منذ اكتشاف النفط رسمياً في السعودية قبل أكثر من نصف قرن، مازالت العلاقات العسكرية مع شركات تصنيع السلاح الأميركية مستمرة دون توقف، رغم بعض الخلافات التي قد تطرأ في العلاقة بين واشنطن والرياض، لكن ماذا سيفعل عمالقة السلاح هذه المرة، في ظل التوتر الناجم عن أزمة الإعلامي السعودي جمال خاشقجي؟
صحيفة The Washington Post الأميركية، اعتبرت الثلاثاء 16 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أن كبرى هذه الشركات التي لم تصرِّح حتى الآن حول قضية اختفاء أو اغتيال جمال خاشقجي، باتت في موقف صعب، في ظل حالة الغضب العالمي المتنامي ضد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وأضافت الصحيفة الأميركية، أنه في النهاية ستحاول هذه الشركات الإبقاء على مصالحها مع المملكة، التي تعد المستورد الأول للسلاح الأميركي في الشرق الأوسط، كما أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب لا يريد أن يخسر صفقة ثمنها 110 مليارات دولار مع المملكة.
90 مليار دولار اشترت بها السعودية سلاحاً من أميركا
ووفقاً لبيانات جمعتها وزارة الدفاع الأميركية، أنفقت السعودية منذ عام 1950 ما يقرب من 90 مليار دولار على أسلحةٍ اشترتها من شركاتٍ أميركية، فيما أنفقت العام الماضي وحده ما يقرب من 5.5 مليار دولار. وبينما قد يعد هذا مبلغاً ضئيلاً مقارنةً بما ينفقه البنتاغون، فهو كافٍ لأن تقيم شركات الأسلحة علاقةً مع السعودية وولي عهدها الشاب محمد بن سلمان.
لكنَّ المملكة خاضعة الآن للتدقيق بسبب اختفاء الصحافي المخضرم جمال خاشقجي، وقال مسؤولون أتراك إنَّهم يعتقدون أنَّه قُتل، وقُطِّعت جثته إرباً، أثناء زيارته إلى القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية قبل نحو أسبوعين.
وكان رد الفعل العالمي سريعاً ولاذعاً؛ إذ تراجع عدد متزايد من كبار المديرين التنفيذيين الأميركيين عن حضور مؤتمر استثماري سعودي من المقرر عقده بالرياض في وقتٍ لاحق من الشهر الجاري، أكتوبر/تشرين الأول. وقال ستيف كيس، مدير شركة الاستثمار التقنية، وجيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان تشيس، إنَّهما سيمتنعان عن الذهاب.
وقال ريتشارد برانسون مؤسس مجموعة فيرجين، إنَّه سيُعلِّق عمله مديراً لمشروعين سياحيين، وأعلن إلغاء المناقشات حول استثمار سعوديٍّ بقيمة مليار دولار في شركاته لسياحة الفضاء.
شركات السلاح ستشارك في المؤتمر!
وبحسب الصحيفة الأميركية، على النقيض من ذلك التزمت شركات الدفاع الأميركية الصمت، ولم يتجاوب المتحدثون الرسميون لدى شركتي بوينغ وريثيون مع طلبات التعليق، حول ما إن كان المديرون التنفيذيون سيلتزمون بحضور المؤتمر، وكذلك رفضت متحدثةٌ باسم شركة لوكهيد مارتن التعليق على الأمر.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إنَّه لا يريد تعريض صفقة الأسلحة الضخمة مع السعودية -التي يقول إنَّها تساوي 110 مليارات دولار- للخطر، مع أنَّ خبراء الدفاع شككوا في قيمة المبلغ، وقالوا إنَّه من الصعب معرفة عدد الوظائف التي سيهددها إلغاء الصفقات. وقال ترمب في حديثه يوم الأحد 14 أكتوبر/تشرين الأول، في مقابلة عبر برنامج "60 دقيقة" الذي يبث على شبكة CBS الأميركية، إنَّه لا "يرغب في اتخاذ خطواتٍ قد تضر بالوظائف المتاحة" لدى شركاتٍ مثل بوينغ ولوكهيد مارتن وريثيون.
وأضاف: "لا أريد خسارة صفقةٍ كهذه".
وفي ظل هذا الوضع الشائك، قال لورين طومسون، وهو استشاري لديه عملاء كثر من شركات الأسلحة الكبرى، إنَّه "على استعداد للمراهنة على أنَّ جميع ممثلي شركات صناعة الأسلحة سيلتزمون بالذهاب إلى المؤتمر، لأنَّ سوق الأسلحة السعودية أكبر من أن تتجاهلها أي شركة لصنيع الأسلحة، والقيادة السعودية أكثر حساسية من المخاطرة بشأنها".
تعتبر شركة لوكهيد مارتن، أكبر شركات الأسلحة في العالم، المملكة العربية السعودية عميلاً رئيسياً. وفي وقتٍ سابق من العام الجاري 2018، استضافت مارلين هيوسون، المديرة التنفيذية لشركة لوكهيد محمد بن سلمان، واصطحبته في جولةٍ عبر منشآت صناعة الأقمار الصناعية والدفاع الصاروخي للشركة في مدينة صنيفيل بولاية كاليفورنيا الأميركية.
وناقشا منظومة "ثاد" للدفاع الجوي، واتفقا على تصنيع قمرين صناعيين للاتصالات، كالتي تصنعها لوكهيد للولايات المتحدة.
أول من صدر سلاحاً للرياض
وتحظى شركة لوكهيد بوجود في المملكة العربية السعودية منذ عام 1965، وكانت أول طائرة نقل عسكرية تسلمها الشركة للمملكة السعودية من طراز C-130 هيركيوليز. ومنذ ذلك الحين، باعت الشركة للمملكة أنظمة دفاعٍ صاروخية ومروحيات وأقماراً صناعية وسفناً.
وقال تود هاريسون، محلل شؤون الدفاع في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إنَّ "السعودية هي إحدى أكثر الأسواق الأجنبية ربحاً بالنسبة لشركات تصنيع الأسلحة الأميركية؛ إذ تميل المملكة إلى شراء معدات متطورة. لديها الكثير من المال، ويمكنها اتخاذ قرارات سريعة بشأن شراء الأسلحة؛ لأنَّها ليس لديها الكثير من البيروقراطية".
لكنَّه أضاف أنَّه في الوقت نفسه "تتضاءل عائدات المبيعات إلى المملكة السعودية أمام المبيعات إلى الجيش الأميركي، ما يعني أنَّ الشركات الأميركية لتصنيع الأسلحة لن تفلس بأي حال من الأحوال إذا امتنعت عن التصدير إلى السعودية".
وقال أندرو هانتر، وهو أيضاً محلل دفاع لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إنَّ العديد من شركات الدفاع اتجهت لتنمية أعمالها الدولية على مدار العقد الماضي، في محاولة لتعويض انخفاض الإنفاق الأميركي.
وأضاف أنَّ السعودية هي "أحد أكبر الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط، وتعد واحدةً من أكبر سوقين متناميين أجنبيين للمبيعات الأميركية العسكرية".
جديرٌ بالذكر أنَّ مبيعات لوكهيد، التي تتخذ من مدينة بيثيسدا مقراً لها، بلغت 51 مليار دولار في العام الماضي 2017. كان ما يقرب من 70% منها (أي نحو 35.2 مليار دولار) من نصيب المبيعات إلى الحكومة الأميركية، وهو المبلغ نفسه الذي اقترحته إدارة ترمب لميزانية وزارة الخارجية بالكامل تقريباً، بحسب الصحيفة الأميركية.
وفي العام الماضي، أعلنت شركة لوكهيد أنَّها أبرمت صفقة بقيمة 28 مليار دولار مع السعودية لتبيع لها مجموعة من أنظمة الدفاع في غضون السنوات القادمة. وفي الوقت نفسه، وقَّعت بوينغ اتفاقاً مع السعودية لمساعدتها على بناء طائرة عسكرية ذات أجنحة دوارة على أراضي المملكة، قالت إنَّه من المتوقع أن يحقق عائدات بقيمة 22 مليار دولار، ويوفر 6 آلاف وظيفة بحلول عام 2030.
فيما افتتحت ريثيون مؤخراً شركة منفصلة للعمل مباشرةً مع الحكومة السعودية.
لكن في كثيرٍ من الأحيان، لا تنتهي تلك الصفقات كما كان مخططاً لها في البداية؛ إذ أشارت وحدة تحري الحقائق التابعة لصحيفة The Washington Post، إلى أنَّ ترمب ذكر مراراً أنَّ صفقة السلاح مع السعودية تبلغ قيمتها 110 مليارات دولار، لكنَّ العديد من هذه الصفقات لم تكن سوى "مذكرات إعلان نوايا"، وليست عقوداً موقَّعة.
وأضافت الوحدة أنَّ الصفقات أشبه بـ "قائمة أمنيات"، وأنَّ الرقم البالغ 100 مليار دولار ليس حقيقياً، ومن غير المرجح أن يثمر عن شيءٍ فعلي. وحتى لو حدث، فهو لا يمثل إلا قيمة المبيعات في المستقبل البعيد.