لو أنَّكَ كتبتَ هذا السؤال على محرّك بحث جوجل لوجدت عشرات الفتاوى والبحوث والمقالات التي تعتبر هذا السؤال ترفاً! إذ لا يجدرُ الجوابُ عنه بغير "نعم".
وهم في إجابتهم القاطعة المانعة يبسُطون أمامك الأدلة الشرعية التي التقطوها بانتقائيتهم المعهودة حتى تعلنَ تسليمَك وربما تقريع نفسك ومعاتبتها على إلقاء هذا السؤال ذي الإجابة المطلقة المعلومة سلفاً!
والذي أفهمه وأعرفه وأدين الله تعالى به أن علاقة الزواج ليست علاقة مرؤوس برئيس، ولا موظف بمدير، ولا تابعٍ بمتبوع، فضلاً عن جارية بسيدها أو أجيرة بمولاها، وإنما هي علاقة مشاركة وتفاهم ومودة ورحمة واحترام متبادل، كما دلّ على ذلك القرآن العظيم، ثم سيرة الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وبما أن "الطاعة" هي الخضوع والانقياد، ومثلما الجواب لا يكون إلا عن سؤال، فالطاعة لا تكون إلا عن أمر. فهل هذه علاقةٌ زوجيةٌ سوية، أم شروط إذعان صيغت في عقد تملك جارية؟
هذا ولفظ "الطاعة" لم يرد في القرآن العظيم إلا في حق الله ورسوله (وهي طاعة استقلالية) ثم في حق وليّ الأمر (وهي طاعة بالتبعية للزومه هو أوامر الله ورسوله)، ثم في حق الزوج بعد نشور الزوجة وليس في كل زوجة! وإلا ما كان ليعجز النصَّ القرآني شيء عن استهلال الآيات بأمر كل امرأة بلزوم "طاعة" زوجها بكل وضوح وصراحة!
قال المعارض: فماذا عن نصوص السنة التي توجب على المرأة طاعة زوجها كما أخرجه الإمام أحمد في مسنده، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبوابها شئتِ".
فأقول: هذا الخبر إسناده ضعيف، وأقصى ما فعله بعضهم تحسينه، يعني ترقيته لمرتبة هي دون مرتبة الصحيح، كما صححه أحد المعاصرين، فكيف يجعلون من خبرٍ اختلف أهلُ هذا الفن فيه ما بين توهين وتحسين وتصحيح -كيف يجعلونه- قيداً على كل امرأة ولو كان زوجها لها ظالماً وعليها متجنياً ومتعسفاً؟
وأما متنُ الخبر فلا يخلو من ركاكة أستبعد معها صدوره من رسول الله الذي أوتي جوامع الكلم، وكأني بالخبر يقول: ليس مطلوباً من المرأة سوى هذه الأربعة لكي تدخل الجنة! فيا للبساطة! ربما تحقد.. تكره.. تغل.. تسرق.. تغتاب.. تنم.. تشتم.. تأكل الحقوق.. تتغذى على المال الحرام.. لا إشكال ما دامت تصلي وتصوم وتطيع زوجها!
فأين هؤلاء من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين سئل عن المرأة التي تصوم وتصلي ثم هي تؤذي جيرانها؟ فقال: هي في النار!
ثم ماذا عن دور المرأة في المجتمع؟ ماذا عن الطبيبة التي أفنت عمرها في اختراع علاجٍ نافعٍ للبشرية؟ أو الكاتبة التي كتبت ما ينتفع به الناس؟ أو المربية التي علّمت الأجيال؟ هل تدخل المرأة الجنة لأجل هذا فقط؟ وهل تخلقت بأنبل خلق مع أهلها ومع أهل زوجها؟ وهل وهل وهل؟ أم هذه كلها شكلياتٌ بغير قيمة إذا ما وضعت بجوار طاعة الزوج؟ تلك الكلمة الفضفاضة التي لا تنضبط بضابط ويتنازعها الناسُ كلٌ حسب هواه!
سيقول قائلهم: فأين أنت إذن من الحافظ ابن كثير الذي كتب في تفسيره تعليقاً على الآية الرابعة والثلاثين من سورة النساء ما نصّه: "الرجال قوامون على النساء" أي: الرجل قيّم على المرأة، أي: هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجَّت"، انتهى كلامه.
فأقول وبكل ثقة: موقف الحافظ من المرأة كله لا يعجبني ولا يلزمني في شيء، فهو -مع وافر تقديري له ولمكانته العلمية- يحتقر المرأة احتقاراً لا تخطئه عين! ويظهر ذلك في جلّ ما كتبه، فقد جعل القوامة التي تعني القيام بأمر المرأة (وليس الزوجة فحسب) والسهر على راحتها والعناية بها، جعلها سبيلاً للتملك وسبباً للتسيد والرياسة والقهر والتسلط!
ثم هو يقول في ذات كتابه تعليقاً على الآية الخامسة من سورة النساء: إن المراد من قوله تعالى: "السفهاء" أي: النساء والصبيان! ويبسط الأخبار عن كبار أئمة التابعين بغير أسانيد، أو بأسانيد لا تخلو من وهاء وضعف واضطراب!
ولقد تعقّبتُ بنفسي أحد هذه الآثار عن مجاهد بن جبر وهو تلميذ الصحابي الجليل عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- ومن أعلام مفسّري التابعين، فوقعت على خبرين محكيين عنه: أما الأول: فيفسر السفهاء بعين تفسير ابن كثير، وأما الثاني فيقول: السفهاء من الرجال والنساء، فكتب محقق المخطوطة في الهامش قائلاً: الحقيقةُ أنّ هذا أعدل لأن كلمة "السفهاء" عامة! انتهى كلامه.
وتعليقي عليه: فلماذا تمسّك الحافظ إذن بالخبر الأول فيما أغفل الثاني؟ وهل لهذا علاقة بالأمانة العلمية، أم هي الرغبة الملحَّةُ في إثبات الفكرة المعلَّبة سابقة التجهيز، ولو بممارسة الانتقائية المعيبة التي لا يكادُ يسلمُ منها بشر!
والخلاصة أنّنا نحن أمة محمد، فلا نتخذ الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله، ولا نستدل بأقوال الرجال وإنما بما جاء قطعياً جلياً في الكتاب والسنة، وكما قال إمامنا مالك بن أنس: كلُّ أحدٍ يؤخذ من قوله ويُترك إلا المعصوم صلوات ربي وسلامه عليه.
قال المعارض: فماذا عن الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحلُّ لامرأةٍ أن تصومَ وزوجُهَا شاهدٌ إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه".
قلت: هذا من أبسط حقوق الزوج، ولعلَّ الرسول قد قاله رداً على وضعٍ مقلوب أراد تصحيحه وتعديله، كما قال نظيره للزوج الذي كان ينشغل عن زوجته بأمور العبادة فيصوم النهار ويقوم الليل، فما كان من حبيبنا المصطفى إلا أن قال له ناصحاً ومعلماً: "وإن لزوجك عليك حقاً، فأعط كلّ ذي حقٍ حقه"!
ولو أن أصحابنا هؤلاء فهموا أن النصوص لايمكن عزلها أبداً عن الظروف والشخوص، وأنّ مسلك الجمع بين النصوص هو وحده المسلك الصحيح الذي من شأنه توضيح مراد الشارع سبحانه وتعالى، لفقهوا الدين على حقيقته بدلاً من التقاط النصوص وبسطها بهذه الطريقة السردية للقفر على الحقائق والوصول إلى نتائج تناسب التشهي والهوى!
فلو نظرنا في هذه النصوص، لوجدنا سيدنا أنس بن مالك يقول: "خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُف قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ، لِمَ فَعَلْتَ كَذَا، وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا"، فهل يجدرُ بمن لم يصدر أمراً واحداً لخادمه أن يفعل مع زوجته وشريكة عمره؟
ثم كيف به وهو يقول لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد وإذا كنت غضبى قلت لا ورب إبراهيم"، فمَن الذي يفترض به أن يرضى عن مَن؟ ولماذا تغضّون الطرف عن هذه الأخبار الثابتة الصحيحة، وتكتفون ببسط الأخبار عن أن الزوج هو جنة الزوجة ونارها، وأنَّ رضا الله عنها من رضا زوجها، فأين رضاها هي أيضاً؟
أترك الجواب عن هذا السؤال غير العضال لضمير القارئ وعقله وروحه.. ربما قبل عقله!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.