قال ديفيد كاي مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير في مقالة كتبها بالمشاركة مع أغنيس كالامارد، مقررة الأمم المتحدة المعنية بشؤون الإعدامات إن الصحافي جمال خاشقجي دخل إلى قنصلية السعودية في إسطنبول منذ أسبوعين تقريباً ولم يُشَاهد منذ ذلك الحين. وقد أشارت الحكومة التركية إلى وجود أدلة تربط السعودية، ليس فقط باختفائه، بل أيضاً بعملية اغتياله الوحشية.
وقال المقال المنشور في صحيفة The Washington Post الأميركية إن السعوديين لم يُقدِّموا أي دليل يثبت براءتهم ولم يدلوا حتى بحجج مقنعة تدفع عنهم التهمة. ويبدو على الأغلب أن مسؤولية السعودية عن مقتل خاشقجي لا يمكن دحضها.
وتساءل ديفيد كاي وأغنيس كالامارد: هل أُغلقت القضية؟ كلا؟ لسوء الحظ، نحن بعيدون عن ذلك. ولا يزال التحقيق الذي تجريه تركيا قابعاً في ظلال الأجواء الغامضة التي تسيطر على أجهزة المخابرات والأمن. وسيكون من الصعب إجراء أي تحقيق جنائي من شأنه أن يقود تلقائياً إلى المسؤول عن القتل، لأنه سيكون مرهوناً بالمخاوف من ممارسة الضغوط الدبلوماسية على تركيا.
هناك احتمال كبير بإضفاء الصبغة السياسية على هذه القضية. ولتجنب حدوث هذا، نعتقد أن تركيا لا يجب أن تقود التحقيقات. ولا يمثل ذلك انتقاداً لتركيا بقدر ما هو إيمان منَّا بضرورة حماية الجهود المبذولة للوصول إلى الحقيقة.
ليس بديهياً أن يحقق السعوديون في قتل خاشقجي بأنفسهم وهناك حلول أخرى
من يستطيع بعد ذلك "الوصول إلى حقيقة ما حدث"، كما قال دونالد ترمب، بطريقة تتسم بالمصداقية؟ ومن البديهي أنه لا يمكن للسعوديين التحقيق في الموضوع بأنفسهم. وستواجه أي تحقيقات تشارك فيها الولايات المتحدة أو دول أوروبية نفس معضلة التسييس والصراع الدبلوماسي التي تواجهها التحقيقات بقيادة تركيا.
ستكون موضوعية الولايات المتحدة في إجراء التحقيقات على وجه الخصوص موضع شك نظراً للعلاقة الوثيقة التي تربط إدارة ترمب بالقيادة السعودية الحالية.
وحول الحلول قال ديفيد كاي وأغنيس كالامارد: نعتقد أن هناك حلين بديلين على الأقل، وكلاهما يتطلب موافقة تركيا. الأول هو أن تدعو تركيا فريقاً دولياً من المحققين لتقييم الأدلة والسماح بالإفصاح عن المعلومات بشفافية وتقييم النتائج التي توصلت إليها السلطات التركية. وما نخشاه هو أن مثل هذه الإجراءات ستواجه انتقادات لاعتمادها على سيطرة تركيا على الأدلة وإمكانية الوصول إلى المعلومات.
والبديل الآخر، هو أن هناك فرصة أفضل لتكوين فريق دولي مستقل طارئ لإجراء التحقيقات على طريقته. ويجب على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يسمح بإجراء تحقيق فوري من شأنه أن ينتهي بتقرير يُقدم إليه خلال الأسابيع الأربعة أو الستة القادمة. وإذا حاولت أي دولة منع التحقيق الذي أقرّه مجلس الأمن، ينبغي على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن يسمح بإجراء تحقيق، كما فعل في سوريا وميانمار وبوروندي وأماكن أخرى.
ومن الممكن الاستعانة بدور مجلس الأمن في تشكيل فريق دولي للتحقيق
كيف يمكن أن يسير هذا التحقيق؟ كانت هناك تحقيقات مماثلة في الماضي، وهناك من لديهم خبرة واسعة في التحقيق لفهم الأمر بشكل صحيح. وأهمية هذه المسألة تستدعي الحصول على إذن من مجلس الأمن، فقد عين مجلس الأمن في العام الماضي فريق تحقيق للنظر في جرائم تنظيم الدولة الإسلامية. وخوَّل لجنة رئيسية للنظر في الجرائم المرتكبة في دارفور.
ويجب أن يضم التحقيق الدولي على أقل تقدير مدعياً عمومياً أو قاضياً رفيع المستوى يحظى بالاحترام يعينه الأمين العام للأمم المتحدة، لقيادة فريق صغير من المحققين الدوليين ذوي الخبرة العالمية لفحص الأدلة الموجودة، التي قدمتها تركيا، ولديهم السلطة للحصول على أدلة إضافية.
وينبغي أن يحظى القرار الدولي الذي يأذن بإجراء التحقيق بموافقة تركيا على التعاون الكامل وإجبار السعودية على المساعدة في السماح بالدخول إلى القنصلية، والوصول إلى المسؤولين المعنيين وأي مصادر أخرى.
وأضاف ديفيد كاي وأغنيس كالامارد: نحن لا ندعو إلى إجراء محاكمة دولية وإنما لإجراء تحقيق مستقل يمكن أن يؤدي إلى نتائج تتسم بالمصداقية ويوفر الأساس لاتخاذ إجراءات عقابية واضحة، تشمل إمكانية طرد البعثة الدبلوماسية، والإبعاد من هيئات الأمم المتحدة (مثل مجلس حقوق الإنسان)، وحظر السفر، وفرض عقوبات اقتصادية، والمطالبة بتعويضات وإمكانية إقامة محاكمات في الدول المعنية.
وهناك سبب آخر يدعو المجتمع الدولي للانخراط في هذا المسار في الوقت الحالي. إذ إن اختفاء خاشقجي يأتي في وقت يتعرض فيه الصحافيون في جميع أنحاء العالم لتهديدات بالغة، فقد رصدت لجنة حماية الصحافيين 44 حالة من حالات قتل الصحافيين هذا العام. وقبل بضعة أيام قُتلت مراسلة التلفزيون البلغاري فيكتوريا مارينوفا بعد اغتصابها.
وختم المقال بالقول إنه من شأن إجراء تحقيق دولي أن يبدأ على الأقل في تغيير مسار الأحداث. ومما لا شك فيه أن العديد من الدول في مجلس الأمن هي أماكن خطرة على الصحافة وحرية التعبير. ولا ينبغي أن يكون إجراء تحقيق استقصائي غطاءً لسلوكها السيئ.
ولكن لابد أن يؤدي اختفاء خاشقجي إلى مساءلة وعواقب. والسبيل الوحيد لوضع هذه القضية في هذه المسار هو إجراء تحقيق مستقل.