منذ عدة أيام بدأ عرض حكاية جديدة من سلسلة حكايات مسلسل نصيبي وقسمتك2 "جدول الضرب"، بطولة أحمد مجدي ومريم حسن. ومع بداية الحلقة الأولى، وبالتحديد من أول مشهد أصبحت الحكاية حديث كُل شبكات التواصل الاجتماعي.
أنا والعديد من بنات جيلي لدينا العديد من المخاوف من فكرة الزواج ؛ أن تنخدع قلوبنا في الاختيار، وتُعطينا الحقيقة صفعةً على وجوهنا بعد الزواج. كُل شيء يكون جميلاً في فترة الخِطبة، كُل منا يحاول أن يُظهر محاسنه وكثير من كلام الحب والغزل، مما يُعطيك ثقة أن هذا الشخص لن يتغيَّر بعد أن يُقفل عليكما باب واحد.
معظمنا لا نستطيع أن نسير على نفس نهج أمهاتنا؛ نُطيع، ونرضى بالمقسوم… لا أستطيع تحمُّل فكرة أن تضيع حياتي هكذا، أن ينطفئ قلبي بهذا الشكل بدلاً من أن يُضيء.
امرأة عجوز ذات مرة أخبرتني: "عمرك ما هتعرفي حقيقة اللي (الذي) قدامك غير لما يتقفل عليكم باب واحد، وقتها كُل حاجة هتبان على الحقيقة، والعيوب، وحتى القلب… أوعي تفتكري إن الجواز مفيهوش مشاكل، في مشاكل كتير هتبيّن لك أصل اللي قدامك".
تُظهر حدوتة جدول الجدول ازدواجية الرجل، وهنا لا أخصُّ بالذكر الرجل المصري، بل كُل الرجال في أي مكان في العالم تتشابه شخصياتهم مع شخصيه آدم بطل الحكاية.
وقعت مريم في فخ الحُب، الذي يجعل القلب أعمى لا يرى سوى المحبوب، رأت آدم أثناء ندوة شعر، وظنَّت أنه شخص جميل يصلُح أن يكون زوجاً، وشريك حياة، ورفيق الدرب، تسرَّعت في الحُكم عليه من أول لقاء لهما، وكأي رجل كان آدم يعرف تماماً ما هي مفاتيح قلب المرأة، بدأ في تصنُّع أن يكون لطيفاً ودوداً، جعلها تشعر كأنها أميرة لا يوجد سواها على أرض هذا العالم، وكان متقبلاً لكل عيوبها، ونظام حياتها الذي يختلف عنه تماماً، وبعد عدة مقابلات لا تكفي حتى للحكم عليه كصديق، أخبرها أنه يريد الزواج منها. ومنذ اللحظة التي وافقت فيها تحوَّل كُل شيء لكابوس، وكأنه كان ينتظر تلك الموافقة ليُظهر وجهه الحقيقي، الذي كان بارعاً في إخفائه في أول الأمر؛ حتى يجعلها تقع أسيرة في حُبه.
في أول مشهد من الحلقة الأولى يوجد طفل يبكي بُكاءً يكاد يجعل قلبك يخرج من مكانه، وزوجة تحاول أن تهرب، وتحتمى بباب غُرفتها من رجل يحاول ضربها "علقة سخنة"، لكنه كسر الباب عليها بكُل عنف وانهال عليها بالصفعات. هذا المشهد قد فتح جراح عدد كبير من السيدات، وتشاركن الآراء على فيسبوك: "حسيت إنها أنا!"
شخصية آدم بالنسبة لي شخصية مريضة، أدعو الله كُل ليلة ألا يكون نصيبي مثلها. تحوَّل حُبه سريعاً إلي حُب امتلاك، عرَّفها شخصية واجتهد كثيراً في إلغائها، وقد نجح في بداية الأمر، حيث كانت تعمل مريم مدرسة، وعرفها على هذا الأساس، ثُم فرض عليها الحجاب، وقطع صلة الرحم مع أقاربها؛ لأنه يرى أنهم يفسدونها، تغيَّر "ستايل" حياتها تماماً بطريقة إجبارية.
أنا من أنصار أن الكلمة الحلوة والمناقشة تجعل أي فتاة توافق على أي شيء، لكن هذا لم يحدث مع مريم للأسف، كان كُل شيء أمراً لها، يجب أن تنصاع له، وإلا تصبح زوجة عاصية لأوامر زوجها "سي السيد".
حياتها تحوَّلت تماماً بعد أن كانت مُضيئة، أصبحت مجرد جثه شخص، نعم على قيد الحياة، لكنه منطفئ. تنصاع لعدة قرارت وأوامر لا تُريدها ولا تقتنع بها، فقط ليستمرَّ هذا الزواج؛ ظناً منها أن هذا هو الطريق الصحيح، وأن طريقته في التعبير عن حُبه أن يضعها في قفصٍ، معه هو مفتاحه.
"أنا استحملت ضربك"، "إنتي مش أحسن من أمي" هذا المشهد من أكثر المشاهد التي جعلتني أتالم ويتملك الرُّعب من قلبي، قالتها مريم عندما ازدادت صفعات آدم لها، وكأنها أصبحت روتيناً يومياً، يكون اليوم ناقصاً عندما لا يحدث، وعندما اعترضت عنَّفها قائلاً: "ما انا أمي كمان كانت بتنضرب، هو إنتي أحسن من أمي". وهنا استوقفني عقلي قليلاً: لماذا يحدث كُل هذا؟
أرى هذا نابعاً من البيئة التي تولد فيها مثل هذه الشخصيات، طفل يرى والده يقوم بضرب أمه كُل ليلة على أشياء تافهةٍ لا تستدعي الضرب أو التعليق، ويمكن أن تنتهي إذا توقف الطرفان عن الغضب قليلاً وتناقشا بكُل احترام وحُب. ماذا ننتظر من طفل رأى كُل هذا؟ بدلاً من أن يولد في بيئة تساعده على أن يكون رجلاً صالحاً، ليصبح زوجاً صالحاً، وفي النهاية يكون أباً صالحاً.
عائلتي مكونة من أبي وأمي وأُختي الصغرى، ومنذ أن جئت إلى هذا العالم أنا وهي لم أر والدي يضرب أمي، ولا نحن، مهما ازدادت المشاكل كأي بيت، بسبب اختلاف وجهات النظر أحياناً، لا تحدث مثل هذه الأمور في منزلنا، وهذا ليس في منزلنا فقط، بل كُل أقاربي لا نرى ولا نسمع عنهم أنهم في لحظة ما تشاجروا إلى حد الضرب.
عندما تناقشنا في تجمُّع عائلي قالوا: "مش إحنا (نحن) طبعنا، إحنا متربين، وعارفين يعني إيه واخدين بنات الناس من بيت مُحترم، بتخرج من بيت أبوها مُكرَّمة لبيت جوزها، تتعامل أحسن معاملة حتّي لما تغلط نتخانق نتعصّب نزعق، ونهدي في الآخر، لكن عمرنا ما بنرفع إيدينا ونضرب أبداً، لأنها لحظة مش هتتنسي".
وأنا أُرجح أن سبب انفجار هذه المشكلة في البيوت راجع إلى إحساس الرجُل بالنقص، حيث إنه يتّبع تقاليدَ تربَّي عليها من والدته: "إدبح لها القطة من أول يوم". يظن أنها بهذه الطريقة ستقع في حُبه أكثر؛ ولكن في الحقيقة هي بداية النهاية، وكأن الأم تحاول أن تجعل فلذة كبدها على استعداد تام لفعل كُل ما كان يحدث معها، بتفاصيله.
وأيضاً أحلام البنات، وسرعة رغبتهن في الزواج والإنجاب، والتخلص من "زنّ الأم" و"طنط حشرية" التي لا تكفُّ عن البحث عن زوج لأي فتاة، أي فتاة لمُجرد أن تكون بطلة الحدوتة، والسبب في ذلك "توفيق رأسين في الحلال" كُل هذا يجعلهن يوافقن على أي شخص يتقدم لهن، دون البحث وراءه، دون النظر إذا ما كان مناسباً أم لا، يقفز قلبها من الفرحة لمُجرد الخطبة والدبلة وكلام الحُب والرومانسية، تظن أن ما يظهر في فترة الخطبة هو كُل شيء، بل هو جانب واحد ربُما يكون حقيقياً وربُما يكون مجرد قناع، لا أحد يعلم.
كل ما نحتاجه أن نطمئن، كلمة حلوة، حُضن، شخص يجعل من الحفاظ على كرامتنا قضيته الأولى.
عندما شاهدتُ الحكاية، وفُتح باب المخاوف في قلبي تذكرتُ موقفاً رأيته في طريقي إلى الجامعة في إحدى المواصلات: زوجة ترتجف من الخوف أمامي، ورجل لا تصلح له تلك الكلمة، يُلقي على مسامعها كلاماً قاسياً، إن سمعته أنا في يوم من الأيام لا أتردد في ضربه ليرتاح قلبي: "طول ما انتي عاقلة وبتسمعي الكلام وبتقولي حاضر طيب مش هضربك، لكن يوم ما تخرجي عن طوعي هدفنك، انتي اللي بتعصَّبيني، وانتي اللي بتختاري".
كنت أنتظر منها أن تلقي حقيبتها على وجهه، أو أن تخلع حذاءها وتنهال عليه بالضرب، لكن لم يحدث سوى البُكاء، بكاء مُر، هذا فقط!
وللأسف جاءت محطة نزولي قبل أن ينطلق لساني بسبِّ هذا الرجل، وكأن الله كان يريد إنقاذي! تمنيت أن يطول وجودي معها، أن تكون جزءاً من عائلتي، حتى يكون لي حق في تحذيرها، لكنني وقتها شعرت بالعجز، كُل العجز، من أجلها، هذا ما أراه أنا، وما شاهده الناس، لكن ماذا يحدث عندما تذهب معه كُل ليلة؟ كم علامة زرقاء على جسدها؟ ليه مستحملة؟ علشان إيه؟ أسئلة كثيرة لم أجد لها إجابة.
وبمجرد أن جاء طيف هذه المرأة لذهني وأنا أشاهد الحلقة، دعوتُ الله أن تكون بخير، أن تكون قد عرفت أخيراً أن هذه حياة بشعة لا تناسبها، وتكون طلبت الطلاق.. أتمنى.. أتمنى.
تحمُّل الضرب والإهانة والسب هذا لا يجعلكِ زوجةً مثاليةً، لن تأخذي وساماً في الحفاظ على كينونة البيت والعلاقة، بغضِّ النظر عن كُل شيء، ستكونين، وللأسف، سبباً في إنجاب أطفال مشوهين نفسياً ومعنوياً.
قرأت تعليقاً لصديقة ما تقول: "أنا اتطلقت لأني مقدرتش أستحمل الإهانة والذل، مقدرتش أستحمل إن الشخصية اللي حبيتها قبل الجواز تكون بعد الجواز بالبشاعة دي، ولادي كنت خايفة عليهم من غير أب أه، بس لما يتربوا في بيت كُله حب وأمان ميخافوش لما أبوهم يخبط على الباب أحسن بكتير لما يتربوا في بيت كُل ما أبوهم يدخل فيه يحسوا إنهم مخنوقين، وعايزين يهربوا، جايز ميفهموش ده دلوقتي، بس اللي أنا متاكدة منه إني هعمل كل حاجة علشان أخلّيهم نسخة غير أبوهم، نسخة متخلنيش أندم إني خلفتهم".
تعلمتُ من هذه الحكاية:
– أن شعور الأم تجاه الأشخاص صحيح بطريقة ما، لا أعرف ماذا بين الله وبين قلب أمي ليعطيها في كُل مرة إشارة تنقذني بها من شخص يكِن في قلبه لي أذى غير مبرر، أعاندها، أتجاهلها أحياناً، لكن دائماً أعود إليها وأنا لساني ينطق بجملة واحدة: "إنتي صح، أنا آسفة".
الاحترام هو أساس أي علاقة، الكرامة فوق كُل شيء، حتّى الحُب.
التوافق الاجتماعي والفكري والمادي، كُل شيء في شريك الحياة مهم جداً.
علمتني مريم أن التضحية الزائدة عن الحد لعنة.
اللي ملوش خير في أهله، ملوش خير في الدنيا، ولا في حد.
"اجري يا مجدي" هناك إشارات يرسلها الله لنا دائماً لتنقذنا من الوقوع في هذا الفخ، أشياء لو نظرنا لها بعين المنطق نعرف تماماً أن الهرب، وسريعاً، هو الحل الأمثل، لا تتجاهليها، لا تقعي في فخ الكلام الحلو، والهدايا، والخروجات لا تجعلي قلبك أعمى ينسى أنك تقومين باختيار زوج سيمرّ ما تبقى من عمرك معه.
تمهلي في الاختيار، ولا تنصتي لمن يقول لك "عنستي"، لست في سباقٍ ولا ساحة معركة، فأي شيء يُهين شخصك يعتبر إهانة، ليس الضرب فقط، هناك أشكال كثيرة للإهانة تترك في داخلك ندوباً نفسيةً لا يعالجها مرور الأيام، وإن لمسها فقط أحدهم يكاد قلبك يحترق من فرطِ الألم، لا تكوني نسخة أُخرى من مريم.
وتذكري أنك تستحقين ياعزيزتي شخصاً يجعل قلبك مضيئاً، كأن كُل نجوم السماء تجمَّعت في قلبك، تستحقين قلباً يعاملك بكُل المودة والرحمة، وكأن الله أخذها من قلوب العالم كله، وجعلها لك.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.