يفتتح متحف بروكلين المدعوم جزئياً م السعودية السبت 13 أكتوبر/تشرين الأول معرضاً للفنون والتحف من سوريا يهدف إلى إعادة سرد تاريخ اللاجئين في البلاد. بعد أيام، يستضيف متحف غوغنهايم حديثاً مع فنان فلسطيني، ويعقد متحف المتروبوليتان للفنون ندوة حول كيفية عرض المتاحف العالمية للفن القادم من الشرق الأوسط والاعتناء به، حسب تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.
هذه البرامج -إلى جانب البرامج المماثلة في متحف الفن الحديث ومتحف وجمعية آسيا ومتاحف أخرى في نيويورك- هي جزء من جهد منسق لعرض الأعمال الفنية القادمة من الشرق الأوسط، و"بناء تفاهم أكبر بين الولايات المتحدة والعالم العربي". كما أنَّها تُنَسَّق من قبل منظمات مرتبطة بشكل وثيق أو مُمولة بسخاء من الحكومة السعودية، المتهمة الآن بالقتل الوحشيّ لصحفي معارض.
تُعزز المؤسسات غير الربحية بدءاً من المتاحف وصولاً للجامعات الكبرى، منذ سنوات، علاقاتها مع ممالك النفط في الشرق الأوسط كوسيلة لتوسيع عروضها وتعزيز الحوار بين الثقافات والوصول إلى أموال وثروات هذه الدول الغنية.
على هذه المؤسسات الآن أن تجيب على نفس السؤال الذي يواجه الحكومة الأميركية، ألا وهو ما إذا كان القتل المحتمل للصحافي جمال خاشقجي يُمثل سبباً للابتعاد عن السعودية، أو أنَّ المملكة بكل بساطة أغنى وأهمّ من أن يدير لها أحدٌ ظهره.
يقول دانيال وايس، رئيس متحف المتروبوليتان للفنون: "النشاط الأساسي لمتحفنا، باعتباره مؤسسة ثقافية عالمية، هو الانخراط مع ممثلين من متاحف وحكومات أخرى حول العالم". وبسؤاله عن اتهام تركيا للسعوديين بقتل خاشقجي في قنصلية الرياض في إسطنبول، قال وايس: "نحن في مرحلة الاطلاع على المزيد بشأن ما يجري، وهذا الاطلاع سوف يمنحنا معلومات إضافية".
قال معهد الشرق الأوسط، مركز أبحاث مقره واشنطن ومشارك في تنسيق المعارض في نيويورك، الجمعة 12 أكتوبر/تشرين الأول إنَّه لم يعد يرغب في المشاركة في هذه المعارض.
قال سكوت زيوك، المتحدث باسم المعهد: "في ضوء التطورات الأخيرة، قرر معهد الشرق الأوسط ألا يشارك في برنامج الأسبوع القادم في نيويورك".
وقالت معظم المنظمات إنَّها كانت تنوي البدء في خططها، أو إنَّها لا تزال في مرحلة تقييم علاقتها بالمملكة. ونظراً لأنَّ سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان معروف علناً، فلن يكون الأمر مفاجئاً إذا قررت المتاحف استمرارها في التعاون معها في نهاية المطاف.
واقعة مثل اختفاء خاشقجي يجب أن تُحدث اختلافاً
قال دانيال بايبس، رئيس منتدى الشرق الأوسط، مركز أبحاث محافظ مقره فلادلفيا: "إذا كنت تقوم بممارسة أنشطة الأعمال مع السعوديين، سواء في مجال المتاحف أو استخراج البترول، فأنت تقبل أنَّ هذا هو شريكك". وقال إنَّ واقعة مثل اختفاء خاشقجي يجب أن تُحدث وقفة، "نظام بهذا الشكل هو نظام يجب أن ننأى بأنفسنا عنه".
إلا أنَّ الروابط بين هذه المؤسسات غير الربحية والممالك النفطية ممتدة ومتنامية.
فتحت الجامعات الأميركية أبوابها على مصراعيها أمام الطلاب السعوديين الأثرياء الذين يدفعون الرسوم كاملة. ومن بينهم جامعة هارفارد، التي زارها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هذا العام خلال زيارته السريعة للولايات المتحدة. عام 2005، قبلت الجامعة تبرعاً بقيمة 20 مليون دولار من عضو آخر من العائلة الملكية السعودية، وهو الأمير الوليد بن طلال، الذي احتجز في فندق ريتز كارلتون في الرياض في إطار ما أسماه ولي العهد بحملة محاربة الفساد.
قبلت مؤسسة كلينتون ما لا يقل عن 10 ملايين دولار من الحكومة السعودية لصالح نشاطها العالمي لمواجهة الفقر، مما أثار التساؤلات بشأن استغلال محتمل للنفوذ أثناء الحملة الرئاسية لهيلاري كلينتون.
لا تقتصر العلاقات الحرجة والشائكة على السعودية؛ فجامعة نيويورك ومتحف اللوفر لهما فروع فاخرة في أبو ظبي بالإمارات تنتشر بها إساءة معاملة العمال.
هذه العملية من الدعم والقبول متبادلة؛ إذ استغلت كلٌ من السعودية، وقطر، والإمارات أموالها لتعزيز الصداقات مع الغرب، وتنصيب نفسها في مصاف اللاعبين الرئيسيين في الأوساط الأكاديمية والثقافية.
قال ستيفن ستابلتون، فنان مقيم في لندن يدير مبادرة Edge of Arabia، وهي واحدة من المؤسسات المنظِمة لمعارض نيويورك والتي تُمولها جزئياً الحكومة السعودية وشركتها النفطية، يوم الجمعة: " نحن حقاً مصدومون جميعاً" من اتهام السعودية بالقتل.
رفض ستابلتون التصريح بما إذا كان مقتل خاشقجي -الذي تقول تركيا إنَّ لديها أدلة على قتله وتعذيبه وهو ما تنفيه الحكومة السعودية- سيجعله يعيد النظر في مصادر تمويله. وقال: "لن نتجاوز حقيقة أننا نجمع الأموال لمشاريعنا من أي مكان قدر المستطاع، هذه القصة الحالية تجعلك تأخذ خطوة للوراء، وهي الخطوة التي من الواضح أنَّ الجميع يتخذها الآن".
بسؤاله عما إذا كان لديه أي مخاوف بخصوص سجل السعودية في حقوق الإنسان، قال ستابلتون إن المسألة كانت "صعبة".
وأضاف: "أفضل أن أصفها بهذا. وأظن أنَّ عملنا إسهام إيجابي في هذا التحدي".
حتّى العلاقات العابرة تخضع الآن للتمحيص والتدقيق. اصطف الخميس 11 أكتوبر/تشرين الأول، عدد من المتظاهرين خارج متحف التاريخ الطبيعي في لندن، والذي استأجرته السفارة السعودية لاستضافة فعالية مسائية. وكان المتظاهرون قد دفعهم إلى ذلك أحد الكُتاب الصحافيين بصحيفة الغارديان. وقال المتحف إنَّ أياً من موظفيه لم يحضر الفعالية، وإنَّ مثل هذه الفعاليات "تُشكل مصدراً مهماً من مصادر التمويل الخارجي".
مؤسسة مسك الخيرية هي واحدة من أحدث الجهود السعودية، التي استخدمها ولي العهد كوسيلة لنشر الثقافة السعودية وتعزيز صورته كمصلح منفتح على المزيد من حرية التعبير، بما في ذلك الفنون. العام الماضي وحده، نظم معهد مسك للفنون التابع للمؤسسة، والذي لم يرد على طلبات التعليق، معارض في الولايات المتحدة، وأعلن عن خططه لفتح فرع له في باريس وساعد في تنسيق معارض مدينة نيويورك هذا الشهر.
في يناير/كانون الثاني، استضاف متحف الفن الحديث مؤتمراً صحفياً ليعلن عن قائمة برامج من معهد مسك.
قال جلين لوري، مدير المتحف، حسب ما جاء على موقع مؤسسة مسك: "إنَّه لمن دواعي سرورنا أن نرحب بمعهد مسك للفنون وهو يُدشن قائمة طموحة من البرامج الدولية. هذا المشروع الجديد المثير يُبَشّر بتبادل فني وعلمي عميق وثري بين التقاليد والثقافات، ويفخر متحف الفن الحديث بأن يلعب دوراً في هذا التبادل".
نحتفظ دائماً بالحق في إعادة تقييم مصادر التمويل
بالإضافة إلى المعارض التي ستقام في مدينة نيويورك في الأيام القادمة، شاركت مؤسسات مدعومة جزئياً أو كلياً من الحكومة السعودية في معارض أخرى مؤخراً، بما في ذلك احتفالية الفن والثقافة السعودية في مركز كينيدي الثقافي في واشنطن في مارس/آذار الماضي. قام مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي بإحضار ممثلين عن المتاحف الأميركية الكبرى، بما في ذلك متحف الفن الحديث، ومتحف المتروبوليتان، ومتحف بروكلين، ومتحف الفنون بمقاطعة لوس أنجلوس، ومتحف دي يونغ في سان فرانسيسكو، إلى المملكة العربية السعودية لزيارة استوديوهات الفن والمعارض الفنية والمؤسسات الثقافية في جدة والرياض وأبها والخُبر.
وقال متحف الفن الحديث الذي يشارك هذا الشهر في "مبادرة الفن والتعليم العربية" إنَّه لم يقبل أي أموال لتمويل الجزء الذي ستقوم به من البرنامج الذي يتألف من عرض للأعمال وحديث مع فنان سينمائي كويتي يوم الإثنين 15 أكتوبر/تشرين الأول. وقال المتحف في بيان له "لقد انضممنا إلى المبادرة على أمل أن يؤدي ذلك إلى إطلاق شرارة التبادل الثقافي والتجريب والتحاور حول القضايا المهمة في المنطقة".
وقالت المتاحف الأخرى أيضاً المشاركة في البرنامج، بما في ذلك متحفا بروكلين وغوغنهايم -اللذان واجها احتجاجات على خططهما لبناء فروع لهما في أبو ظبي- إنَّها لا تنوي الانسحاب. وفي ردود مقتضبة، بررت ذلك بالحفاظ على العلاقات مع الشرق الأوسط، الذي يعد مصدراً مهماً للفن التاريخي والمعاصر، مع إقرارها بالظروف الصعبة التي تجد نفسها فيها الآن.
قال متحف غوغنهايم: "هذه قصة خطيرة ومقلقة لا تزال تتكشف في سياق عالمي معقد. نحن لا نُنهي علاقاتنا مع الفنانين بالاستناد إلى تصرفات حكوماتهم أو سياساتها".
قالت آن باسترناك، مديرة متحف بروكلين "نحن نسعى دائماً لشركاء يشاركوننا رسالتنا وقيمنا ببناء عالم أكثر ترابطاً ومدنية. وبينما نحتفظ دائماً بالحق في إعادة تقييم مصادر التمويل استناداً إلى الظروف المتغيرة، ليس لدي أي شيء آخر لمشاركته معكم في الوقت الحالي".