أعلنت الشركات الرائدة في مجال تطوير الاحتياطي الإسرائيلي من الغاز البحري صفقةً تُنهي واحدةً من العقبات الكُبرى الأخيرة في طريق تصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي لمصر.
واستحوذت شركة Noble Energy وشريكتها الإسرائيلية Delek، بالإضافة إلى Egyptian East Gas Company، على 39% من أسهم شركة غاز شرق المتوسط المصرية، وهي الشركة المُتحكِّمة في خط الأنابيب الوحيد بين مصر وإسرائيل، حسبما كشف موقع Middle East Eye البريطاني.
أُعلِنَت الصفقة يوم الخميس الماضي 27 سبتمبر/أيلول، وبلغت قيمتها 518 مليون دولار أميركي، دفعت منها كل من شركتي Noble وDelek مبلغاً قيمته 185 مليوناً والبقية كانت من نصيب Egyptian East Gas، وفقاً للوثائق التي قدمتها شركة Delek في بورصة تل أبيب.
وبسيطرتها على خط الأنابيب، تقول Delek إن الغاز الإسرائيلي المستخرج من حقليّ تمر وليفياثان يُمكن تصديره لمصر بحلول أوائل العام المقبل، ليُدشِّن انطلاقة صفقة الـ10 سنوات البالغ قيمتها 15 مليار دولار التي وُقِّعَت في فبراير/شباط بين Delek وNoble وشركة الغاز المصرية الخاصة Dolphinus Holdings.
الصفقة انتصار لصناعة الغاز الإسرائيلية
صرَّحَ المدير التنفيذي لشركة Delek، يوسي أبو: "هذا هو أهم الأحداث المحورية بالنسبة لسوق الغاز الإسرائيلي منذ اكتشاف حقول الغاز". وأضاف: "أصبح حقل ليفياثان بمثابة مرتكز الطاقة الرئيسي في حوض البحر الأبيض المتوسط، وتضم قائمة عملائه إسرائيل ومصر والأردن".
وتُعتَبَر الصفقة انتصاراً كبيراً لصناعة الغاز الإسرائيلية التي عانت كثيراً في السابق لتسويق اكتشافاتها من الغاز، نتيجةً للتحديات السياسية والاقتصادية على حدٍّ سواء.
اكتُشِف الحقل الأول، وهو حقل تمر، عام 2009، يليه ليفياثان عام 2010، وهما أحد أكبر الاكتشافات العالمية في هذا القرن.
وقالت الشركتان، في بيانين على موقعيهما الإلكترونيين، إن الاتفاقية الجديدة تكفل إعادة تشغيل خط الغاز بين البلدين، خلال فترة العقد الذي سبق أن وقعته شركة دولفينوس لاستيراد الغاز من حقلي "تمارا" و"ليفاتان" الإسرائيليين لمدة 10 سنوات، كما ستتنازل الشركة عن دعوى التحكيم التي سبق أن تم الحكم فيها بتعويض ضد هيئة البترول المصرية والشركة المصرية للغاز الطبيعي "إيجاس" بقيمة 1.75 مليار دولار بسبب وقف تصدير الغاز عام 2012.
وأسست شركتا "ديرليك" و"نوبل إنرجي"، ومعهما شركة غاز الشرق، التي تملك خطوط الغاز والبنية التحتية في مصر، شركة جديدة باسم EMED، والتي اشترت 39% من شركة خط الغاز، البالغ طوله 90 كيلومتراً، ويربط بين عسقلان والعريش.
وبحسب الاتفاقيات، توزعت قيمة الصفقة البالغة 518 مليون دولار، بواقع 370 مليون دولار مناصفة بين "ديرليك" الإسرائيلية و"نوبل إنرجي" الأميركية، و148 مليون دولار لشركة غاز الشرق.
ومن المقرر إتمام الصفقة بنهاية يونيو/حزيران 2019، إلا أنه من المرجح إغلاقها قبل هذا التاريخ بحيث يبدأ تدفق الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر عبر خط الأنابيب في بداية عام 2019.
لكن بعد مرور عِقدٍ واحدٍ فقط، ظلَّ حقل تمر وحده ينتج الغاز للاستهلاك التجاري، ويُلبِّي كافة احتياجات إسرائيل من الغاز، علاوةً على تصديره لشركة البوتاس العربية الأردنية المملوكة للدولة والشركة التابعة لها، برومين الأردن.
ومع الوقت، انحسرت قائمة العملاء المحتملين في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بعد اكتشاف مصر وقبرص حقول غاز ضخمة خاصة بهم.
ازدادت الضغوط على السوق الإسرائيلية الأسبوع الماضي بعد الإعلان عن توقيع صفقةٍ بين قبرص ومصر لبناء خط غازٍ يصل إلى مرافق الغاز الطبيعي المُسال في مصر، ما يُمهِّد الطريق لصادرات الغاز القبرصي، ويُشكل منافسةً لإسرائيل.
وأوضح الزميل المنتسب لبرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد تشاتام هاوس، ديفيد باتر: "شركاء ليفياثان يجاهدون بنوعٍ من اليأس لبيع الغاز المستخرج لديهم". وأضاف: "أشعر بأنهم يرغبون في التحرُّك سريعاً ليكون غازهم هو اللاعب الرئيسي قبل وصول الغاز القادم من خط أنابيب قبرص".
بعد أن كانت مصر هي التي تصدِّر الغاز لإسرائيل في السنوات الماضية
هناك أيضاً ضغوط من أجل صفقةٍ سريعة في الوقت الذي تتجه فيه مصر نحو الاكتفاء الذاتي من الطاقة بعد سنواتٍ من الاضطرار لاستيراد الغاز الطبيعي المسال باهظ الثمن، نتيجة عدم الاستقرار السياسي وسوء إدارة قطاع الطاقة الذي تركها في الماضي دون استفادةٍ من غازها الطبيعي.
وصرَّح الزميل الباحث في معهد دراسات الأمن القومي، ومقره تل أبيب، إيلاي ريتيغ، في وقتٍ سابقٍ من العام الجاري لموقع Middle East Eye البريطاني: "على الورق على الأقل، لم تعد هناك حاجةٌ للغاز الإسرائيلي بعد الآن".
وفي واقع الأمر، ستعكس هذه الصفقة الاتجاه التاريخي لسريان الغاز بين البلدين: بدايةً من أوائل الألفية الثالثة، كانت مصر مُصدِّراً صافياً للغاز ووفَّرَت 40% من الغاز الطبيعي لإسرائيل بأقل الأسعار في العالم.
وعُقِدَت تلك الصفقة بين اثنتين من الشركات المصرية المملوكة للدولة وشركة غاز شرق المتوسط المصرية، التي تضم قائمة شركائها عميل الاستخبارات الإسرائيلية السابق وعملاق الطاقة، يوسف مايمان، والمليارد والمستثمر الأميركي سام زيل -وهي نفس الشركة التي استحوذت Delek وNoble وEgyptian East Gas على 39% من أسهمها.
لكن بحلول عام 2012، مع تكرار الهجمات على خط الغاز في سيناء وعدم القدرة على تلبية احتياجات السكان الثائرين الذين يعانون من انقطاع الكهرباء بشكلٍ مستمر، ألغت مصر الصفقة، لتفتح الباب أمام طرح مليارات الدولارات في قضايا التحكيم التي رفعتها Israeli Electric Company وشركاؤها في شركة غاز شرق المتوسط المصرية.
والآن، وفقاً للملفات والبيانات الصحافية من شركة Delek ، وافق المساهمون في شركة غاز شرق المتوسط المصرية -التي استحوذت عليها شركات Delek وNoble وEgyptian East Gas، بما في ذلك نصيب زيل ومايمان- على التنازل عن جميع المطالبات، من أجل إزالة عقبةٍ أخرى كانت عائقاً في طريق إتمام الصفقة.
وبالنظر إلى اقتراب مصر من الاكتفاء الذاتي من الطاقة، يتوقَّع معظم المُحلِّلين أن الغاز الإسرائيلي سيجري تسييله في واحدٍ من مصنعي التسييل المملوكين لمصر قبل إعادة تصديره، ما يمنح الدولة والشركات المنخرطة أرباحاً من رسوم المرور والنقل