تعرّض اليهود في أثناء الحرب العالمية الثانية لإبادات جماعية، أُطلق عليها اسم "الهولوكوست"، على يد زعيم النازية الألماني هتلر، لكن في فيلم Inglourious Bastards، قلب المُخرج كوينتين تارانتينو هذه الأحداث رأساً على عقب، في واحد من أجمل أفلام فانتازيا التاريخ الحربي.
فيلم Inglourious Bastards.. ماذا لو عكسنا الأدوار وتمكَّن اليهود من النازيين؟
أفلام التاريخ البديل هي تلك الأفلام التي تنطلق عادة من تساؤل: ماذا لو؟
أي بمعنى أنها ستعطي الأحداث الحقيقية نتيجة مغايرة، أو تعرض تاريخاً بديلاً يستشرف المستقبل.
ومن أشهر أفلام التاريخ البديل: Southland Tales، و The Great Wall، وGood Times, Bad Times.
ويتناول Inglourious Bastards سرد قصتين تسيران بالتوازي، عن فتاة يهودية تُدعى شوشانا درايفس، قُتل جميع أفراد عائلتها على يد العقيد الألماني، الشهير بـ"صائد اليهود"، هانز لاندا.
وتسعى هذه الفتاة للانتقام من اليهود بإحراق السينما الخاصة بها، باستخدام حامض النترات شديد الاشتعال، في ليلة عرض فيلم "فخر الأمة" الألماني.
في حين تحدثت القصة الثانية عن قوة أميركية يهودية عسكرية خاصة تقتل النازيين.
وعلى رأس تلك القوة يأتي الملازم ألدو راين، والمقاتل هوجو شتيجلتز، ودوني دونويتز الشهير بـ"الدب اليهودي" والذي كان يقتل النازيين بعصا البيسبول؛ إذ كان يضربهم على رؤوسهم حتى الموت.
وتمتزج الحكايتان في عدّة فصول سينمائية معاً ببراعة؛ إذ تخطط قوة ألدو راين العسكرية لتفجير سينما شوشانا يوم عرض الفيلم الألماني، الذي يحضره هتلر.
وهو ما يحدث في ذروة المشاهد الأخيرة من الفيلم؛ إذ تحترق السينما وتنفجر في الوقت ذاته، بالإضافة إلى قيام دونويتز بقتل هتلر داخل مقصورته الخاصة بالسينما.
جمالية التصوير
منذ مشاهد الأولى بالفيلم، ندرك أننا أمام مُخرج وفريق تصوير بارع، فمشهد البداية يأتي بوتيرة هادئة، تصحبه موسيقى مطمئنة مما لا ينبئ أبداً بسير الأحداث.
وقد صُوِّر المشهد الأول بإحدى المزارع الفرنسية؛ إذ يقطع أحد المزارعين الأخشاب حينما تداهمه قوة من الجيش الألماني تبحث عن عائلة درايفس اليهودية.
وبعد ذلك، تتناوب مشاهد التصوير بالتحول ببراعة بين قصَّتَي الفيلم.
فحينما تشتد وتيرة العنف في حكاية الجنود اليهود تنتقل الصورة لشوشانا بسرعة قريبة من وجهها البريء، الذي لا ينمُّ أبداً عن أي نية للانتقام.
ولكن المُخرج يفاجئنا مرة أخرى بقدرة شوشانا على الانتقام الدموي من النازيين، في مشهد قتل الجندي الألماني فريدريك زولر.
عندما تكون المسارات الصوتية جزءاً أصيلاً من الأحداث
هناك عدد قليل من صانعي الأفلام المولعين بالموسيقى التصويرية الخاصة بهم مثل كوينتين تارانتينو.
ومن خلال الفيلم تتأكد من أنه يكرس كثيراً من الجهد والوقت لاختيار الأغاني المناسبة مثلما يفعل لاستكشاف المواقع.
واختار تارانتينو الموسيقى بعنايةٍ كمكملات أسلوبية للحركة على الشاشة، الأمر الذي خلق خلفية متماثلة ومتكافئة للصورة السينمائية.
كما فعل تماماً في مشهد البار والأغاني الألمانية التي كانت في خلفية المشهد.
الإبداع في اختيار الملابس وكأنك في أربعينيات القرن الماضي!
أبدعت مصممة الأزياء آنا بيدرزيكا شيبارد في اختيار أزياء العمل كافة، لتبدو جميعها مناسبة تماماً لحقبة الفيلم الزمنية.
بالإضافة إلى جودة انتقاء مجوهرات النساء وقبعاتهن في الفيلم.
جدير بالذكر أن الإبداع في ملابس الفيلم لم يقتصر على مناسبته للعصر، ولكن كان له أيضاً دور لا يستهان به، في مسار الأحداث.
فمعطف العقيد الألماني لاندا أضفى عليه قدراً كبيراً من الهيبة والترقب في المشاهد الأولى للفيلم.
وبالنسبة للفستان الأحمر الأنيق الذي ارتدته ميلاني يوم تفجير السينما، فعلى حد تصريحات شيبارد كان من المخطط أن يكون الفستان أسود اللون، وهو الفستان الذي أعجب المخرج تارانتينو كثيراً.
ولكن شيبارد غيَّرت رأيها واختارت اللون الأحمر؛ حتى لا تضيع ميلاني وسط الحشود بما أنه كان يومها الأخير.
فيلم حربي دون معارك!
على الرغم من تصنيف الفيلم كأحد أفضل أفلام الحروب، فإنه لم يتناول الحرب بشكل تقليدي.
وكجزء أصيل من عبث تارانتينو المعتاد، فقد ابتعد عن تأطير أفلام الحرب كنمط من أشكال القتال.
الذي تجسَّد في شكل آخر للقتال، وهو قتل مجموعة الأوغاد المجهولين للنازيين الألمان.
تصوير شخصية الشر في الفيلم كان بديعاً؛ فهانز لاندا لم يكن ذلك الألمانيَّ القاتل الذي تتصف شخصيته بالحدّية وبتعبير الوجه البارد.
ينجح في شبّاك التذاكر، لكنه يثير حنق النقاد
تجاوزت إيرادات فيلم "Inglourious Bastards"، 300 مليون دولار أميركي، ليكون بذلك ثاني أفلام تارنتينو دخلاً بعد فيلم Django Unchained.
كما حصل الفيلم على الكثير من الجوائز والترشيحات؛ منها جائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد والتي حصل عليها العبقري كريستوف فالتز.
الذي فاز أيضاً بجائزة الغولدن غلوب لأفضل ممثل مساعد، وأسهم دوره هذا في انطلاق نجوميته في أواسط هوليوود.
كما ترشَّح كذلك المخرج كوينتين تارانتينو للأوسكار عن جائزة أفضل كتابة سيناريو أصلي وأفضل تصوير سينمائي.
كما ترشح مايكل مينكلر وتوني لامبرتي لجائزة أفضل إنجاز في خلط الأصوات، وحصل تارانتينو على جائزة اختيار النقاد للأفلام عن أفضل سيناريو أصلي.
في حين نال كل من كريستوف فالتز وميلاني لوران جائزة اختيار النقاد كأفضل ممثلَين مساعدَين.
ومع كل هذا النجاح، كان رأي النقاد مختلفاً عن رأي الجمهور؛ إذ أثار الفيلم حفيظة العديد منهم، حيث رأوا أنه يحتوي على الكثير من العنف والمشاهد الدموية.
فعلى مدونته الشخصية، وصف الناقد السينمائي الأميركي جوناثان روزنباوم الفيلم بأنه مهين جداً وغبي للغاية، وأقرب للناحية الأخلاقية من إنكار الهولوكست.
وعلى الجانب الآخر، ذكر الكاتب دانيال مندلسون أن الفيلم يمثل تطوراً كبيراً للمُخرج.
فالأفلام ليست لعرض التاريخ الدقيق أكثر من كونها طريقة لعرض لعبة جمالية مبتكرة وغير متوقعة، وهو ما قام به تارانتينو ببراعة بالغة.