داخل استوديو صغير تابع لمحطة إذاعية طلابية، وسط مدينة مونتريال الكندية، دأب بيرنارد ديروم المذيع الفرنسي الكندي تسجيل برنامجه الإذاعي باللغة الفرنسية، قبل أن تتسلم المهمة الراوية السورية ماريا ظريف، شريكته في البرنامج، لتعيد الكلمات نفسها في مكبر الصوت الخاص بها باللغة العربية.
انطلق الثنائي في تسجيل حلقات برنامجهما الذي يحمل اسم Radio-Dodo أو Sleepytime-Radio سنة 2017، وهو برنامج موجّه للأطفال السوريين اللاجئين، بدعمٍ من اللجنة الكندية التابعة لليونسكو، وبثَّ بالفعل 37 حلقةً عبر الإنترنت، وعبر محطة راديو روزنة السورية الإذاعية التي يقع مقرها في العاصمة الفرنسية باريس.
ويُقدِّم البرنامج الأسبوعي الناطق باللغتين الفرنسية والعربية مزيجاً من القصص والأغاني والمقتطفات عن كل شيءٍ للأطفال، بدءاً من كيفية عقد رباط الحذاء وحتى أسباب سقوط الأسنان اللبنية. ويهدف البرنامج إلى مساعدة الأطفال السوريين اللاجئين في أنحاء العالم على نسيان همومهم والنوم ليلاً.
صاحبة فكرة البرنامج
بريجيت أليبِن، خبيرة الضرائب الفرنسية الكندية التي هاجر جدها السوري إلى كندا في أوائل القرن العشرين، هي التي تقف وراء البرنامج.
فحين اندلعت الحرب السورية في عام 2011، قالت بريجيت إنَّها شعرت بالصدمة والعجز؛ إذ كانت قبل ذلك ببضع سنواتٍ فقط في زيارةٍ إلى مسقط رأس جدها بمدينة حلب السورية مع ابنها الصغير.
وكانت تلعب مع الأطفال السوريين طوال الزيارة آنذاك، أمَّا الآن، فهي لا تستطع التوقف عن التفكير في أحوالهم.
وقالت: "سألتُ نفسي عن الكيفية التي قادت بها الأقدار ابني -الذي كان معي في حلب- إلى أن يصبح آمناً الآن في موطنه بمدينة كيبيك، وقلتُ لنفسي إنَّني لن أرضى عن نفسي أبداً إذ لم أجد وسيلةً للمساعدة".
ظلَّت بريجيت تتساءل لوقتٍ طويل عن سُبل مساعدة اللاجئين السوريين في النصف الآخر من الكرة الأرضية، ولكن حين ناقشَت المشكلة مع أحد أصدقائها، تشكَّلت فكرة: يمكن لموجات الراديو أن تعبر الحدود وتصل إلى الناس في أي مكان في العالم.
وقالت بريجيت: "كنَّا نتحدث، ثم سرعان ما ظهرت لدي فكرة: محاولة إعداد برنامج إذاعي للأطفال". وجمعت بريجيت فريقاً صغيراً من متطوعين سوريين وجزائريين وكنديين لمساعدتها على تنظيم العرض، وصناعة محتوى مناسب، وضمِّ بعض الرواة.
وظهر في البرنامج عددٌ من الكُتَّاب الكنديين البارزين، من بينهم كيم ثوي ووجدي معوض، وماري إيف مارلو الرياضية الأولمبية الكندية السابقة، لسرد القصص أو التحدث عن وظائفهم.
أغلب المستمعين من تركيا وكيبيك
معظم مستمعي البرنامج يعيشون في تركيا وكيبيك. وتُعَد الطفلة رهف (10 أعوام)، وهي لاجئة سورية من دمشق ذهبت إلى مونتريال مع شقيقيها ووالديها، من متابعي البرنامج.
تستخدم رهف الكمبيوتر المحمول الخاص بأخيها للاستماع إلى البرنامج قبل نومها؛ وكانت قصتها المُفضَّلة في البرنامج حتى الآن عن كلبٍ يستقل الحافلة بنفسه.
وقالت رهف باللغة الفرنسية التي تعلَّمتها حديثاً: "أستمع إلى البرنامج وأنا على سريري وأغني معه". وقالت بسمة والدة رهف -التي طلبت عدم ذكر اسم عائلتها- إنَّ زوجها وولديها هربوا إلى الأردن أولاً، ولكن حين حاولت بسمة ورهف اللحاق بهما، تعرضتا للاعتقال والسجن لمدة 18 شهراً.
وبعد إطلاق سراح بسمة وابنتها، عاشت مع أفراد أسرتها في مخيمٍ للاجئين بالأردن لمدة ثلاث سنوات؛ حيثُ كانت الظروف قاسية، ولم يحظ الأطفال بفرصةٍ للذهاب إلى المدرسة.
والآن، تحاول رهف اعتياد حياتها الجديدة، ويشمل يومها الذهاب إلى المدرسة نهاراً واللعب في المنزل. وقالت: "أحب أن أسرد قصصاً لنفسي، وحين أحصل على كتابٍ جديد، أقرأه لنفسي".
وقالت بريجيت إنَّها تريد مواصلة نشر الحب والفرح للأطفال اللاجئين، وتعتزم توسيع مشروعها. وعثرت مؤخراً على محطةٍ إذاعية شريكة في مالي من أجل بث برنامجها للأطفال في البلد الناطق بالفرنسية، وتأمل أن يصبح برنامجها في نهاية المطاف برنامجاً إذاعياً عالمياً للأطفال اللاجئين في جميع أنحاء العالم.