استجمعت السائحة الهندية باترشيا قواها بعد لحظات من الخوف والارتجاف وكلمات تشجيعية من زوجها الأميركي توماس، لتقفز باستخدام الحبال بين صخرتين مرتفعتين تحت سفح جبل المقطم، في أول مكان من نوعه لممارسة رياضة الجبال في العاصمة المصرية.
صعدت باترشيا (32 عاماً)، ذات الجسد الضئيل والملامح الشرق آسيوية، هي وزوجها ما يقارب 6 طوابق، يرتديان حزاماً حول الوسط محمَّلاً بقِطع معدنية، ليعلقا من خلاله في الحبل المعدني الذي بين الصخرتين، على مسافة نحو 200 متر داخل دير القديس سمعان الخراز أسفل جبل المقطم.
وقف توماس (38 عاماً)، الذي يتحدث القليل من اللغة العربية؛ بسبب عمله في مصر 6 سنوات مدرساً للغة الإنكليزية في إحدى مدارس المعادي (ضاحية راقية جنوب القاهرة)، يشجع زوجته ببعض الكلمات باللغة الإنكليزية ويطبطب على كتفها إلى أن قفزت وهي تصيح فرحاً.
يقول توماس، الذي كان يرتدي سرولاً رياضياً قصيراً، إنه مارس رياضة الألعاب في الجبال من تسلق وقفز في عدة دول، ولكنه أصبح "سعيداً جداً عندما علم بوجودها في القاهرة"، فقرر اصطحاب زوجته لتجربتها.
فكرة بولندية
تحت سفح جبل المقطم الذي قدَّسه المصريون قديماً، قرر ماريو البولندي الجنسية افتتاح مركزه لألعاب الحبال وتعليم تسلق الجبال في دير القديس سمعان الخراز الذي يعمل خادمًا بداخله.
وبعد سنوات من الاستقرار في كندا، جاء ماريو (50 عامًا) إلى القاهرة قبل 26 عامًا لتعلم اللغة العربية، وأراد أن يعلم شباب الدير والمنطقة رياضة تسلق الجبال "لا أهدف للربح، فقط أريد حماية الشباب من التدخين والمخدرات وتعليمهم شيئا جديدا ينفعهم".
يقول ماريو لـ"عربي بوست" إنَّ عمله في الدير كان مرتبطاً بالنحت على الجبل، كما أن "فترة إقامتي بكندا كانت مليئة بأوقات الفراغ التي كنت أستغلها في تسلق الجبال، ففكرت في أن أسس مدرسة لتعليم هذه الرياضة والبدء بشباب المنطقة".
يقع دير القديس سمعان الخراز داخل منطقة يعمل أغلب سكانها في تجميع القمامة وفرزها، فالروائح الكريهة كانت تحيط بالمكان، حتى فتح لهم ماريو الباب لممارسة الرياضة والتقرب منهم وحثهم على نظافة المنطقة، وهي الدعوة التي بدأت تلقى صدى في منطقة عُرفت على مدار سنوات باسم منطقة "الزبالين".
يملك ماريو جسداً رياضياً قوياً، يقف وسط عدد من الشباب الذين يعملون معه بشكل تطوعي، يعطيهم التعليمات قبل استقبال الرواد في نحو الساعة 12 ظهراً، ويشدد عليهم في تأكيد وسائل الأمان التي يرتديها مرتادو الألعاب.
يسكن ماريو في حي مدينة نصر بشرق القاهرة، ويأتي إلى الدير بشكل يومي في مسافة بالسيارة تستغرق نحو 20 دقيقة في مشوار اعتاده وأحبَّه.
بوجه مملوء بالدهشة والانبهار مع علامات من القلق، جاءت نوران عصام وأصدقاؤها إلى الدير؛ لتجربة الألعاب بعدما سمعوا التجربة من إحدى صديقاتهم.
ظلت عيون نوران وأصدقائها معلَّقة بالحبال التي تتدلى من الجبل، وعلى الرايات الملونة يأخذون الصور التذكارية معها، ويتهامسون فيما بينهم حول من سيلعب ومن يبدأ التجربة.
وقفت طالبة كلية الصيدلة نوران (21 عاماً)، هي وأصدقاؤها، في شكل دائرة، وقف وسطها أحد الشباب المتطوعين مع ماريو يشرح وسائل الأمان وكيفية لعب كل لعبة ومراحلها.
4 لعبات تبدأ أسعارها بين 75 و200 جنيه (نحو 12 دولاراً)، جميعهم متعلقون بالجبال المربوطة في الجبل وتعتمد على المغامرة المصحوبة بالمتعة.
اختارت نوران وأصدقاؤها البدء بلعبة (zipline)، وهي اللعبة الأخطر بعد نصيحة من الشاب المتطوع، الذي شرح لهم الألعاب قائلاً: "لكسر هيبة الألعاب لا بد من أن تبدأوا بهذه اللعبة".
صعدت نوران وأصدقاؤها البرج الخرساني المكون من 6 طوابق، بعد أن ارتدوا أحزمة الوسط وخوذة الرأس للحماية، وأعاد ماريو التأكيد عليها بنفسه مع كل لاعب.
قلق ورعب
خوف ورعب أصابا نوران وأصدقاءها، وقفوا جميعاً في طابور بالعرض أمام الشاب الذي ينفذ اللعبة، بعد أن ربطهم جميعاً من الأحزمة في قطعة حديدية مثبَّتة في الحائط؛ لحمايتهم حال فَقَدَ أحدٌ اتزانه أو سقط.
ويقول المتطوع ويدعى بولس: "ما يهمنا في المقام الأول أن نوفر الأمان للجميع. هم مسؤولية كبيرة في رقبتي".
قبل أن يتابع الشاب الأسمر الذي يرتدي قبعة بيضاء: "هذا بالإضافة لإسعادهم ومتعتهم (الزبائن) بالتأكيد".
يشجع كل واحد منه صديقه ليبدأ اللعبة، إلى أن قررت إحداهن أن تبدأ وضحكت ساخرة: "وصيتكم موبايلي إذا حدث لي شيئاً".
فك الشاب المتطوع حزام الفتاة بعد أن طلب منها صعود درجتي سُلَّم، ثم علَّقه في الحبل المعدني وطلب منها النزول درجة درجة ثم الجلوس، لتنطلق وهي تصيح بصراخ رعباً، ولكنها تنظر فجأة إلى أصدقائها وهي تبتسم فرحاً: "الله.. حلوة أوي.. يلا العبوا".
انزلقت الفتاة بالحبل بين الصخرتين مسافة 200 متر، ومرت أمام أحد الأبراج الذي يقف بداخله مصور، أخذ يلتقط صوراً للاعبين وهم معلقون في الهواء.
وصلت القتاة إلى نهاية الحبل المعدني وعادت مرة أخرى إلى منتصفه، حيث البرج المعدني القصير الذي يقف بداخله الشباب المتطوع، أما ماريو فوظيفته استقبال اللاعبين وإنزالهم.
"هزمت خوفي"
"كسرت خوفي وهزمته"، تقول نوران بعدما نزلت من البرج المعدني القصير وانتهت لتوها من لعب "zipline"، وتضيف: "كنت مرعوبة وخائفة ومتوترة قبل القفز، ولكن بمجرد بداية اللعبة تشعر بالمتعة الحقيقية، كنت طائرة في الهواء".
انتهى شباب كلية الصيدلة العشرة من اللعبة الأولى، وجلسوا في الاستراحة أمام الألعاب، كل منهم يمسك بهاتفه المحمول يتفحصه، إلى أن جاء إليهم ماريو وصاح فيهم ضاحكاً: "هل تطلبون الكفن من أمازون.. لا تقلقوا المقابر هنا كثيرة"، ضحك الشباب واستعدوا لاستكمال بقية الألعاب.
انقسم الشباب إلى مجموعات، كل منهم اختار لعبة يبدأ بها، كانت مجموعة نوران قررت تجربة تسلق الجبال.
ذهبت نورا إلى المنطقة المواجهة للجبل، وربطها أحد الشباب المتطوع بحبل في حزام وسطها، وشرح لها الطريقة؛ وهي أن تمسك في القِطع البارزة من الجبل وتبدأ التسلق ولا تقلق من السقوط.
تقول نوران إنَّ "تسلقَ الجبل ليس مرعباً كاللعبة الأولى، ولكنه تحدٍّ للنفس، أن تصل إلى أعلى نقطة"، مضيفة: "كانت مجهدة وتعبة جداً، ولكن أيضاً ممتعة عدما تصل إلى أعلى مستوى".
مجموعة أخرى من أصدقاء نوران اختاروا لعبة المشي على الحبل المعدني من على ارتفاع، منهم صديقتها المحجبة أسماء، التي ظلت 5 دقائق مترددةً على البرج الخرساني إلى أن شجعهها أصدقاؤها لتجربة اللعبة.
لَم تجرب نوران لعبة المشي على الحبل المعدني، "جرَّبتها من قبلُ خارج مصر، كنت أريد تجربة لعب جديدة".
انتهى الأصدقاء من ألعابهم بعد نحو 4 ساعات، "مغامرة وتحدٍّ للنفس ومتعة حقيقية، نشعر بالسعادة والمرح رغم التعب والإجهاد"، وفق تعبير أسماء التي بدأت اللعبة متوترة وخائفة للغاية.