قصص مؤلمة من داخل مراكز الاحتجاز.. مآسي طالبي اللجوء إلى أستراليا تثير انتقادات حقوقية

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/27 الساعة 20:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/11 الساعة 19:55 بتوقيت غرينتش

من أرقام في تقارير الأخبار إلى قصص ذات وجوه وأسماء، بهذه الطريقة يحاول الصحافي واللاجئ الإيراني المحتجز في أستراليا بهروز بوتشاني أن "يؤنسن" طريقة تعاطي الإعلام مع قصص اللاجئين.

وفي مقال مطول نشرته صحيفة  "الغارديان" البريطانية، عدد بوتشاني نماذج قصص لآباء محتجزين في مركز مانوس للتجهيز الإقليمي. أدت ظروفهم القاسية لخسارتهم أفراداً من عائلاتهم، في حين يقبعون على بعد 6 كيلومترات من شواطئ أستراليا بانتظار تحديد مصيرهم.

وكان تقرير لمنظمة العفو الدولية "أمنستي" هاجم السلطات الأسترالية، معتبراً أن المركز أشبه بسجن وعقاب بدلاً من حمايتهم.

وبدورها وصفت الباحثة في أمنستي، كيت شويتز، المراكز الجديدة في جزيرة مانوس بأنها خطر على سلامة المحتجزين.

من السودان.. مغامرة خاسرة بكل الأحوال

وعودة إلى قصص المحتجزين، يروي بوتشاني ما حدث مع اللاجئ السوداني محمد، الذي نفته الحكومة إلى جزيرة مانوس.

تحوَّلت حياة هذا الرجل بالكامل بعدما ترك زوجته الحامل وابنته البالغة من العمر عامين في إقليم دارفور بالسودان.

تُمثِّل قصة حياة محمد مأساةً حقيقية، فهو شابٌ وسيمٌ ذو عينين واسعتين ثاقبتي النظر، ولكن حين يسرح بنظره إلى الأمام، يشعر الناظر إليه بكآبةٍ شديدة في نفس هذا الرجل، إذ ترتسم الخطوط على وجهه مُثقلةً بحزنٍ بالغ.

وبعد بضعة أشهر من نفيه، جاءت ابنته الثانية إلى العالم، فشعر بسعادةٍ غامرة كجميع الآباء حين يُرزَقون بمولودٍ جديد.

كان ذلك في وقتٍ يعاني فيه اللاجئون معاناةً شديدة في ظل تعرُّضهم لعقابٍ وحشي لإجبارهم على العودة إلى بلدانهم. بيد أنَّ الإعادة القسرية بالنسبة لمحمد كانت تعني النهاية الأخيرة، فعودته إلى السودان تعني موته.

بعد بضعة أشهر من ولادة ابنته، انتشر خبرٌ في أرجاء السجن بأنَّ زوجته قُتِلت. لا شك أنَّ فقدان الزوجة أمرٌ صادم لأي شخص، لاسيما وأنَّ محمد كان يحب زوجته حُبَّاً جماً. وكان مضمون الخبر أنَّ مجموعةً من الرجال المُسلَّحين أمطروها بوابلٍ من الرصاص أثناء وقوفها في مزرعةٍ فارغة. أثارت هذه الحادثة موجةً من الدعم العاطفي من الرجال الآخرين الذين كانوا مُثقَلين كذلك بمشاعر اليأس.

انقضت خمس سنوات على تلك الفاجعة وصار عُمر ابنته الكبرى سبع سنوات والصُغرى خمس سنوات، وظَل محمد محتجزاً في جزيرة مانوس. تربي أمه المسنة الابنتين في إحدى القرى بدارفور، ولكنه يحلم بإدخالهما المدرسة وأن يحضنهما يوماً ما.

من إيران.. عندما يفقد الأب أباه

ثم يستعرض بوتشاني قصة اللاجئ الإيراني كاوه، الأب الذي فقد أباه. يستسهل في وصف معالم وجهه لأنه لا يملك أن يصوره. وكاوه رجلٌ ذو حاجبين كثيفين ووجهٍ واسعٍ ذي فكٍّ واضح الحواف. وتشع من وجهه بوضوحٍ صورةٌ مفعمة بالحيوية والإقبال على الحياة وأفراح طفولته. وُلِد ابنه طه أثناء وجوده في إندونيسيا، ولم يره قط. لكنَّ طه بدأ يتحدث الآن ويمشي، وينادي والده عبر الهاتف بكلمة بابا.

ترك كاوه زوجته الحامل وهرب من إيران، وعمَّا إذا كان قد فكَّر في العودة في هذه السنوات الماضية، رد على زميله المحتجز: "هل هناك أي رجل في هذا العالم لا يريد أن يكون مع ابنه وزوجته؟ إذا كان بإمكاني العودة، لمَا تأقلمت مع هذا الألم لثانيةٍ واحدة، ناهيك عن التعايش معه لمدة خمس سنوات".

ولا تنتهي قصة كاوه بابتعاده عن زوجته وطفله. إذ تلقَّى أنباء وفاة والده بعد مرور بضعة أشهر فقط من إبعاده إلى سجن مانوس. إنَّ الحزن على فقدان أحبائهم جزءٌ من واقع احتجازهم في سجن مانوس. وليس لديهم خيارٌ سوى مواجهة هذا الواقع، فهو جزءٌ لا يتجزأ من الحياة في هذا المكان.

من إيران مجدداً.. وأحلام بالكنغر

ومن الآباء الآخرين المحتجزين هناك أريوبارزان (45 عاماً) من إيران ولديه ابنتان تبلغان من العمر خمسة أعوام وسبعة أعوام. يُعلِّق صورهما على الحائط في غرفته. وحين ينظر إلى الصور، يصف الطريقة اللطيفة التي تتحدثان بها إليه عبر الهاتف، ويبدأ في الضحك. ويقول إنَّ شخصية ابنته الصغرى تُشبهه. وكلَّما تذكَّر هذا الجانب من شخصيتها، يصبح سعيداً للحظةٍ ويضحك مرةً أخرى.

عرف بوتشاني أريوبارزان لسنوات، إذ كان يُقيم في السرير المقابل له لمدة عام كامل. وهو رجلٌ قوي ذو بنيةٍ عريضة وشعرٍ مُجعَّد. يصفه بالإنسان طيب القلب الذي يحظى باحترامٍ بين جميع اللاجئين. ويمكن للجميع الاعتماد عليه بسبب ثروته من الخبرات الحياتية، ما جعل العديد من الرجال الأصغر منه يعتبرونه بمثابة أخيهم الأكبر. لكن في العديد من المرات في منتصف الليل، كان بوتشاني يلاحظه مستغرقاً في أعماق التفكير الحزين في ابنتيه الصغيرتين.

أستراليا: سياستنا المتشددة سيطرت على عدد القوارب

وتعتبر أستراليا أن سياستها المتشددة بشأن اللاجئين جعلت الأرقام محدودة وتحت السيطرة، إذ يصلها سنوياً ما بين 12 و13 ألف سنوياً.

وغالباً ما يتوجه المهاجرون على متن قوارب من إندونيسيا بعد دفع مبالغ باهظة للمهربين.

عندما يصل طالبو اللجوء إلى أستراليا، لا يتم احتجازهم فيها أثناء معالجة طلباتهم. وبدلاً من ذلك، يتم إرسالهم إلى مركز معالجة خارجي.

ويوجد حالياً في أستراليا مركز واحد من هذا القبيل في جزيرة ناورو في المحيط الهادئ وآخر في جزيرة مانوس في بابوا غينيا الجديدة.

وحتى إذا تمت الموافقة على طلبات هؤلاء اللاجئين، لا يسمح لهم بالاستقرار في أستراليا. وتتم إعادة تمركزهم في ناورو أو بابوا غينيا الجديدة.

وتنتقد منظمات حقوقية الإجراءات باعتقال طالبي اللجوء إلى أجل غير مسمى بأنها تتسبب في ضرر نفسي واسع النطاق يعرضهم لمخاطر عدة، بما في ذلك الاعتداءات الجسدية والجنسية.

علامات:
تحميل المزيد