الدولتين. فقد قامت الإمارات العربية المتحدة بشراء بارجتين حربيتين مضادتين للغواصات، قامت بتصنيعهما المجموعة البحرية الفرنسية؛ كما تمركزت قاعدة بحرية فرنسية في أبوظبي منذ عام 2009.
وترى الصحيفة أنه رغم العلاقة الجيدة بين باريس وأبوظبي، فإن هذا لم يمنع ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد، من إلغاء رحلته إلى فرنسا، فزعماء دولة الإمارات يواجهون مأزقاً شديداً، حيث يتزايد انعزال حليفهم الرئيسي بمنطقة الخليج، محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية.
وبلا شك، تشعر دولة الإمارات بالقلق بعد واقعة مقتل جمال خاشقجي، الصحافي السعودي الذي اختفى في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعد دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول، ثم لقي مصرعه على يد فريق اغتيالٍ سعودي.
و الأضرار التي لحقت بسمعة ولي العهد السعودي، تصيب أيضاً الأمير محمد بن سلمان،ولي العهد الإماراتي الأمير محمد بن زايد، الذي حاول جاهداً، إلى جانب مساعديه وممثليه في عواصم العالم، إظهار نظيره السعودي على أنَّه حامل مستقبل للمملكة.
ومع تفاقم الاتهامات الموجهة إلى الرياض ومطالبة الحكومات في أنحاء أوروبا (ومن ضمنها باريس) بتفسير ما حدث، يعتزم مسؤولو الإمارات العربية المتحدة دعم حليفهم بالمملكة. ويمكن تصور كيف أدت التوترات المتصاعدة إلى إلغاء رحلة محمد بن زايد إلى باريس.
المُعلم الناصح لولي العهد السعودي!
وتشير الصحيفة البريطانية إلى العلاقة القوية بين زايد وبن سلمان، وكيف أنه يتم تعزيز التحالف بين الإمارات والمملكة العربية السعودية بصورة أكبر من خلال العلاقة الشخصية.
حيث يُعتقد أن بن زايد هو المُعلم الناصح لولي العهد محمد بن سلمان، وأن هناك اهتمامات مشتركة ومتعددة بين الزعيمين، تتمثل في احتواء إيران، والقضاء على الإخوان المسلمين، وصياغة مستقبل منطقة الخليج من خلال الدعم السخي الذي تقدمه الولايات المتحدة.
وكثيراً ما تعد استراتيجية محور الرياض-أبوظبي، التي تنتهج سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، استراتيجية وحشية ومتغطرسة. ويعتبر اختطاف رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، منذ نحو عام، داخل المملكة العربية السعودية، مثالاً على ذلك.
وفي عموده بصحيفة Washington Post، كان خاشقجي ينزع إلى انتقاد أسس السياسة الخارجية السعودية؛ ولذلك كان يدافع عن تنظيم الإخوان المسلمين، ويطالب بإنهاء التدخل العسكري السعودي باليمن.
السياسة الخارجية الاستباقية لأبوظبي
وترى الصحيفة البريطانية أن أبوظبي لا تكتفي بالعلاقات الطيبة مع الرياض. فخلال السنوات الأخيرة، كشفت الإمارات العربية المتحدة عن طموحاتها السياسية والعسكرية فيما وراء منطقة الخليج. وعند مواجهة تركيا وما يُدعى "محور الإصلاح الإسلامي"، شرع محمد بن زايد في خوض معركة نقلته إلى خارج الحدود الإماراتية، من ليبيا إلى القرن الإفريقي.
ولدى دولة الإمارات طائرات فرنسية الصنع من طراز "ميراج 2000″، تتمركز في إحدى القواعد الجوية بدولة إريتريا (أساب). وتمتلك تركيا قاعدة عسكرية بالصومال. وفي ليبيا، تدعم تركيا وقطر الإخوان المسلمين بمصراتة، في حين تدعم الإمارات ومصر المشير خليفة حفتر.
وترفض فرنسا الوقوف إلى جانب أي من طرفي الصراع، وتحتفظ بعلاقات قوية مع الجانبين.
ومع ذلك، بالنظر إلى الخطر الإرهابي الذي يتهدد دول الساحل وليبيا، تعتمد باريس على دعم الرياض وأبوظبي لمساعدتها على تمويل مجموعة بلدان دول الساحل الخمسة (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا)، لاحتواء انتشار "حركة الجهاد".
وإلى جانب الحارس الأميركي والمستشار السعودي والصديق الفرنسي، يمكن أن تعتمد أبوظبي على شريك آخر من اختيارها، وهو روسيا. ففي السنوات الأخيرة، ظهرت الإمارات العربية المتحدة كشريك اقتصادي رئيسي لروسيا في منطقة الخليج.
ومن وجهة النظر السياسية، تجمع عقيدة القانون والنظام بين دولة الإمارات وروسيا (فيما يتعلق بتنظيم الإخوان المسلمين بصفة خاصة)، ولا يمكن استبعاد أي تعاون مستقبلي بشأن قضية اليمن.